الذكاء الاصطناعي يعيد رسم ملامح السياحة في الأردن: بين الابتكار والتجربة الفريدة*أ.د ابراهيم الكردي
الراي
يشهد قطاع السياحة في الأردن تحولًا رقميًا ملحوظًا بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تعيد تشكيل تجربة المسافرين وتساهم في تحسين الخدمات السياحية. فمن المواقع الأثرية العريقة إلى المنتجعات الحديثة، باتت التكنولوجيا تلعب دورًا محوريًا في تعزيز جاذبية المملكة كوجهة سياحية عالمية، حيث أصبح بإمكان السياح اليوم الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر تطبيقات الدليل السياحي الافتراضي، التي توفر معلومات دقيقة وفورية عن المواقع التاريخية، وتقدم توصيات شخصية بناءً على اهتمامات الزائر. هذه الأدوات لا تسهم فقط في إثراء التجربة السياحية، بل تجعلها أكثر تفاعلية وسهولة.
أصبح تبني الذكاء الاصطناعي مع التطورات السريعة في صناعة السياحة العالمية، ضرورة ملحّة وليس مجرد خيار، فالدول التي تتأخر في دمج التكنولوجيا في قطاعها السياحي قد تواجه صعوبة في جذب السياح مقارنة بالوجهات التي توفر تجارب ذكية وسلسة، ولأن السياحة تُعد من أهم ركائز الاقتصاد الأردني، فإن الاستثمار في الحلول الذكية، مثل التحليلات التنبؤية، والواقع المعزز، وأنظمة الحجز الذكية، سيمنح الأردن ميزة تنافسية كبيرة، ومن خلال استراتيجية رقمية متكاملة، يمكن للمملكة تعزيز مكانتها كوجهة سياحية رائدة تقدم مزيجًا فريدًا من التراث الغني والتكنولوجيا الحديثة، مما يضمن استدامة القطاع ونموه في المستقبل.
تعد من أبرز التحديات التي تواجه السياح اختلاف اللغات، لكن بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان استخدام تطبيقات الترجمة الفورية التي تتيح للزوار التفاعل بسهولة مع السكان المحليين وفهم الإرشادات السياحية، مما يعزز من انسيابية التجربة السياحية.
تعتمد الجهات المعنية بالسياحة في الأردن على الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الزوار وسلوكهم، مما يساعد في تطوير استراتيجيات تسويقية أكثر فاعلية. من خلال تحليل الاتجاهات والميول، يمكن استهداف السياح بالعروض والتجارب التي تتناسب مع اهتماماتهم، مما يسهم في جذب المزيد من الزوار، وتشكل تطبيقات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في الإرشاد السياحي، حيث يمكن للزوار استخدام هواتفهم الذكية لمسح المواقع الأثرية والحصول على معلومات تاريخية غنية بطريقة تفاعلية. هذه التقنيات تسمح بإعادة إحياء الحضارات القديمة وعرضها بأسلوب عصري وجذاب.
لم يعد حجز الفنادق والمواصلات أمرًا معقدًا، إذ باتت الأنظمة الذكية تعتمد على تحليل تفضيلات الزوار لتقديم اقتراحات مخصصة وفقًا لاحتياجاتهم. كما تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة الفنادق عبر التنبؤ بمعدلات الإشغال وتقديم خدمات مميزة تلبي توقعات السياح، ويستخدم الذكاء الاصطناعي في الأردن لحماية المواقع الأثرية عبر تقنيات المراقبة وتحليل البيانات، مما يتيح الكشف المبكر عن أي تهديدات قد تؤثر على المعالم التاريخية. كما تساعد هذه التقنيات في توجيه السياح نحو سلوكيات أكثر استدامة، للحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة.
تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين قطاع النقل السياحي عبر أنظمة الملاحة الذكية، التي تساعد السياح على تحديد أفضل الطرق وتجنب الازدحام، فضلاً عن تطوير خدمات النقل التشاركي التي توفر وسائل تنقل أكثر كفاءة وراحة داخل المدن السياحية الأردنية.
رغم الفوائد الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك تحديات يجب معالجتها، مثل الحاجة إلى بنية تحتية رقمية قوية، وحماية خصوصية السياح، بالإضافة إلى ضرورة تدريب الكوادر المحلية على التعامل مع هذه التقنيات بفاعلية، كما تواجه بعض المنشآت السياحية صعوبة في تبني هذه التكنولوجيا بسبب تكاليفها العالية، مما يتطلب دعماً حكومياً وخططاً تحفيزية لتسريع التحول الرقمي في القطاع، ومن التحديات الأخرى التي تواجه السياحة الذكية في الأردن إيجاد التوازن بين استخدام التقنيات الحديثة والحفاظ على التجربة الإنسانية التي تشكل جوهر الضيافة الأردنية. فالتفاعل المباشر مع المرشدين السياحيين وأصحاب الحرف التقليدية والمجتمعات المحلية يُعد جزءًا أساسيًا من تجربة السياح، لذا يجب أن تكمل التكنولوجيا هذه العناصر دون أن تحل محلها.
لذا يعد الذكاء الاصطناعي حجر الأساس في تطوير القطاع السياحي في الأردن، حيث يسهم في تعزيز تجربة الزوار، وتحقيق استدامة القطاع، وزيادة تنافسيته على المستوى العالمي. ومع استمرار تبني الابتكارات الرقمية، سيظل الأردن وجهة سياحية متجددة تجمع بين عبق التاريخ والتكنولوجيا الحديثة.