أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Dec-2025

تقدم الأردن بمؤشر نضج الحكومة الرقمية.. بوابة التحول إلى خدمات ذكية

 الغد-إبراهيم المبيضين

بينما يؤكد خبراء في الشأن التقني أن تقدم الأردن في مؤشر نضج الحكومة الرقمية الصادر عن البنك الدولي يعكس جهودا حكومية متراكمة في مجال تطوير عمليات التحول الرقمي، إلا أنهم يرون أن هذا الإنجاز يفتح بابا لمرحلة جديدة تتطلب عملا مختلفا نحو التحول إلى ما يسمى بـ"الحكومة الذكية".
 
 
وأوضح الخبراء أن إنجاز تقدم الأردن في مؤشر نضج الحكومة الرقمية يضع المملكة أمام مسؤولية أكبر تتمثل في الحفاظ على هذا الموقع المتقدم والانتقال إلى الريادة الرقمية، والذي يتطلب النظر إلى التحول الرقمي كمشروع دولة متكامل، يرتبط بالإنتاجية والنمو الاقتصادي والثقة العامة والسيادة الرقمية، وليس كمجرد تطوير تقني أو واجهة خدمية.
وأكد الخبراء أن تقدم الأردن في المؤشر العالمي، رغم أهميته، إلا أنه يرسم خطوطا لمرحلة جديدة من عملية التحول الرقمي المؤسسية التي يجب أن تركز على النوعية في الخدمات أكثر من العدد، والتركيز خلال المرحلة المقبلة للانتقال إلى مفهوم الحكومة الذكية مع الاستفادة من النضج المؤسسي الرقمي الحاصل حاليا مقارنة بالسنوات سابقا.
ولفت الخبراء إلى أنه يترتب على الأردن أن يركز خلال المرحلة المقبلة على تطويع واستخدام تقنيات المستقبل وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي لتطوير مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمات الحكومية في إطار عملية التحول الرقمي المستمرة، والتنفيذ السريع والصحيح لمشاريع التحول الرقمي التي وردت في الإستراتيجية الوطنية الجديدة للتحول الرقمي.
وكشف تقرير البنك الدولي للعام 2025 عن تقدُّم الأردن في مؤشر نضج الحكومة الرقمية، حيث صنّف ضمن الفئة A وهي أعلى فئات النضج في التحول الرقمي الحكومي، ما يعكس تطور المملكة في رقمنة القطاع العام وتعزيز كفاءة الخدمات الحكومية بحسب التقرير الذي رصدته المملكة.
ووفق التقرير، سجّل الأردن درجة إجمالية بلغت 91.4 % على المؤشر، ليحل في المرتبة 21 عالميا، والرابع عربيا بعد السعودية والبحرين والإمارات، ما يضع المملكة ضمن الدول الأكثر تقدُّما في ممارسات الحكومة الرقمية على المستويين الإقليمي والدولي.
انتقال حقيقي إلى الرقمنة المؤسسية
وقال ممثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن هيثم الرواجبة: "مؤشر نضج التكنولوجيا الحكومية لا يقيس فقط وجود خدمات إلكترونية، بل يقيس مدى نضج الدولة في استخدام التكنولوجيا كمنظومة متكاملة تشمل الأنظمة الأساسية، جودة الخدمات الرقمية، الإطار التشريعي والمؤسسي، والقدرات البشرية والابتكار".
 وأكد أن تقدم الأردن في المؤشر يعكس انتقالا حقيقيا من رقمنة شكلية إلى رقمنة مؤسسية أكثر نضجا.
مرحلة جديدة يجب أن تركز على 3 أولويات
ومع ذلك، هذا الإنجاز لا يعني الاكتفاء - بحسب الرواجبة - الذي أكد أن هذا المؤشر يضع الأردن في مرحلة جديدة تتطلب تعميق الأثر وتحويل الرقمنة من “خدمة إلكترونية” إلى “حكومة رقمية ذكية” تقود القرار وتُحسّن الكفاءة وتخفض الكلفة.
ويرى الرواجبة أن المرحلة القادمة "يجب أن تركز على ثلاث أولويات واضحة، أولها تكامل البيانات الحكومية وبناء منصات مترابطة تدعم اتخاذ القرار القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى الخدمات عالية الأثر على حياة المواطن والاقتصاد، مثل الصحة، والعدالة، والبلديات، والاستثمار، والضرائب، والحماية الاجتماعية، مع التركيز على التجربة الكاملة للمستخدم وليس الخدمة المنفردة.
وقال الرواجبة: "ثالث أولويات تتمثل في التمكين البشري والتنظيمي عبر تطوير المهارات الرقمية، وتحديث التشريعات، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، لأن استدامة النضج الرقمي لا تُقاس بالتقنيات فقط، بل بقدرة المؤسسات والأفراد على استخدامها بفعالية ومرونة مع دخولها وتوغلها في صلب حياتنا اليومية وفي أساسيات أعمال القطاعات الاقتصادية كافة لتكون بمثابة شريان الحياة للناس والدول والاقتصادات حول العالم، لم تعد حوادث انقطاع خدمات الإنترنت أو توقفها مقبولة في فكرنا وتخيلنا، مما يستدعي بناء استراتيجيات على مستوى الحكومات والأفراد للحفاظ على استدامتها والتقليل من تأثيراتها السلبية لانقطاعها التي يمكن أن تُكبّد خسائر بمليارات الدولارات وفوضى واسعة النطاق".
