أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-May-2020

سوق الأسهم في واد والاقتصاد في وادٍ آخر.. ما سر انفصال السوق الأمريكي عن الواقع؟
أرقام - قبل أكثر من أسبوعين، وتحديدًا في التاسع والعشرين من أبريل الماضي، قالت الحكومة الأمريكية إن اقتصاد الولايات المتحدة عانى بسبب الأزمة الحالية أسوأ انكماش له منذ أزمة 2008. وفي ذات اليوم صرح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" قائلًا إنه ليس لديه فكرة حول مدى سوء الوضع أو إلام سيستمر. ورغم تلك التصريحات، أنهى مؤشر "إس آند بي 500" تداولات ذلك اليوم مرتفعًا بنسبة 2.7%.
 
هذا التناقض بين حالة سوق الأسهم وحقيقة الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة لم يكن مجرد حدث عارض أو طارئ لم يقع إلا في اليوم المشار إليه، بل هو في الواقع نمط يسير عليه السوق الأمريكي خلال الأسابيع الأخيرة بشكل جعل كثيرين عاجزين عن فهم طبيعة القوى التي قد تدفع سوق الأسهم نحو الأعلى في ذات الوقت الذي يجثو فيه الاقتصاد على ركبتيه حرفيًا.
 
فوفقًا لأحدث البيانات الحكومية، بلغت نسبة البطالة في الولايات المتحدة 14.7%، مسجلة بذلك أعلى مستوى لها منذ ما يقرب من 80 عامًا، بينما فقد أكثر من 36 مليون أمريكي وظائفهم خلال الشهرين الماضيين فقط، وفي الوقت ذاته انكمش الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول بنحو 4.8%. ولكن في عالم مواز، ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" في شهر أبريل مسجلًا أفضل أداء شهري له منذ 33 عامًا.
 
 
 
وفي الفترة ما بين 23 مارس الماضي و12 مايو الجاري، ارتفع "إس آند بي 500" بنسبة تزيد على 28%. وبشكل عام، ارتفعت المؤشرات الرئيسية الثلاثة في سوق الأسهم الأمريكي بأكثر من 30% من أدنى مستوياتها في 23 مارس. هذا الانتعاش غير المتوقع، زاد من قيمة السوق بنحو 5 تريليونات دولار مما سمح للمستثمرين باسترداد أكثر من نصف الخسائر التي تكبدوها منذ بداية الأزمة.
 
 
 
هذا الوضع يثير الأسئلة المنطقية التالية: ما سر هذه الفجوة الرهيبة بين سوق الأسهم والاقتصاد؟ أليس سوق الأسهم ما هو إلا مرآة للاقتصاد كما يقولون؟ هل مستثمرو سوق الأسهم يعرفون ما لا يعرفه غيرهم؟ هذه الأسئلة وأخرى غيرها سيحاول هذا التقرير الإجابة عنها ببساطة ودون تعقيد.
 
 
 
تحركات الفيدرالي على رقعة الشطرنج
 
 
 
أولًا وقبل كل شيء، من المستحيل تحديد السبب الذي يدفع تحركات سوق الأسهم بدقة، بسبب اختلاف دوافع ومخاوف جمهور المستثمرين، وهذا في الأوقات العادية فما بالك بالفترة الحالية التي يسيطر عليها قدر كبير من الارتباك وعدم الوضوح. ولكن يظل هناك أكثر من تفسير محتمل لما يحدث في السوق الأمريكي الآن.
 
 
 
بشكل أساسي يشير الكثير من المحللين إلى الإجراءات التي اتخذها مجلس الاحتياطي الفيدرالي باعتبارها السبب الرئيسي وراء الانتعاش الذي تشهده مؤشرات سوق الأسهم في الأسابيع الأخيرة. فمنذ أواخر مارس الماضي أعلن الفيدرالي سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى مساعدة الاقتصاد الأمريكي على الاستقرار والصمود في وجه تداعيات انتشار فيروس كورونا.
 
