الغد
لم تأتِ مؤشرات البطالة للربع الثاني من العام الحالي التي أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة، أول من أمس، بأي مفاجأة للمراقبين والمهتمين بالشأن الاقتصادي. فالأرقام تعكس واقعا مريرا ومستمرا لا يخفى على أحد، وهي نتيجة حتمية لتكرار تطبيق السياسات الاقتصادية ذاتها والعمل التي لم تُفلح على مر السنوات في تحسين الأوضاع الاقتصادية أو تقليص معدلات البطالة. إذا استمررنا على هذا النهج، فمن أين سيأتي التغيير؟
تسجيل معدلات البطالة نسبة 21.4 % للربع الثالث على التوالي، واستمرار ارتفاعها بين مختلف الفئات السكانية، لا سيما الشباب والنساء، لم يكن مستغربا. فالسياسات الاقتصادية الحالية لا تقدم حلولا حقيقية وجذرية لهذه المشكلة، بل إن تركيز برامج التشغيل على ربط أصحاب العمل مع الباحثين عن العمل من دون النظر إلى جودة هذه الوظائف وأثرها على المدى الطويل هو محاولة غير كافية.
تظل السياسات الضريبية غير العادلة أحد العوامل الرئيسية التي تعيق تحسن الأوضاع الاقتصادية. إذ تعتمد الحكومة بشكل كبير على الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة المبيعات والضرائب المقطوعة والرسوم المتعددة، مما يضع ضغطا كبيرا على الأسر ويضعف القدرة الشرائية للمستهلكين. هذا الانخفاض في الطلب المحلي، الذي يعد من أهم محركات النمو الاقتصادي، يؤدي إلى تراجع في النشاط الاقتصادي ويزيد من تعقيد مشكلة البطالة.
يضاف إلى ذلك الضغوط المستمرة على مستويات الأجور، التي تدفع الكثير من العاملين في القطاع العام إلى البحث عن وظائف إضافية لزيادة دخلهم، مما يؤدي إلى استحواذ هؤلاء للفرص التي كان من الممكن أن تكون متاحة للداخلين الجدد إلى سوق العمل.
فيما يخص التعليم، لم يتم إجراء التغييرات اللازمة لمواءمته مع احتياجات سوق العمل. فالأغلبية العظمى من الطلاب ما يزالون يتوجهون نحو التعليم الجامعي التقليدي، في حين أن السوق الأردني يفتقر إلى الكوادر المهنية والتقنية التي تحتاجها القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة. هذا التناقض بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق يزيد من فجوة البطالة بين الخريجين.
أما بالنسبة للنساء، فإن ظروف العمل غير الملائمة تعد من العوامل الأساسية التي تحول دون انخراطهن في سوق العمل. من الأجور المتدنية إلى غياب الضمان الاجتماعي وضعف تطبيق قانوني العمل والضمان الاجتماعي، تواجه النساء تحديات كبيرة تعيق مشاركتهن الاقتصادية، مما يفسر بقاء نسبة مشاركة النساء الاقتصادية في الأردن عند مستوى 14 %، وهو الأدنى في المنطقة العربية وعلى مستوى العالم.
بالنظر إلى الوضع الإقليمي، نجد أن الأزمات السياسية والأمنية المتفاقمة، خاصة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تقودها دولة الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وتمددها إلى الضفة الغربية، قد أضافت أعباء جديدة على الاقتصاد الأردني. هذه الأوضاع خلقت حالة من عدم اليقين، وأدت إلى تباطؤ كبير في تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية، ما أضعف النمو الاقتصادي وأفقد الاقتصاد قدرته على خلق فرص عمل جديدة، خاصة للداخلين الجدد إلى سوق العمل.
لتحقيق انخفاض حقيقي في معدلات البطالة، يجب علينا معالجة الجذور العميقة للمشكلة. لا يمكننا الاعتماد على حلول سطحية أو ترقيعية، بل يجب أن نتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية جديدة وشاملة تعيد الثقة إلى السوق، وتعزز من قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل لائقة ومستدامة. إن معالجة هذه التحديات بجدية ستسهم في تحسين حياة المواطنين وتحقق النمو والاستقرار اللذين يتطلع إليهما الجميع.