الغد
ينعقد هذه الأيام المؤتمر الثلاثون للأطراف COP30 في البرازيل، في لحظة عالمية تتسارع فيها مظاهر الاختلال المناخي وتتعاظم فيها الضغوط على الدول الأكثر هشاشة. وبينما يتجه قادة العالم إلى مدينة بيلِم لمناقشة مستقبل الكوكب، يقدم الأردن هذا العام مثالا عمليا وواقعيا لما يعنيه تغير المناخ بالنسبة للدول محدودة الموارد.
فموسم الزيتون للعام الحالي سجل تراجعا غير مسبوق في الإنتاج، وفق الأرقام الرسمية، حيث لم تتجاوز كمية الزيت المنتجة حتى بداية تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي 1,419 طنا فقط، أي انخفاضا بنحو 44.2 بالمائة عن متوسط المواسم الممتدة بين 2012 و2025.
هذا الانخفاض الحاد لا يمكن قراءته كأزمة زراعية عابرة، بل كدليل مباشر على تسارع آثار التغير المناخي. فشجرة الزيتون؛ رمز الصمود والقدرة على التكيف، باتت تعاني من ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع ساعات البرودة، وغياب الأمطار الكافية، وتواتر موجات الجفاف. هذه العوامل مجتمعة دفعت بآلاف المزارعين، خصوصا أصحاب الحيازات الصغيرة والمتوسطة، إلى مواجهة خسائر حقيقية في مصدر دخلهم الموسمي الذي يعيل أسرا بأكملها في المناطق الريفية.
ما يعيشه الأردن اليوم يجسد جوهر مفهوم العدالة المناخية. فالدول الأقل إسهاما في الانبعاثات الكربونية، ومن بينها الأردن، هي الأكثر تعرضا لتبعات الظواهر المناخية القاسية. والمزارعون الذين لا علاقة لهم بمسببات الأزمة هم أول من يدفع ثمنها: محاصيل أقل، كُلف أعلى، وشح مائي متزايد، إذ تشير الخطط الرسمية إلى أن حصة الفرد من المياه لا تتجاوز 60 مترا مكعبا سنويا، وهو رقم يضع الأردن ضمن أكثر دول العالم معاناة من الإجهاد المائي.
وفي المقابل، يشكل انعقاد COP30 فرصة سياسية مهمة لرفع صوت الدول المتضررة، وللتأكيد أن معالجة التغير المناخي ليست مجرد التزام بيئي، بل مسؤولية عالمية تتطلب دعما ماليا وتقنيا للدول التي تتحمل العبء الأكبر رغم دورها الضئيل في نشوء الأزمة.
وهنا تأتي أهمية الربط بين موسم الزيتون في الأردن والمشهد الدولي الراهن. فالأزمة التي يعيشها المزارعون ليست حادثا محليا، بل جزء من مشكلة عالمية تتقاطع فيها الزراعة والمياه والفقر والطاقات البديلة والحوكمة البيئية.
كما تتزامن هذه التطورات مع وجود الأردن في مرحلة مهمة من إعداد المساهمات المحددة وطنيا (NDC3)، المتوقع أن يقدمها منتصف العام المقبل. وفي هذه الوثيقة الاستراتيجية، سيضع الأردن مساره للحد من الانبعاثات والتكيف مع آثار التغير المناخي، بما يشمل قطاعي المياه والزراعة. وهنا يجب أن يشكل موسم الزيتون للعام الحالي مدخلا لإعادة التفكير الجاد في أولويات التكيف، وتوسيع نطاق الاستثمار في حصاد مياه الأمطار، وكفاءة الري، والأصناف الزراعية المقاومة للجفاف، والتأمين الزراعي، والسياسات الاقتصادية التي تحمي المزارعين من الخسائر الموسمية المتكررة.
إن اجتماع قادة العالم في البرازيل يجب أن يشكل لحظة مراجعة كبرى: المطلوب ليس وعودا جديدة، بل إجراءات ملموسة لوقف تسارع التغير المناخي، وتمويل حقيقي لدعم الدول المتأثرة، وضمان أن انتقال العالم إلى اقتصاد منخفض الكربون لا يُعيد إنتاج الظلم المناخي، بل يواجهه.
في النهاية، موسم الزيتون في الأردن ليس مجرد مؤشر زراعي، بل شاهد حي على مستقبل يزداد هشاشة، ورسالة يجب أن تحملها الوفود المشاركة في مؤتمر الأطراف COP30. العدالة المناخية لم تعد موضوعا للنقاش، بل ضرورة وجودية لحماية أرواح وموارد ومستقبل الشعوب.