 
 
وربما أهم إجراء أعلنه الفيدرالي، هو خططه لشراء كميات ضخمة من سندات الشركات، لا تشمل السندات ذات الدرجة الاستثمارية فقط، بل تشمل أيضًا السندات الخطرة ذات العوائد العالية. ورغم أنه لم يشتر أي شيء حتى الآن إلا أن مجرد إعلانه ذلك كان كفيلًا بأن يعطي المستثمرين إحساسًا بالثقة في أن الفيدرالي لن يتخلى عن الشركات ولديه استعداد لضخ كميات ضخمة من السيولة لإنقاذ السوق.
 
 
 
 
 
في حديثه لمجلة "فوكس" الأمريكية، يقول كبير الاقتصاديين في قسم الأوراق المالية في "دويتشه بنك" إن الانتعاش الحالي لسوق الأسهم الأمريكي ليس مدفوعًا بحالة الأساسيات، وإنما هو مدفوع بالسيولة والأموال الرخيصة التي يوفرها الفيدرالي للشركات كي تستطيع الاستمرار في الوقوف على قدميها.
 
 
 
على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، خفض الفيدرالي أسعار الفائدة مرتين، لتصل حاليًا إلى مستوى قريب من الصفر، كما خفض متطلبات حجم الاحتياطي لدى البنوك، وبدأ في شراء الأوراق التجارية (شكل من أشكال الديون قصيرة الأجل للشركات)، كما وعد بشراء كمية غير محدودة من الديون الحكومية طوال فترة الأزمة، وأطلق تسهيلات ائتمانية للشركات الكبيرة، وأعلن برنامج إقراض ضخماً للشركات الصغيرة والمتوسطة.
 
 
 
وفقًا لتقديرات "سي إن بي سي" فإن المبادرات والخطط التي أعلنها الفيدرالي منذ بداية الأزمة وحتى الآن، لديها القدرة على ضخ نحو 6 تريليونات دولار من الكاش في النظام المالي الأمريكي. وهذا كم هائل من السيولة، والسيولة مهمة لأنها تمنح المستثمرين الثقة في النظام. وأمام هذا الكم من الأموال، لا تهم الأساسيات كثيرًا ولا تلعب دورًا كبيرًا في تحريك أسعار الأسهم.
 
 
 
الخمسة الكبار .. لعبة الأوزان
 
 
 
عند التدقيق في التحركات الأخيرة للمؤشرات الأمريكية وبالأخص مؤشر "إس آند بي 500" نجد أن أسهم 5 من الشركات الكبرى هي المسؤولة بشكل رئيسي عن دفع المؤشر نحو الأعلى. فشركات "مايكروسوفت" و"آبل" و"أمازون" و"ألفابت" و"فيسبوك" -والتي تشكل معًا نحو 20% من "إس آند بي 500"- استفادت بشكل كبير من جلوس أغلب الأمريكيين في منازلهم واعتمادهم بشكل أكبر على التقنيات المختلفة التي توفرها هذه الشركات.
 
 
 
على الجهة الأخرى، فقدت الشركات الطاقة الأمريكية المدرجة حوالي 35% من قيمتها السوقية منذ بداية العام، إثر انهيار أسعار النفط، ليصبح قطاع الطاقة أحد أكثر القطاعات تضررًا من الأزمة حتى الآن. ولكن في الوقت نفسه لا يشكل قطاع النفط والغاز الأمريكي بأكلمه أكثر من 3% من حجم "إس آند بي 500"، وهو ما يعني أن القطاع الأكثر تضررًا من الأزمة ليس له تأثير كبير على اتجاه السوق.
 
 
 
وبعيدًا عن شركات الطاقة، هناك شركات تعرضت ولا تزال لضربات قوية منذ بداية الأزمة بشكل يهدد استمرارها، ورغم ذلك لا ينعكس هذا على اتجاه السوق لأن وزنها ضئيل في المؤشرات.
 
