أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    24-Mar-2025

إستراتيجيات الأردن لتعزيز الأمن السيبراني*د. حسن عبد الله الدعجة

 الغد

في خضم التقلبات السياسية والاجتماعية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، لم يخلُ الأردن من التحديات التي تواجه الكثير من الدول في هذه المنطقة. ومع ذلك، يبرز الأردن كنموذج يحتذى به في الاستقرار والتماسك الوطني، على الرغم من الهجمات الإلكترونية والإعلامية الممنهجة التي تسعى لزعزعة هذا الاستقرار. 
 
 
يعود هذا التماسك إلى السياسات الحكيمة والإدارة الفعّالة التي تنتهجها القيادة الأردنية، والتي تضع أمن وازدهار المواطن في صلب أولوياتها. تجلت هذه الرؤية في مقاومة الضغوط الخارجية والداخلية بشكل متوازن، مع الحفاظ على نسيج اجتماعي متماسك يعزز من قدرة الدولة على تجاوز الأزمات.
منذ عام تقريباً، لوحظ وجود هجمة ممنهجة ومستمرة تستهدف الأخبار والتقارير الإيجابية المتعلقة بالثوابت الوطنية الأردنية. هذه الهجمة ليست عفوية أو عشوائية، بل تنظمها حسابات تتبع أيديولوجيا محددة تصدر من عدة دول. يُعتقد أن هذه الدول ليست مسؤولة مباشرة عن هذه الأعمال، ولكن الطابع الأيديولوجي الموحد للحسابات يشير إلى تنسيق معين ودعم لوجستي ومالي يتخطى قدرات الأفراد أو الجماعات المستقلة.
 تمثل هذه الحملات تحدياً كبيراً للأمن الوطني، حيث تستهدف تقويض الثقة بالمؤسسات الوطنية وإحداث شرخ في اللحمة الوطنية. إن التصدي لهذه الهجمات يتطلب إستراتيجية شاملة تجمع بين اليقظة الأمنية والرصد الإلكتروني، بالإضافة إلى تعزيز الوعي بين المواطنين لتمييز الأخبار المضللة والحفاظ على الوحدة الوطنية.
وفقاً للتقارير، فإن الجهد الإلكتروني الموجه ضد الأردن يضم أكثر من 300 ألف حساب ناطق باللغة العربية. تركز هذه الحسابات هجومها على الأردن في ظل التحديات الأمنية التي يواجهها الإقليم، بما في ذلك حرب المملكة على المخدرات وجهود قواتنا المسلحة في مواجهة أي محاولات للعبث بالأمن الوطني. يعكس هذا النشاط الإلكتروني المعادي محاولات مستمرة لتشويه صورة الأردن وتقويض الثقة في مؤسساته، مستغلين الأوضاع الإقليمية المتقلبة والأزمات الأمنية كفرص لإثارة البلبلة.
تُعد هذه الحسابات أدوات في حرب إلكترونية معقدة، تعمل بتمويل وتوجيه من جهات خارجية تسعى للتأثير على الرأي العام وخلق حالة من الاضطراب. الحكومة الأردنية، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، تعمل جاهدة على تعقب هذه الأنشطة ومكافحتها بفعالية عن طريق تعزيز قدراتها التكنولوجية والسيبرانية. إضافةً إلى ذلك، يجري تطوير برامج توعوية للمواطنين لزيادة الوعي بمخاطر الأخبار المزيفة والحملات المضللة التي تستهدف النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية الأردنية.
كما تُظهر الهجمات نمطاً ملحوظاً في استغلال الأحداث الإقليمية والدولية لزعزعة الثقة بين المواطنين وحكومتهم. لعل أبرز الأمثلة على ذلك هو الاستغلال السياسي للحرب الإسرائيلية على غزة، حيث سعت هذه الحسابات للتشكيك بالموقف الأردني الذي غالباً ما يُعتبر متقدماً على العديد من الدول العربية في مجال الحقوق والدعم الإنساني. 
