الغد
كان واضحا منذ البداية أن موسم الزيتون الحالي يعاني من إشكالية إضافية لا علاقة للبشر بها. فإضافة إلى عمليات الغش المتكررة كل موسم وما تتركه من أثر نفسي ومادي سلبي على المنتجين والمستهلكين، عانى القطاع هذا العام من إشكالية جديدة تمثلت بتدني مستوى الموسم المطري الماضي وبلوغه حد الجفاف الذي أصاب الأشجار وأدى لتراجع مستوى الإنتاج إلى حدود الربع عما كان عليه في المواسم السابقة. وحوّل البعض من مزارع الزيتون إلى أخشاب جافة، وأصاب الكثير منها ببعض أمراض» التسوس»، ما اضطر البعض من المزارعين إلى تحطيبها. كما عانى القطاع من محاولات بعض أطراف العملية الإنتاجية لزيت الزيتون تعظيم حصتها، في استغلال الظرف وجني المزيد من الأرباح.
فبدلا من الاعتراف بأن شح الموسم وتدني مستوى الإنتاج يفرض واقعا جديدا لا بد من التعامل معه، بما يعوض المزارع عن خسائره، ويحفظ حق المستهلك في الحصول على مادة زيت الزيتون التي تصنف ضمن المواد الأساسية، ويوزع أعباء الجفاف على كافة أطراف المعادلة عظمت أطراف عديدة مصالحها، وقللت أطراف أخرى من حدة المشكلة، وتنكرت للواقع ولكافة الحلول الواجب اتخاذها في مثل هذا الظرف لتجاوزه بأقل الخسائر .
أبرز المواقف اللافتة تشبّث أصحاب المعاصر بأن يكون سعر تنكة زيت الزيتون البكر 120 دينارا والإصرار على اعتباره سعرا عادلا. الأمر الذي رفضه المنتجون، ورحب به المستهلكون وباركته الحكومة، ليتبين لاحقا أن أصحاب المعاصر هم الوحيدون الذين يمتلكون الآلية لتطبيق تلك التسعيرة، من خلال شراء الفائض لدى المزارعين بعد الانتهاء من عملية العصر، والحصول على كميات من الزيت بدل أجرة العصر»الرد». وهم الوحيدون الذين يستفيدون منها.
وبالفعل، نجحت معاصر في شراء كميات من الزيت بأسعار لا تتجاوز السعر الذي اقترحته وأقنعت الوزارة بعدالته» 120 دينارا للتنكة»، لكنها رفضت بيع أي من تلك الكميات للمستهلكين أملا بتخزينها وتأجيل عملية البيع إلى ما بعد انتهاء عملية العصر لوضع السعر الذي يناسبها بعيدا عن عمليات العرض والطلب التي تنادي الأطراف التجارية بتطبيقها عندما يتعلق الأمر بمصلحتها. بينما يرفضونها عندما يتعلق الأمر بمصلحة المزارع الذي يعاني من أسوأ كارثة أصابته هذا العام.
اللافت هنا أن الحالة الجدلية أخذت مداها رغم علم كافة الأطراف بشح الموسم الإنتاجي لزيت الزيتون. فقد كان واضحا منذ ما قبل بدء موسم القطاف أن الإنتاج سيكون شحيحا ومخالفا لغالبية مواسم الفرح السابقة، حيث وصل الإنتاج السنوي من زيت الزيتون البلدي إلى ما بين 25 الى 40 ألف طن كانت كافية للاستهلاك المحلي وتصدير الفائض بكميات تزيد على عشرة آلاف طن إلى أسواق تعشق الزيت الأردني وتنتظر موسمه كل عام للحصول على احتياجاتها وتنعم بطعمه المميز.
الآن، ونحن ما نزال في بدايات الموسم، تشير التقديرات الرسمية إلى أن احتياجات السوق المحلي من زيت الزيتون تصل إلى 25 ألف طن، قد تتراجع بنسبة ليست قليلة بسبب القرار الحكومي المدروس الذي سمح بإدخال زيت الزيتون من الضفة الغربية بواقع خمس تنكات لكل قادم من هناك، بدلا من تنكة واحدة في المواسم السابقة.
غير أن المشكلة التي حدت من فاعلية ذلك القرار في توفير كميات من الزيت تقلل من الطلب وتزيد العرض، أن موسم الإنتاج في فلسطين المحتلة كان متواضعا بسبب شح الأمطار أولا، والممارسات الإسرائيلية المتمثلة بإطلاق أيادي المستوطنين للعبث بموسم الزيتون في الأراضي المحتلة والحد من قدرة المزارعين هناك من الوصول إلى حقولهم، وقيام المتطرفين الصهاينة بتدمير الكثير من الأشجار. الأمر الذي حد من فاعلية القرار الأردني.
الإجراء الآخر الذي تم هنا، والذي أراه مناسبا جدا للحالة الأردنية في هذا الملف، هو السماح باستيراد زيت الزيتون من عدة دول مشهورة بجودة إنتاجها بهدف تغطية احتياجات السوق المحلية، وتوفير تلك السلعة الأساسية للمستهلك.
ومع أن تلك الجودة نسبية، ولا ترضي جميع أذواق من اعتادوا على استهلاك الزيت الأردني إلا أن تلك الخطوة كانت الحل الوحيد لتوفير تلك المادة التي لا يستغني عنها أي بيت، وبآلية تحمي المزارع وتحفظ حقه، وتحمي المستهلك ولو بشكل نسبي.
فالمطلوب هنا التنسيق بين وزارتي الزراعة التي سمحت ـ مرحليا ـ باستيراد كميات تقل عن حاجة السوق انتظارا لتكشف كميات الإنتاج المحلي، ووزارة الصناعة والتجارة التي يفترض ألا تتأخر في وضع سقف سعري لتلك المادة المستوردة وإلزام التجار بذلك السقف. وإبقاء المنتج الأردني خاضعا لعوامل السوق.
فاحتمالية التوافق بين أطراف المصالح التجارية الخاصة تبقى واردة، بما يؤدي إلى إخراج المنتج المحلي من السوق والتجاوز على حق المستهلك في الحصول على سلعة جيدة بسعر مناسب، وحصول التاجر على هامش ربحي مرتفع. وبعكس ذلك، قد تتحول سوق زيت الزيتون إلى نوع من الفوضى التي حاول البعض فرضها منذ ما قبل بدء الموسم الحالي.