أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    16-May-2018

هل من سياسة اقتصادية صديقة للشعب؟

 الغد-أحمد أبو خليل

قد يبدو العنوان غريباً إلى حد ما، ذلك أن لا أحد من واضعي السياسات الاقتصادية يقر علانية بالخصومة مع الناس، ولكن الواقع يقول ان الجمهور يشعر بالتوجس والريبة تجاه السياسات الاقتصادية الجديدة.
منذ أشهر مثلا، حضر بقوة شعار "الاعتماد على الذات". إن مفردات الشعار ودلالاته الاجمالية، يفترض أن تخلق رد فعل إيجابيا ومرحِّبا، لكن ما يحصل أن التشكيك هو السائد. لقد انتشر بسرعة على المستوى الشعبي، موقف يفيد بأن المقصود هو الاعتماد على الناس وعلى جيوبهم ومداخيلهم المتدنية أو المحدودة أصلا.
في الأداء العام للحكومة ما يبرر هذا الموقف الشعبي السلبي، لأن الإجراءات التي أعلنت وبدأ تنفيذ بعضها، وفي الطريق إلى التنفيذ بعضها الآخر، انصبت على هدفين: أولهما، البحث عن موارد مالية، على شكل ضرائب ورسوم، وضبط لعمليات التحصيل، وزيادة أسعار. وثانيهما، الاهتمام بالاستثمار (جذبا وتحفيزا) على مستوى الحجوم والمشاريع الكبيرة، التي يتوقع الناس ان مردودها أو توزيع عوائدها، لن يكونا لصالحهم. ولهذا انتفت في نظر الجمهور عوامل الترحيب.
نظرة من تحت
تقترح هذه السطور مقاربة تنموية صديقة للناس في المستويات الدنيا (بالمعنى المالي لكلمة دنيا)، مقابل المقاربة الرسمية التي تستهدف رفع أرقام النمو والأرقام الأخرى الكلية المنحازة لصالح الفئات العليا (أيضا بالمعنى المالي فقط لكلمة عليا).
المقاربة المقترحة هنا، تقع تماما في صلب شعار "الاعتماد على الذات" ولكن من زاوية نظر مختلفة، فبدلا من الاكتفاء بالنظر من أعلى الهرم الاجتماعي الاقتصادي، لماذا لا نحاول النظر من أسفل هذا الهرم؟
هناك في الواقع، في عمق المجتمعات المحلية، تجارب واقعية لها تاريخ طويل في ميدان الاعتماد على الذات، ويتعين على الدولة باعتبارها إدارة عامة لمجتمع مؤلف من مواطنين متساوين أمام الدستور والقوانين، أن تعطيها حقها من العناية، علما بأن هذه العناية المطلوبة غير مكلفة أو قليلة الكلفة، مقارنة بالعناية التي تُعطى للخطوات والسياسات التي تستهدف الفئات العليا. والمقصود بالاعتماد على الذات هنا، عدم التقاطع والتشابك مع الاقتصاد الرسمي.
تفيد آخر أرقام رسمية حول الفقر في الأردن أن 14 % من السكان يعيشون تحت خط الفقر، كان ذلك وفق حسابات العام 2010، بينما تقرر وقف نشر نسبة أخرى أحدث تقول إن النسبة ارتفعت إلى 21 % (وفق تقارير للزميلة سماح بيبرس منشورة في الغد)، كما نشر البنك الدولي أرقاما للمواطنين المعرضين للفقر أو ممن مروا به مؤقتا، بما يرفع النسبة الاجمالية إلى حوالي ثلث السكان.
هل جربت أجهزة الدولة ومؤسساتها أن تقترب أكثر من تفاصيل إدارة هذه الكتلة البشرية والكتلة التي تعلوها قليلا في الهرم الاجتماعي، لحياتها الاقتصادية؟
يستطيع كاتب هذه السطور (استنادا إلى تحقيقات علمية اجتماعية أجراها) الزعم بأن قطاعا كبيرا من سكان القرى والبلدات والبوادي والمخيمات والأحياء الشعبية في المدن الكبيرة، يمارسون قدرا لا يستهان به من الاعتماد على الذات في إدارة شؤونهم وتحصيل دخلهم وتدبير معاشهم، ويبلغ حجم هذا الاعتماد على الذات نسبا متفاوتة أو متغيرة بين زمن وآخر.
لا مجال هنا للتفصيل، فهذا أمر لا يطرح في تقارير أو مقالات صحفية، ويحتاج لقراءة متأنية، وسوف أكتفي هنا، بإشارات من مواقع مختلفة، على أن الهدف الأساسي يكمن في اقتراح يقول: إن لهؤلاء الناس الممارسين للاعتماد على الذات الحق على دولتهم أن تلتقي معهم في منتصف الطريق، وأن تكون مساندة وداعمة لهم، وأن تعمل بحماس على تشريعات موائمة لهؤلاء المستثمرين في عرقهم وصحتهم وأعمارهم وأعمار أبنائهم، تماما كما يجري خلق وتكييف التشريعات بما يلائم مصالح المستثمرين بأموالهم.