هذه الحملات تهدف إلى تصوير الأردن بمظهر المتخاذل أو المتواطئ، وذلك بتوظيف الروايات المضللة وتأويل الأحداث بشكل يخدم أجندات خارجية.
 الأردن، معروف بمواقفه الثابتة ودعمه المستمر للقضية الفلسطينية وحقوق الإنسان، يجد نفسه في مواجهة تحديات دعائية تستغل الأزمات لتفكيك اللحمة الوطنية. هذه المحاولات تستدعي تعزيز الوعي المجتمعي والتأكيد على القيم الوطنية والعمل المشترك للحفاظ على الثقة في المؤسسات الوطنية.
أما على صعيد الرياضة، فقد تحولت بعض المباريات إلى أرضية للصراعات الطائفية، حيث استخدمت الجماعات الإلكترونية الرياضة كأداة لإثارة الانقسامات وزرع الفتنة بين المشجعين. وهذا يكشف عن محاولة واضحة لتقويض النسيج الاجتماعي الأردني الذي يتميز بالتنوع والتسامح. 
استغلال الأحداث الرياضية بهذه الطريقة يمثل تحديًا كبيرًا، فالرياضة التي من المفترض أن تجمع الناس وتعزز الوحدة الوطنية، تُستخدم هنا كوسيلة لخلق الشرخ وتعميق الانقسام. تعمد هذه الجماعات إلى إثارة العواطف واستغلال الهويات الفرعية، ما يهدد بإضعاف الروابط المجتمعية. لمواجهة هذه التحديات، يجب على الأردن تعزيز الوعي بأهمية الرياضة كمنصة للوحدة والتقارب بدلاً من الانقسام، والعمل على تقوية المؤسسات الرياضية لتصبح جسورًا للتواصل بين مختلف شرائح المجتمع.
يتطلب التصدي لهذه الحملات الإلكترونية الممنهجة استجابة متعددة الأبعاد تشمل تعزيز الوعي العام وتطوير القدرات الدفاعية في مجال الأمن السيبراني. كما يجب على الأردن الاستمرار في تعزيز الشفافية والحوار المفتوح بين الحكومة والمواطنين للحفاظ على الثقة المتبادلة.
 الجهود الوطنية تشمل تنفيذ برامج تدريبية مكثفة للكوادر الأمنية لمواكبة أحدث التقنيات في مجال الأمن الإلكتروني، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لتبادل الخبرات والمعلومات حول التهديدات السيبرانية. علاوة على ذلك، من الضروري تطوير برامج توعية شاملة تستهدف جميع شرائح المجتمع لرفع مستوى الوعي بالمخاطر المتعلقة بالأمن السيبراني وكيفية التعامل مع المعلومات الشخصية والحساسة بطريقة آمنة. من خلال هذه الإجراءات، يمكن تعزيز دفاعات الدولة وبناء جدار صد قوي ضد الحملات الإلكترونية الهدامة التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار.
في هذا الإطار، ينبغي التأكيد على أهمية التعاون الدولي لتتبع الحسابات والمصادر التي تنشر الأخبار المضللة وتهاجم الثوابت الوطنية.
 الأردن، بموقعه الإستراتيجي والتزامه بالأمن الإقليمي، يستحق الدعم في مواجهة هذه التحديات، ولا سيما في سعيه للحفاظ على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية.
يبرز الأردن كمثال على الصمود والوحدة في وجه العواصف، متمسكاً بثوابته الوطنية ورافضاً لكل محاولات التفرقة والفتنة. بالوحدة والإصرار على المواقف الوطنية الثابتة، يمكن للأردن أن يواصل مسيرته نحو التقدم والازدهار، داعياً جميع أبنائه إلى التكاتف والحفاظ على قيم التسامح والتعايش التي يُعرف بها الشعب الأردني.