التكلفة الاقتصادية لتلوث الهواء*د. أيوب أبودية
الراي
تلوث الهواء، وهو إشكالية بيئية منتشرة على صعيد عالمي، يُعد مشكلة أكثر تعقيدا في بعض البلدان دون أخرى، ويلحق خسائر فادحة بالاقتصاد في جميع أنحاء العالم. وإلى جانب تأثيره الواضح على الصحة العامة، فإنه يشكل عبئا اقتصاديا كبيرا، مما يؤثر على الإنتاجية، ونفقات الرعاية الصحية، والرفاهية المجتمعية، ومؤشر السعادة بشكل عام.
يُعد تلوث الهواء سببا رئيسيا لأمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، مما يسهم في زيادة نفقات الرعاية الصحية. إذ ترتفع حالات دخول المستشفيات بسبب أمراض مثل الربو والانسداد الرئوي المزمن، مما يجهد أنظمة الرعاية الصحية ويرهق ميزانيتها. ففي الصين الشهيرة بقضايا تدني جودة نوعية الهواء، على سبيل المثال، قدرت تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بتلوث الهواء بمليارات الدولارات سنويا.
ويمتد تأثير تلوث الهواء الاقتصادي إلى القوى العاملة، إذ تنجم خسائر مادية نتيجة التغيب عن العمل وانخفاض الإنتاجية بفعل الظروف الصحية الناجمة عن سوء نوعية الهواء أو تفاقمها. وقد كشفت دراسة أجريت في الهند عن انخفاض كبير في الإنتاجية بين العاملين في الهواء الطلق بسبب الآثار الضارة لتلوث الهواء على صحتهم.
وتؤدي تأثيرات تلوث الهواء على الزراعة إلى زيادة التكاليف الاقتصادية وتدني الانتاجية. فمثلا، غاز الأوزون، وهو ملوث رئيسي للهواء، يضعف نمو النباتات ويحرق أوراقها ويقلل من إنتاجية المحاصيل. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز خسائر المحاصيل المنسوبة إلى الأوزون مليارات الدولارات سنويا، حيث يؤثر على المحاصيل الأساسية مثل القمح وفول الصويا.
وغالبًا ما تشهد المناطق التي تعاني من تلوث شديد في الهواء انخفاضا في مستوى السياحة. إذ يتم تراجع أعداد الزوار بسبب الضباب الدخاني المرئي، والمخاوف الصحية المرتبطة به، نتيجة سوء نوعية الهواء. فقد شهدت العاصمة بكين، على سبيل المثال، تراجعا في السياحة نتيجة تلوث هوائها الشديد، مما أثر على الشركات التي تعتمد على هذا القطاع.
ولمكافحة تلوث الهواء، تستثمر العديد من البلدان في مصادر وتكنولوجيات الطاقة النظيفة. وفي حين تعد هذه المبادرات حاسمة بالنسبة للاستدامة البيئية، فإن التحول غالبا ما ينطوي على تكاليف اقتصادية كبيرة. فإن التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة يستلزم استثمارات كبيرة في البنية التحتية والأبحاث، ولكننا في الأردن قد قطعنا شوطا مهما في ذلك، حيث غدت مساهمة الطاقة المتجددة اليوم نحو 30% من قدرة الطاقة الكهربائية، ويتوقع لها أن ترتفع إلى 50% بحلول عام 2030. كذلك ازدادت أعداد المركبات الهجينة والكهربائية إلى حد مبشر بالخير من حيث تراجع التلوث الناجم عن قطاع النقل.
إن التكلفة الاقتصادية لتلوث الهواء تمثل تحديا معقدا ومتشابكا قد تنبه له الأردن منذ زمن، وباتت هناك مواقع رسمية تكشف عن مستوى التلوث في المناطق المختلفة، حيث أغلبها يشير إلى مستويات مقبولة. ولكن يجب على الحكومة والصناعات والأفراد التعاون معا لتنفيذ الممارسات والسياسات المستدامة التي تعالج هذه الأزمة، وخاصة في مجال الاستثمارات في الطاقة النظيفة، والتشريعات الصارمة المتعلقة بالانبعاثات والحرائق العشوائية، وحملات التوعية العامة، بوصفها مكونات أساسية لاستراتيجية شاملة للتخفيف من حدة الأثر الاقتصادي لتلوث الهواء.