ترقب رحلة تشريع شائكة... واعتراضات نيابية على المقاربات
الشرق الاوسط-بيروت: علي زين الدين
بلغ مشروع قانون استرداد الودائع (معالجة الفجوة المالية)، مرحلة الصياغة القانونية النهائية بعد جولات طويلة من النقاشات داخل اللجنة الوزارية التي يرأسها رئيس الحكومة اللبناني نوّاف سلام، وبناءً على قاعدة إحصاءات وبيانات مالية (داتا) وفَّرتها حاكمية البنك المركزي، وبإسناد من مستشارين قانونيين تولوا إعداد المواد والأفكار التي حازت توافق اللجنة.
ويرجّح، حسب مسؤول مالي رفيع المستوى تواصلت معه «الشرق الأوسط»، إنجاز الصياغة النهائية لمسوّدة مشروع القانون خلال أسبوعين على الأكثر، تمهيداً لرفعها إلى مجلس الوزراء والسعي لإقراره قبل نهاية العام الحالي، وإحالته إلى المجلس النيابي. إذ تنشد الحكومة اكتمال ثلاثية التشريع، التي تشمل القانون الأحدث، والتعديلات المنجَزة على قانون السرية المصرفية، والتعديلات المضافة على قانون إصلاح المصارف.
عقبات واختلافات
وإذ تستجيب هذه البنية التشريعية المنشودة لمتطلبات (شروط) صندوق النقد الدولي، وتمثل، في الشكل، تقدماً نوعياً في السعي لإبرام اتفاق تمويلي معه، فإن الرحلة النيابية لمشروع القانون الموعود، تصطدم فعلياً بحزمة من العقبات التي تتعدّى النطاق الإعدادي البحت، وسط استمرار تباين المقاربات إلى حد الاختلافات الحادة بين الأطراف المعنية على المستوى المحلي، والتي تضم الدولة، والبنك المركزي، والجهاز المصرفي، والمودعين في البنوك.
ويبدو، حسب المسؤول المالي، أن التطلعات الآنية للتقدم في هذا المضمار، ستقتصر على رمزية توجيه رسالة إلى الداخل والخارج، تؤكد الجدّية الحكومية في التزام التعهدات «الإنقاذية». في حين تكمن الأسئلة الأشد استعصاءً، وفق المسؤول المالي المعني، بعد إحالة هذه القضية الشائكة، بمجمل التباساتها وتعقيداتها إلى ردهات مجلس النواب، في التعريف النهائي لنواة الأزمة النظامية، بوصفها فريدةً ومركبةً وشاملةً للدولة والبنك المركزي والبنوك.
وإلى جانب الحذر النيابي الشديد على المستوى الفردي والكتل من احتمال إثارة غضب المودعين، جراء اعتماد أي اقتراحات تفضي إلى تكبيدهم مزيداً من الاقتطاعات والخسائر، يُرتَقب أن تتوسَّع الاختلافات غير الخفيّة في وجهات النظر، وفق المسؤول المالي، إلى أسس التوزيعات «العادلة» للمسؤوليات على الأطراف المعنية، ونسب حمل أعباء الفجوة المقدرة سابقاً بنحو 73 مليار دولار، والتصنيف النهائي لتوظيفات البنوك لدى «المركزي»، والآليات المقترحة للبت بمشروعية المدخرات، وعزل المبالغ غير المشروعة أو الخاضعة للمساءلة من ميزانيات البنوك، ومحدّدات نسب الفوائد القابلة للشطب من الحسابات الدفترية العائدة للمودعين، وغير ذلك من إجراءات تهدف إلى تحجيم الفجوة.
استتباعاً، تتوسَّع الأسئلة الشائكة لتطال مسؤولية الدولة عن تغطية خسائر البنك المركزي، بما يشمل تلقائياً حلَّ مشكلة بند الدين المدرج في ميزانيته على الدولة بقيمة 16.5 مليار دولار. وثمة معطيات محدَّثة بتوافق وشيك بين الطرفين على «تسوية» تقضي بالاحتكام إلى المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي تنصُّ على أنه «إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً، تُغطَّى الخسارة من الاحتياط العام، وعند عدم وجود هذا الاحتياط أو عدم كفايته تُغطَّى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة».