 
 
 
 
في الوقت نفسه، هناك حالة غير مفهومة من التفاؤل تسيطر على كثير من المستثمرين في الفترة الأخيرة حيال المستقبل القريب للاقتصاد. كثيرون يراهنون على أن منحنى الخروج من الأزمة الحالية سيأخذ شكل حرف "V" وأن الأسوأ قد ولى والقاع أصبح خلفنا بالفعل. ولكن هل هذا صحيح؟
 
 
يمني الكثير من المحللين والمستثمرين أنفسهم بأن السوق على أبواب انتعاش سريع، في ظل اتجاه عدد من الولايات إلى إعادة فتح اقتصادها ولو بشكل تدريجي. فعلى سبيل المثال، بدأت ولاية نيويورك -وهي الولاية الأكثر تضررًا من الأزمة حتى الآن- في وضع خطة لإعادة تشغيل اقتصادها، بعد أن تمكنت أخيرًا من تجاوز ذروة انتشار المرض.
 
 
 
وفي الوقت ذاته، بدأت بالفعل أكثر من 20 ولاية أمريكية في إعادة فتح اقتصاداتها بشكل جزئي مع الحفاظ على تدابير التباعد الاجتماعي بقدر الإمكان. وقد أعطت هذه الإجراءات أملًا للمستثمرين في أن يتمكن الاقتصاد الأمريكي بشكل عام من الانتعاش بحلول أوائل عام 2021.
 
 
 
متى يعود الزبائن؟ وهل للأسهم بديل؟
 
 
 
السؤال الذي ربما لم يسأله كثير من المستثمرين لأنفسهم هو: لو أعادت الشركات والمطاعم والمطارات وغيرها فتح أبوابها، هل سيجدون الزبائن؟ على الأغلب لا، وذلك لأن أكثر الأمريكيين سيظلون مترددين في العودة لحياتهم الطبيعية والخروج من المنزل والتنقل بحرية إلى أن ينتهي الخطر الذي يشكله المرض، وهذا لن يحدث إلا إذا تم اكتشاف لقاح أو علاج لكورونا.
 
 
 
مصير الاقتصاد وسوق الأسهم والناس عمومًا أصبح مرتبطًا الآن بمدى سرعة اكتشاف اللقاح، لأنه حتى لو انحسرت رقعة انتشار الفيروس في العالم كله وليس في الولايات المتحدة فقط، فلا يزال هناك احتمال كبير أن يكون ما يعانيه العالم مع فيروس كورونا منذ بداية العام ليس إلا الموجة الأولى من المرض، قد تليها على الأقل موجتان أشد عنفًا.
 
 
 
أما المحرك الثالث لتحركات سوق الأسهم الأمريكي خلال الفترة الأخيرة، فهو أن المستثمرين محاصرون في السوق، لا يجدون مكانًا يوجهون إليه أموالهم لو قرروا سحبها من الأسهم. فرغم الانهيارات المتتالية التي وقعت في بداية الأزمة رفض كثيرون الخروج لأنهم لا يرون بدائل أفضل من الأسهم، وخصوصًا بعد أن خفض الفيدرالي أسعار الفائدة لتقترب من الصفر.
 
 
 
 
 
يبلغ حاليًا معدل الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية ذات أجل الاستحقاق البالغ 10 سنوات حوالي 0.7% فقط، وهو ما يقل بأكثر من 3% مقارنة مع مستواها في أواخر 2018. وإذا كان المستثمر يرغب في شراء سندات مؤمنة ضد التضخم، فسوف يضطر هو لدفع فائدة قدرها 0.5%.
 
 
 
لذلك تجد أن المستثمرين من ناحية يرون أن الأسهم رغم كل شيء لا تزال خيارًا استثماريًا أفضل من السندات، ومن ناحية أخرى يمنون أنفسهم بالانتعاش المحتمل، ويمتنعون عن الخروج من السوق حتى لا يفوتوا الفرصة.
 
 
 
كل ما سبق مجرد تفسيرات محتملة، لأنه في واقع الأمر وبشكل صريح، لا أحد يفهم ما الذي يحدث بالضبط، لا صناع السياسة المالية والنقدية ولا المحللون ولا الساسة ولا حتى المستثمرون أنفسهم الذين من المفترض أنهم من يحركون السوق بتصرفاتهم! هذا هو الحال منذ بداية الأزمة، ويكذب من يدعي أنه يعرف متى أو كيف ستنتهي هذه الأزمة.