اقتصاديون: بيان الحكومة حمل نوايا إيجابية حول رغبتها في تعزيز الشراكة بين القطاعين
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في الوقت الذي تعهدت به الحكومة في بيان الثقة الذي طرحته أمام مجلس النواب أمس بتأمين حياة كريمة وفرص عادلة للأردنيين كافة، وتحفيز النمو الاقتصادي الشامل، وخفض حجم المديونية العام، إضافة إلى تعزيز دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني وتنمية الصناعات الغذائية، أكد اقتصاديون أن البيان يعكس رغبة الحكومة في إصلاح الاقتصاد الوطني، وجديتها في تنفيذ مبادرات رؤية التحديث الاقتصادي.
واعتبر الخبراء في تصريحات لـ"الغد" أن بيان الحكومة حمل نوايا إيجابية حول رغبتها في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص بما يضمن تنفيذ المشاريع الكبرى التي تعد الضامن الرئيسي لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
ولفت الخبراء إلى أن التزام الحكومة، في بيان الثقة، بخفض حجم الدين العام وضبط المالية العامة، يعكس إدراكها لمدى خطورة تنامي المديونية وانعكاسها السلبي على الاقتصاد الوطني ومؤشراته.
وأشار هؤلاء إلى أن التعهدات الحكومية تنسجم مع تطلعات رؤية التحديث الاقتصادي في الارتقاء بالقطاع الزراعي وإكسابه قيمة مضافة اقتصاديا.
وبغية ضمان تحقيق الحكومة لتعهداتها التي قدمتها في خطاب الثقة، أكد الخبراء أهمية إشراك القطاع الخاص والمستثمرين الأردنيين في تمويل المشاريع الكبرى، إضافة إلى توسعة حضور القطاع الخاص في العملية الاقتصادية، إلى جانب وضع إستراتيجية واضحة لخفض الدين العام واشتقاق حلول من داخل الاقتصاد الوطني بعيدا عن استسهال الاقتراض، فضلا عن وضع رؤية واضحة لخفض دين الحكومة لصالح صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تغيير السياسات الضريبية القائمة محليا والتخلي عن الاعتماد التام على ضريبة المبيعات، والتوسع في تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل، إضافة إلى تقديم الدعم اللازم لتشجيع المزارعين على إدخال أنماط الزراعة التكنولوجية والمائية الحديثة.
وأكد رئيس الوزراء جعفر حسان في خطاب الحكومة لطلب الثقة من مجلس النواب، أن تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي أساس وضرورة لتعزيز الاستقرار والأمن المجتمعي، وتأمين حياة كريمة وفرص عادلة للأردنيين كافة، وضمان مستقبل الأجيال القادمة. ونجاح تنفيذ الرؤية الاقتصادية أساس في تعزيز دور الأردن المستقل بقراره، والمحوري في استقرار منطقتنا.
وقال حسان "لا مجال أمامنا للتباطؤ أو التردد، أو إعادة إنتاج الخطط وتأجيل القرارات؛ لأن الوقت يداهمنا، ولا بد أن نقدم فرصا حقيقية لتوسعة قطاعتنا الاقتصادية، لنضمن مستقبلا كريما لكل شاب وشابة، وفرص عمل تحقق طموحاتهم".
وأضاف "لذلك فإن الحكومة والقطاع الخاص اليوم أصحاب مشروع واحد فيما يتعلق بتنفيذ هذه الرؤية. ولنتذكر أن القطاع الخاص الأردني شيد طيلة مسيرة الدولة المؤسسات والمصانع والشركات التي ساهمت في تمتين أركان الاقتصاد الوطني، ودورنا حمايته وتمكينه بالقرارات الداعمة والتشريعات المستقرة والمحفزة، ليقود مسيرة البناء والتنمية الاقتصادية، وليكون الشباب ثروتنا الأولى والأعظم والمورد الأهم لاقتصاد المستقبل".
وأوضح أن الحكومة مدركة لضرورة ضبط نمو الدين العام للناتج المحلي الإجمالي، الذي وصل إلى 90 %، لذا فإنها تهدف إلى تخفيض هذه النسبة، لتصل إلى ما يقارب 80 % في عام 2028، من خلال الاستمرار بتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، وتبني السياسات المالية الحصيفة.
وكشف حسان عن نية الحكومة استبدال الدين مرتفع الكلفة الناجم عن ارتفاع خدمة المديونية الخارجية خلال الأعوام السابقة التي ارتفعت على إثر ارتفاع نسب الفوائد عالميا، والاعتماد على القروض التجارية، بالقروض الميسرة، بدعم من دول شقيقة وصديقة ومؤسسات تنموية، ابتداء من العام المقبل، وذلك بهدف ضبط ارتفاع كلف خدمة الديون الخارجية، ما سيؤدي إلى استقرار نسب الفوائد من النفقات الجارية خلال الأعوام المقبلة.