الأردن قوة رقمية صاعدة في المنطقة
وقال الخبير في مجال التقنية والبيانات حمزة العكاليك إن تقدم الأردن في المؤشر "ليس مجرد إنجاز عابر، بل هو نقطة تحول إستراتيجية تعيد تموضع المملكة كقوة رقمية صاعدة في منطقة الشرق الأوسط".
 وبين العكاليك أن المؤشر الصادر عن البنك الدولي لا يقيس فقط عدد الخدمات المؤتمتة، بل يغوص في عمق النضج المؤسسي، أي مدى قدرة الدولة على دمج التكنولوجيا في صلب صناعة القرار، وكفاءة الأنظمة الحكومية الأساسية، وقوة الممكنات التشريعية والأمنية التي تضمن استدامة هذا التحول، كما أن وصول الأردن إلى هذه النتيجة وتجاوزه للمتوسطات العالمية والإقليمية بفارق شاسع يعكس نجاحا ملموسا في الانتقال من الرقمنة الإجرائية إلى الرقمنة الهيكلية التي تخدم رؤية التحديث الاقتصادي.
استحقاق ما بعد النضج
وأضاف العكاليك قائلا: "نقف اليوم أمام استحقاق ما بعد النضج؛ فالحاجة إلى العمل لم تنتهِ، بل بدأت مرحلتها الأكثر تعقيدا، فالجهود يجب أن تتركز في المرحلة المقبلة على ثلاثة محاور سيادية: أولا، حوكمة البيانات المفتوحة والمشتركة؛ فلا قيمة للأنظمة الرقمية إذا بقيت البيانات حبيسة صوامع مؤسسية منعزلة، إذ يتطلب الأمر تفعيلا شاملا لمنصات تبادل البيانات لضمان تدفق المعلومات بين الوزارات لحظيا".
 وأكد أن دمج الذكاء الاصطناعي المسؤول هو أمر غاية في الأهمية؛ للانتقال من الحكومة المستجيبة التي تنتظر طلب الخدمة، إلى الحكومة الاستباقية التي تتنبأ باحتياجات المواطن والمستثمر بناء على تحليل الأنماط السلوكية والبيانات الضخمة، وهو ما تنوي الحكومة العمل عليه من خلال إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي، فضلا عن أهمية حوكمة الأمن السيبراني والخصوصية؛ فمع اتساع الرقعة الرقمية، تصبح الحماية ضرورة قومية لحماية الثقة الرقمية.
القطاعات التي تقود التغيير
 أما عن القطاعات التي يجب أن تقود فيها ثورة التغيير، فقد أوضح العكاليك أن أولها قطاع الاستثمار عبر العمل على تطوير الرحلة الرقمية الموحدة للمستثمر التي تختزل الوقت من أيام إلى دقائق، ما يرفع تنافسية الأردن كمركز إقليمي.
وقال: "ثاني القطاعات هو قطاع الرعاية الصحية من خلال رقمنة السجلات الطبية الوطنية الشاملة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة التشخيص وتقليل الكلف، وقطاع التعليم الرقمي الذي يجب أن يتحول لمصنع للمهارات المستقبلية لضمان رفد السوق بكفاءات تتقن حوكمة التكنولوجيا".
وأكد العكاليك قائلا: "إننا اليوم في سباق مع الزمن؛ فالفجوة الرقمية العالمية تتقلص، والدول التي لن تستثمر في سيادة البيانات وذكاء الأنظمة ستجد نفسها خارج خارطة النفوذ الاقتصادي الجديد، فالأردن الآن في قلب المنافسة، والاستمرار في الابتكار المؤسسي هو الضمانة الوحيدة لترجمة هذه الأرقام إلى رفاه اقتصادي واجتماعي ملموس يلمسه كل مواطن ومستثمر على أرض المملكة". 
النضج الرقمي المؤسسي 
من جانبه، أكد خبير التحول الرقمي وريادة الأعمال م. هاني البطش أن التصنيف المتقدم في التقرير يعكس "إستراتيجية تتجاوز مفهوم رقمنة الخدمات أو إطلاق المنصات الإلكترونية، كون هذا المؤشر يقيس قدرة الدولة على إدارة التحول الرقمي كنظام متكامل يشمل البنية التحتية الرقمية المشتركة، وجودة الخدمات الحكومية الإلكترونية، ومشاركة المواطنين رقميا، إضافة إلى الأطر المؤسسية والتنظيمية والمهارية الداعمة.
