أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2018

سبل معالجة أسباب هبوط الودائع المصرفية في العراق*ذكاء مخلص الخالدي

 الحياة-شكّلت أخيراً ظاهرة هبوط الودائع في المصارف العراقية، وتحديداً تلك الخاصة، محور اهتمام المعنيين بالشأن المصرفي، لدرجة بات حجم رؤوس الأموال يتجاوز قيمتها. ولا شكل أن هذه الظاهرة غير صحية ولا تنسجم مع طبيعة عمل البنوك، التي تنصب مهمتها على استقطاب المدخرات على شكل ودائع وإعادة تدويرها من خلال تقديم القروض لتسيير عجلة النمو الاقتصادي.

 
وتشير الإحصاءات النقدية، إلى أن 77 في المئة من عرض النقد في العراق موجود في جيوب الأفراد، وليس للمصارف سيطرة عليها، أي يكتنزها الأفراد عوضاً عن إيداعها في البنوك. ويستخدمونها في شكل مباشر في معاملاتهم الشرائية اليومية، بدلاً من استخدام الحسابات الجارية (أي الدفع من طريق الشيكات).
 
وينشغل المعنيون أيضاً بمشكلة تركز هذه الودائع لدى المصارف الحكومية، بحيث بلغت حصتها 89 في المئة من المطلوبات المصرفية الإجمالية (وليس الموجودات)، معظمها من نصيب مصرف «الرافدين» الحكومي.
 
ويشهد العراق حالياً توسعاً ملحوظاً في عدد المصارف الأهلية وافتتاح فروع لبنوك عربية وأجنبية، ويبلغ عددها حالياً 115 مصرفاً ومؤسسة مالية، منها 7 حكومية و23 إسلامياً أهلياً و24 تجارياً واستثمارياً أهلياً، و20 فرعاً لمصارف عربية وعالمية. وبذلك يصل مجموع المصارف العاملة في العراق من حكومية وأهلية وعربية وأجنبية إلى 74، يتركز معظمها في بغداد والمدن الكبيرة.
 
ويعود 60 في المئة من الودائع المصرفية الإجمالية خصوصاً في بنوك القطاع العام، إلى دوائر حكومية. فيما تنقسم النسبة المتبقية (40 في المئة) بين الأفراد والشركات المحلية والأجنبية. ويستحوذ مصرف «الرافدين» على 45 في المئة من الودائع الحكومية والخاصة.
 
لا شك في أنَّ انخفاض أسعار النفط منذ العام 2014 وسياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة بعد ذلك، أثرت كثيراً في تدني حجم ودائع القطاعين العام والخاص. إذ تأثر الأخير بتراجع الإنفاق الحكومي وبالاستقطاعات التي شملت الموظفين والمتقاعدين.
 
ويُذكر أن في العراق العدد الأكبر من المصارف مقارنة ببعض دول الجوار، لكن مجموع الودائع فيها لا يتجاوز ما لدى أي مصرف متوسط فيها. ويعزو أعضاء في اللجنة المالية النيابية، الخلل الذي يواجهه القطاع المصرفي في العراق، إلى عدم اعتماد الأخير على الدعاية وتثقيف الأفراد لتشجيعهم على التعامل مع المصارف. كما دعي المعنيون في البنك المركزي العراقي، إلى مواصلة المساعي الهادفة إلى ترغيب الجمهور بالتعامل مع المؤسسات المصرفية، وترك عادة الاكتناز.
 
بعد سرد هذه الحقائق عن تدني ظاهرة الودائع المصرفية في المصارف العراقية، لا بد من طرح أسئلة حولها، فهل تكمن المشكلة في النظام المصرفي العراقي ذاته أم في الأفراد غير الراغبين في التعامل مع المصارف لأي سبب كان، مثل ضعف الثقافة المصرفية نتيجة ضعف الدعاية التي يجب أنْ تقوم بها المصارف لهذا الغرض، أم ضعف دور البنك المركزي في محاربة الاكتناز؟ أو أن السبب يعود إلى الوضع العام بما فيه الوضع الاقتصادي؟ أم إلى هذه الأسباب مجتمعة؟
 
إنَّ العدد الكبير من المصارف الخاصة والتي تأسست في العراق بعد 2003 تحت مسميات مختلفة، لم تأتِ نتيجة الحاجة إليها لأغراض تسهيل سير النشاطات الاقتصادية، بل نشأ كثير منها من قبل جهات وأحزاب سياسية بهدف الاستفادة من شراء العملة اليومي، الذي ينظمه البنك المركزي لبيع الدولار إلى المصارف وشركات التحويل المالي. وتلعب مصارف كثيرة دوراً كبيراً في تهريب العملة إلى الخارج، وتعلم كل الجهات المعنية في العراق بهذه الحقيقة. كما تأسست هذه المصارف بأعداد كبيرة، لم يكن العراق معتاداً عليها وهو الذي ظل منذ قرارات التأميم في 1963، يسمح بالمصارف الحكومية فقط. لذا لم يواكب البنك المركزي هذه الزيادة في عدد المصارف الخاصة، بممارسة رقابة فعلية وفعّالة عليها، كما نص على ذلك قانونه.
 