وأكد حسان على التزام الحكومة في مراقبة المال العام وصونه من خلال بتعزيز عمل وحدات الرقابة الداخلية في جميع الوزارات والمؤسسات؛ لضمان ضبط أي تجاوزات بشكل استباقي، إلى جانب الاستمرار في تصويب الاستيضاحات التي يوثقها ديوان المحاسبة دوريا، وتحويل الشبهات إلى القضاء عبر اللجنة المختصة المشكلة في رئاسة الوزراء، مع تأكيده على تعزيز ودعم منظومة النزاهة الوطنية ومؤسساتها، كأساس في عملنا.
وأشار حسان إلى أن الأمن الغذائي وانعكاساته المهمة على الاستقرار المجتمعي والنمو الاقتصادي أمر أساسي.
وأوضح أن حكومته تستهدف خلال السنوات الأربع المقبلة إنشاء أكثر من ثلاثين مصنعا للتصنيع الغذائي بواقع ثمانية مصانع سنويا بالتشارك مع القطاع الخاص.
وفي هذا السياق، قال مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي "إن بيان الثقة للحكومة يعكس الجهود التي تبذلها الحكومة في الإصلاح الاقتصادي خاصة بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي من خلال تعزيز الشراكة بإنجاز المشاريع الاستثمارية الكبرى".
وأكد حجازي أن القطاع الخاص الأردني هو حجر الأساس في تعزيز بيئة الأعمال الأردنية وتنشيط العجلة الاقتصادية، حيث يساهم بشكل مباشر في رفد البيئة الاستثمارية المحلية ويستقطب القطاع الخاص الغالبية العظمى من الاستثمارات النوعية بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويعزز من الاستثمارات التنموية والخدمية في محافظات الأطراف، ويساهم في تحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني المختلفة.
ولفت إلى أن الحكومة الجديدة أظهرت جاهزية للوضع الاقتصادي وذلك باتخاذ مجموعة من القراراتِ التي تخدم المستثمرين والمواطنين والتي تصب في المصلحة الاقتصادية الوطنية، وبما يخدم بيئة الأعمال وأصحاب العمل في الأردن ما يبعث بالارتياح للقطاعات الاقتصادية كافة، وكذلك للمواطنين ويرفع مستوى الثقة بالاقتصاد الوطني.
وأضاف حجازي "في ظل الاضطرابات الجيوسياسية المحيطة في المنطقة والتي أثرت على الاقتصاد الوطني بشكل كبير، من الواضح أن الحكومة تسعى إلى التحوط لمواجهة التحديات الاقتصادية، والسعي في تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبرى التي تضمن استقرار الاقتصاد الوطني وتشمل مشروع الناقل الوطني للمياه، ومشروع سكك الحديد الوطنية، وتوسيع مشاريع الطاقة المتجددة، مما يتطلب إدارة فعالة وتنسيقا محكما بين القطاعين العام والخاص، والعمل على تذليل العقبات الإجرائية والبيروقراطية التي تؤثر على بيئة الأعمال وتنفيذ المشاريع، والترويج للمشروعات الإستراتيجية التي تحتاج إلى تمويلات مالية كبيرة".
وبقصد ضمان تحقيق الحكومة لتعهداتها التي قدمتها في خطاب الثقة، أكد حجازي أهمية الشراكة بين القطاعين بالتوسع في المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية خاصة المتضررة، إضافة إلى شراكة القطاع الخاص والمستثمرين الأردنيين في تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى وإنجازه بكلف أقل من الشركات الأجنبية والتي تستنزف الاحتياطات الأجنبية وترفع من عجز الموازنة مقارنة مع التمويل محليا.
ويضاف إلى ذلك الاستفادة من خبرات القطاع الخاص في إنجاز المشاريع الاستثمارية بكل كفاءة، وإشراكه في القضايا التي تهم الاقتصاد الوطني وفي اتخاذ القرارات المصيرية التي تصب في المصلحة الاقتصادية الوطنية، وبوضع خطط إستراتيجية مدروسة بما يخدم بيئة الأعمال وأصحاب العمل في الأردن.
وأكد حجازي أن القطاع الخاص يمتلك الخبرات الهائلة والمشهود له إقليميا وعربيا بقدرته على تنفيذ المشاريع.
من جانبه، أكد الخبير المالي والمصرفي وجدي المخامرة أن تعهد الحكومة بخفض حجم الدين العام خلال السنوات الأربع المقبلة يعكس إدراكها لمدى خطورة تنامي حجمها خلال السنوات الأخيرة وبلوغها مستويات قياسية غير مسبوقة، على الاقتصاد الوطني، مبينا أن خفضها يحتاج إلى إستراتيجية واضحة واشتقاق حلول من داخل الاقتصاد الوطني بعيدا عن استسهال الاقتراض.