وقال: "وصول الأردن إلى المرتبة 21 عالميا والرابعة عربيا يعني أن المملكة انتقلت من مرحلة الرقمنة التشغيلية إلى مرحلة النضج الرقمي المؤسسي، وأصبحت قادرة على التوسع والاستدامة وتكامل الأنظمة على مستوى الدولة، وليس فقط على مستوى الجهات المنفردة".
وأضاف البطش أن ما حققه الأردن في مؤشر نضج الحكومة الرقمية هو إنجاز وطني مهم يعكس مسارا تراكميا ناجحا، لكنه في الوقت نفسه يضع المملكة أمام مسؤولية أكبر، والحفاظ على هذا الموقع المتقدم والانتقال إلى الريادة الرقمية يتطلب النظر إلى التحول الرقمي كمشروع دولة متكامل، يرتبط بالإنتاجية والنمو الاقتصادي والثقة العامة والسيادة الرقمية، وليس كمجرد تطوير تقني أو واجهة خدمية.
مرحلة التعمق النوعي في الخدمات
ورغم هذا التقدم المهم، قال البطش: "الأردن ما يزال بحاجة إلى مزيد من العمل، ولكن بطبيعة مختلفة؛ المرحلة الحالية ليست مرحلة التوسع الأفقي في عدد الخدمات الرقمية، بل مرحلة التعمق النوعي في كيفية استخدام التكنولوجيا في دعم القرار العام وصياغة السياسات".
ولفت البطش إلى أن التجارب الدولية تشير إلى أن الدول التي تتوقف عند حدود التحول الرقمي الخدمي تفقد تقدمها سريعا، لأن الموجة القادمة عالميا تتركز على الذكاء الاصطناعي الحكومي، والأتمتة الذكية، والتكامل العميق بين البيانات والعمليات، والحفاظ على هذا الموقع المتقدم يتطلب الانتقال من رقمنة الخدمات إلى رقمنة القرار الحكومي نفسه.
وأكد أهمية العمل في المرحلة المقبلة على تحويل الحكومة الرقمية إلى حكومة ذكية، بحيث يتم توظيف الذكاء الاصطناعي في مجالات التنبؤ بالطلب على الخدمات، والكشف المبكر عن الهدر والاحتيال، وتحسين تخصيص الموارد، ودعم صانع القرار بمعلومات آنية وتحليلية.
ولفت إلى أن هذا التحول يستدعي بناء منصات ذكاء اصطناعي سيادية داخل القطاع العام، تخضع لحوكمة واضحة، وتراعي خصوصية البيانات والأمن الوطني.
التكامل بين المؤسسات الحكومية
وقال البطش: "التحدي الحقيقي لم يعد في تطوير بوابات إلكترونية جديدة، بل في تحقيق التكامل الكامل بين المؤسسات الحكومية، والمواطن ما زال يشعر أحيانا بوجود جزر رقمية منفصلة، وهو ما يتطلب ربط البيانات أفقيا بين الوزارات والهيئات، وتفعيل مبدأ 'البيانات مرة واحدة' بحيث لا يُطلب من المواطن أو المستثمر تقديم نفس المعلومات أكثر من مرة. هذا التكامل 'end-to-end' هو ما يميّز الحكومات الرقمية الناضجة عن غيرها".
وأضاف: "مع التوسع في استخدام التقنيات المتقدمة، تبرز أهمية الحوكمة الرقمية كأولوية لا تقل أهمية عن التكنولوجيا نفسها، والمرحلة القادمة تتطلب أطرا واضحة لحوكمة الخوارزميات، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وإدارة المخاطر الرقمية، خاصة في ضوء الدراسات العالمية الحديثة التي أظهرت أن الأنظمة الذكية قد تتصرف بشكل غير متوقع إذا مُنحت صلاحيات واسعة دون ضوابط ورقابة بشرية فعالة".
قطاعات الصحة والتعليم
أما على مستوى القطاعات والخدمات، فقد بيّن البطش أنه يجب أن تتركز الجهود على المجالات ذات الأثر المباشر على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني. وقطاع الصحة الرقمية يمثل أولوية قصوى، سواء في إدارة السجلات الصحية، أو تحسين كفاءة الخدمات، أو دعم التخطيط الصحي المبني على البيانات. وقطاع التعليم كذلك يحتاج إلى تعميق التحول الرقمي، ليس فقط في الخدمات، بل في تحليل بيانات الطلبة وتوجيه المهارات نحو متطلبات المستقبل.
إضافة إلى ذلك، فإن الخدمات البلدية والنقل تشكل نقطة تماس يومية مع المواطن، وتحسينها رقميا ينعكس مباشرة على جودة الحياة.
وأكد البطش أنه يجب الانتباه والتركيز على المستوى الاقتصادي بإعطاء أولوية خاصة للقطاعات المحفّزة للنمو، مثل الجمارك والضرائب وتراخيص الأعمال والخدمات الاستثمارية، حيث يمكن للأتمتة والذكاء الاصطناعي أن تقلل الكلفة، وتحد من التعقيد، وتعزز الشفافية، وتحسن بيئة الأعمال."