وحتى عندما تعثرت بعض هذه المصارف ووضعها البنك المركزي تحت وصايته، ظلت إجراءات تلك الوصاية ناقصة، لأن الهدف منها تقويم الوضع المالي للمصرف والاستحواذ على أصوله وموجوداته لحفظ ودائع القطاع الخاص، ما يطمئن المواطنين ويبني الثقة في الجهاز المصرفي.
 
إنَّ تعثر بعض المصارف الخاصة والغموض المحيط بنشاطاتها، خصوصاً تلك المرتبطة بتهريب العملة وعدم ممارسة البنك المركزي الرقابة الفعلية والفعّالة عليها، أضعف الثقة في النظام المصرفي العراقي ككل. ومعروف تاريخياً، أن عمل النظام المصرفي ونجاحه لا يتحققا إلا بثقة الأفراد فيه، التي لا يمكن فرضها، إذ لا يمكن أي جهة إجبار الأفراد على التعامل مع المصارف، إذا لم يكن لديهم ثقة فيها.
 
إنَّ النهب الذي تعرض له بعض المصارف بعد غزو العراق في 2003 ، والأشياء الثمينة التي كانت مودعة فيها وفقدها كثر، وتعثر بعض البنوك الخاصة وارتباط أسمائها بالفساد وتهريب الأموال وضعف الدور الرقابي للبنك المركزي، شكلت عوامل أضعفت الثقة في النظام المصرفي، وتحديداً تلك الخاصة.
 
وفي هذه الحالة، لم تحضّ الدعاية ولا محاولات البنك المركزي الأفراد على الادخار في المصارف وعدم الاكتناز، يمكن أنْ يجدي نفعاً. ويفسّر ذلك أيضاً أسباب توجه الودائع نحو مصرف «الرافدين» وهو قديم تأسس في 1941 وحكومي بالكامل، وليس في تاريخه الطويل ما يشوبه ويعتري التعامل معه.
 
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن العراق لم يتمكن في أفضل أوقاته من نشر الثقافة المصرفية بين الأفراد، الذين ظلوا يفضلون التعامل بالنقود مباشرة وليس من خلال استخدام الحسابات الجارية، باستثناء رجال الأعمال من تجار وصناعيين. ففي ستينات القرن الماضي وسبعيناته، لم تنخفض نسبة النقد في التداول إلى مجموع عرض النقد عن 70 في المئة في معظم الأحوال. ويعود ذلك إلى غياب الإنماء المتوازن وضعف معدلات الدخل الفردي، والخوف من نتائج استخدام الشيكات، التي قد يُحرر بعضها من دون رصيد وما يعقب ذلك من مشاكل قانونية.
 
ومن المعروف عن تطور النظام المصرفي العالمي، أن العادة المصرفية تزداد بتطور الاقتصاد وارتفاع مستويات الدخل والثقة في النظام المصرفي ونزاهة القضاء واستتباب الأمن.
 
لكن في الظروف الحالية في العراق، حيث القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة شبه معطلة ولا تتجاوز مساهمتها في الناتج المحلي نسبة 5 وواحد في المئة على التوالي، وتراجع مستوى الدخل باستثناء الفئات العليا من الموظفين، بحيث ارتفع مؤشر الفقر الوطني من 15 إلى 23 في المئة، ومن 20 إلى 41 في المئة، في المحافظات التي تعرضت لاحتلال «داعش». كيف يُتوقع من الأفراد تحقيق مدخرات وإيداعها لدى البنوك. أما أصحاب المداخيل المرتفعة، فلديهم حسابات خارجية يفضلونها على الحسابات الداخلية.
 
إذاً ما شهده القطاع المصرفي العراقي حالياً من هبوط في حجم الودائع وتركزها لدى المصارف الحكومية، لا تمكن معالجته إلا من طريق إنعاش الوضع الاقتصادي، خصوصاً الزراعة والصناعة ووضع المصارف الخاصة تحت رقابة البنك المركزي، وتشجيعها على الانخراط في تمويل النشاطات الاقتصادية واتباع سياسة الإنماء المتوازن، ومحاربة الفساد بكل أشكاله وإرساء دولة القانون والمؤسسات.