وأوضح المخامرة أن نسبة الدين العام التي تسعى الحكومة لخفضها لا تشمل ديون صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، محذرا من خطورة إهمال الحكومة لتنامي مديونيتها لصالح أموال صندوق الضمان الاجتماعي، مطالبا الحكومة بوضع خطة واضحة المعالم ومحددة المدة الزمنية لتخفيض هذه المديونية.
ويشار إلى ارتفع إجمالي الدين العام الحكومي، إلى 116.1 %، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، خلال 8 أشهر من العام الحالي، مرتفعا نقطة واحدة، عن الفترة ذاتها من 2023، وبلغ إجمالي الدين العام، مع ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان، قرابة 43.345 مليار دينار، في الفترة بين كانون الثاني(يناير)، وآب (اغسطس) الماضي، مقارنة مع 40.490 مليار دينار، للفترة ذاتها من 2023، وفق بيانات وزارة المالية. فيما بلغت نسبة الدين العام في حال استثناء ديون صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي 87.6 % من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة
وحول نية الحكومة استبدال الدين مرتفع الكلفة بالقروض الميسرة، يرى المخامرة أنه توجه إيجابي لتخيفض عبء خدمة الدين العام التي تضاعفت في السنوات الماضية على وقع ارتفاع أسعار الفائدة عالميا، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل، لذلك الحاجة ملحة لإيجاد تصور حقيقي وواقعي لتعامل مع هذا الملف، محذرا أن هذا التوجه ينطوي على محاذير تستدعي من الحكومة الالتفات لها لا سيما في ظل تراجع المنح الدولية على وقع الأزمات المختلفة الضاغطة على أغلب الاقتصادات العالمية.
وأشاد المخامرة بالتزام الحكومة بنهج الإصلاح المالي والضريبي، واستكمالها مع قطعته الحكومة السابقة من شوط كبير في هذا المجال وكذلك الحد من التهرب الضريبي.
وبهدف أن يحقق الإصلاح الضريبي غايته في رفد الخزينة العامة بالإيرادات، دعا المخامرة الحكومة الجديدة إلى ضرورة تغيير السياسات الضريبية القائمة محليا والتخلي عن الاعتماد التام على ضريبة المبيعات، والتوسع في تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل، حيث إن الضريبة التصاعدية أكثر عدلا وفي ذات الوقت فعالية في تحقيق الإيرادات.
وأشار المخامرة إلى أن توجه الحكومة تحديدا لإصلاح النظام الضريبي هو جزء من التزامها في برنامج الشراكة مع صندوق النقد الدولي الذي ينص على إصلاحه وتقليص التهرب الضريبي.
وفي ما يتعلق بتعهدات الحكومة برفع مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني وتنمية الصناعات الغذائية أوضح الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أن التعهدات الحكومية تنسجم مع تطلعات رؤية التحديث الاقتصادي في الارتقاء بالقطاع الزراعي وإكسابه قيمة مضافة اقتصاديا.
ويذكر أن الأهمية النسبية للقطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، ارتفعت خلال العام الماضي إلى نحو 5.6 %، وفقا للتقديرات البنك الدولي.
وأكد زوانة أن تعهدات الحكومة في توسيع قطاع الصناعة الغذائية، يعكس إدراكها للأهمية الإستراتيجية لهذا القطاع ودوره في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك الأمن الغذائي لا سيما في أوقات الأزمات والظروف الطارئة، حيث إنه كان أحد الإضاءات المهمة خلال جائحة "كورونا"، مما مكن الأردن من مواجهة النتائج التي ترتبت على إغلاق الأسواق العالمية وتقطع سلاسل الإمداد الغذائي.
يشار إلى أن الأردن حل في المرتبة 47 عالميا من بين 113 دولة في تقرير الأمن الغذائي العالمي عام 2022.
واعتبر زوانة أنه في حال نجاح الحكومة في الإيفاء بالتعهدات التي قدمتها في هذا الملف فإن ذلك سينعكس إيجابا على تحريك عجلة القطاع الزراعي وتحويله إلى قطاع إنتاجي بما يصب في تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق المزيد من فرص العمل، إضافة إلى خفض تكاليف فاتورة الغذاء على المواطنين.
ويرى زوانة أن تحقيق هذه التعهدات يتطلب من الحكومة تقديم الدعم اللازم لتشجيع المزارعين على إدخال أنماط الزراعة التكنولوجية والمائية الحديثة، إضافة إلى دعم قطاع التعليم والتدريب الزراعي المختص وتقديم منح تحفز الطلبة والعاملين على الانخراط به.