أمثلة واقعية
ولو بدأنا في الأحياء الشعبية في المدن الكبيرة، كالعاصمة مثلا، التي صنع فقراؤها وكادحوها، وبالدرجة الأولى كادحاتها النساء، تجربة طويلة في خلق فرص ومجالات تحقيق الدخل أو التوفير والتدبير عبر شبكة علاقات تتخلل هذه الأحياء، وقد تعبرها إلى أحياء مماثلة في المدينة أو في مدن أخرى.
(مثال: أذكر في أول بحث ميداني في الفقر، تمكنت من تتبع شبكة علاقات انتاجية تدار من غرفة لا تتجاوز مساحتها ثمانية أمتار مربعة تضم 68 سيدة وفتاة، في الحي وفي أحياء مماثلة، تعتمد على تدريب ذاتي وخبرات ذاتية في مجال يقع على هامش صناعة الملابس، وفي التفاصيل أمكن ملاحظة نمط دقيق من الاستثمار للموارد المالية القليلة والموارد النفسية والاجتماعية والأسرية).
(مثال آخر: يمثله ظاهرة الزراعة حول المدن أو في المساحات الفارغة وشبكة التسويق في الشوارع الداخلية والخارجية، وعند التتبع التفصيلي، سيتضح أن النشاط تحول بالفعل إلى قطاع له درجة من الاستمرارية، رغم الملاحقات والمصادرات المتواصلة، وهناك شبكة علاقات قرابية أو مناطقية تتخلل هذا القطاع وتوفر عناصر الإدارة الحصيفة له). 
في القرى والبلدات ذات التاريخ الانتاجي (الزراعي غالبا) ما تزال الفرصة قائمة لتشجيع وتوسيع مجالات انتاجية، وتشهد بعض القرى موجات عودة واستحضار للماضي الذي كان غزير الانتاج، ويحصل ذلك بالامكانات المتوفرة وبشكل جزئي في غالب الأحيان.
(مثال: في إحدى قرى عجلون التي تحجز مكانها في قائمة جيوب الفقر! يقدّر أن ما لا يقل عن ثلاثة أرباع السكان يعتمدون بشكل أو بآخر وبنسب متفاوتة، على ناتج مشروع زراعي بسيط (مملوك أو بالضمان) قائم على العمل الأسري، وقد يقتصر في كثير من الحالات على زراعة الزيتون التي لا تحتاج للتفرغ، وقد تعرفت على أسر تضم طلابا جامعيين وخريجين وخريجات يعملون جزئيا في مواسم الزراعة الأسرية بهدف تحقيق الدخل وليس لغايات فولكلورية كما يعتقد كثيرون في الأوساط الرسمية).
ولو ابتعدنا إلى أقصى مناطق البادية، سوف نتعرف على نمط أكثر ديمومة وأكثر صمودا من الاعتماد على الذات، ما يزال جزء منه مستمرا لغاية اليوم، حيث ظواهر الاعتماد على الذات الكلية حينا والجزئية أحيانا. وقد تتبعت في أكثر من موقع كيف يدير السكان حياتهم ومعاشهم، بمشاركة جماعية، من الأبناء والبنات، وعاينت بالملموس حالات من الموظفين في القطاعين المدني والعسكري يمارسون نشاطا انتاجيا مهما في مجال تربية الماشية وتسويق وبيع منتجاتها.
من المؤسف أن اهتمام الدولة بهذا النمط من النشاط الانتاجي يقتصر على "الحنق والضيق" عند المسؤولين من عدم اخضاع هذه الأنشطة للضريبة! أو على الأقل التسجيل حتى يستفاد من ذلك في الأرقام الكلية! يحصل ذلك بينما يصف الخطاب الرسمي الفئات الشعبية كمجتمع ريعي لا انتاجي.
ومن المؤسف ثانيا، أن هذا النمط يقع عرضة لقطاع من المتطفيلن "الأنيقين" عبر منظمات تسمي نفسها "مجتمعا مدنيا" تعمد إلى اقتناص بعض الحالات في القرى والأحياء الفقيرة واعتمادها كعينات اجتماعية تساند هذه المنظمات في العناوين التي ترسلها كاقتراحات لممولين يقدمون المنح تحت هذه العناوين، فيما يذهب الجزء الأكبر منها لصالح القائمين على المنظمات ولغايات استعراضية عبر ظاهرة "قصص النجاح" التي تحولت إلى ممارسة ثقيلة الظل وكاذبة. وهناك في الواقع حالات وأمثلة في غاية القبح من استغلال البسطاء.
إن المطلوب هو اعتماد مدخل تنموي حقيقي ينتمي إلى ثقافة المجتمع المحلي حيث يقوم النشاط الانتاجي، مدخل يحترم الناس وينظر إليهم كمواطنين يأخذون حياتهم على محمل الجد، وأن على دولتهم أن تعطيهم نصيبهم من القوانين والتشريعات والأنظمة أسوة بما يحصل مع الفئات التي تمارس نشاطا اقتصاديا واستثماريا كبير الحجم.. أليس المبدأ أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات؟