توقيت طرح المشروع
ومن الثابت في الشكل، أن «التوقيت» في طرح مشروع القانون، يوازي أهمية التدقيق في مندرجاته عند بلوغه محطة اللجان النيابية، مما يرجح، حسب المسؤول المالي، تأجيل البت التشريعي إلى ما بعد إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، والخاضع بدوره لاحتمالات مفتوحة بين إنجاز انتخاب مجلس جديد أو التمديد للمجلس الحالي، جراء الخلافات الداخلية على تعديلات القانون الساري، لا سيما ما يتعلق بمشاركة اللبنانيين في الخارج.
وما ينطبق على الشكل، يبرز أكثر تعقيداً في المضمون، وفق التوقعات المتداولة في الأوساط الوزارية والمالية، لا سيما لجهة التصنيفات الأساسية لمبالغ تناهز 80 مليار دولار تُمثِّل توظيفات البنوك لدى البنك المركزي، ويقابلها، بالتساوي الرقمي تقريباً، إجمالي الودائع الدفترية المحتجَزة والعائدة لنحو مليون حساب تخصُّ مودعين مقيمين وغير مقيمين من أفراد، وصناديق ضامنة، وجمعيات مهنية، ومؤسسات، وشركات.
وتبرز في هذا الخصوص، القواعد التي سيتم اعتمادها للفصل بين الودائع المشروعة وغير المشروعة، وآليات السداد المضمونة والأقل ضمانات، وتكاليف المباشرة وغير المباشرة المترتبة على تحميل المودعين مزيداً من الأعباء المالية، بعد معاناتهم الطويلة على مدار 6 سنوات من «حبس» مدخراتهم، وتكبيدهم اقتطاعات مباشرة وغير مباشرة في تنفيذ سحوبات جزئية.
موقف جمعية المصارف
وبالمثل، يعدّ رئيس جمعية مصارف لبنان، سليم صفير، أن القطاع تعرَّض لحملات ظالمة وممنهَجة، حُمّل خلالها مسؤولية الفجوة المالية الهائلة في البلاد، وبالتالي فإن أي «محاولة تحميل المصارف وحدها مسؤوليَّة انهيار نظام ماليّ بأكمله، هي ظلم صارخ وتشويه متَعمَّد للحقائق».
ولا تخفي جمعية المصارف تقديرها، في مخاطبتها للمسؤولين، بأنّ دورها في مناقشات مشروعات القوانين التي تعنيها يبقى استشارياً في الشكل، أكثر منه شراكة فعلية في المضمون، وهو ما يحدّ من قدرتها على المساهمة البنّاءة في إيجاد الحلول. وهي طلبت جهاراً «إعادة النظر في آلية التعاطي مع القطاع، بما يسمح بتعاون أعمق وأكثر فاعلية، خدمةً للمصلحة الوطنية، وبما ينعكس إيجاباً على جهود إنقاذ القطاع المصرفي وإعادة تنشيطه».
وبمعزل عن المسار التشريعي الشائك، تبرز أيضاً مسألة تضارب المقاربات الإجرائية بين صندق النقد الذي يصرُّ على ربط الأزمة بقرارات البنوك التجارية وتوسعها في التوظيفات لدى مصرف لبنان، وبالتالي تحميل القطاع المصرفي المسؤولية الرئيسية. بينما تجد حاكمية البنك المركزي مسؤولية تشاركية مع الدولة والمصارف في رد أموال المودعين بعد عزل المبالغ غير المشروعة، التي يمكن أن تصل إلى 30 مليار دولار من الإجمالي الحالي الذي يتعدَّى 82 مليار دولار.
وفي إجراء جانبي مستحدث يشي بتوقُّع طول فترة تشريع قانون الفجوة، أصدر مصرف لبنان تعميمَين وسيطَين، قضيا برفع سقف السحوبات للمستفيدين من التعميم 158 من 800 دولار إلى 1000 دولار، وللمستفيدين من التعميم 166 من 400 دولار إلى 500 دولار، مع التنويه بأنه سيتاح صرف الزيادات الجديدة، أي 200 و 100 دولار، لسداد مدفوعات أو رسوم عبر البطاقات المصرفية حصراً.