أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Feb-2025

من روسيا إلى دمشق.. عملة سورية "من دون غطاء"

الحرة


قبل أيام، أعلن مصرف سوريا المركزي وصول مبالغ نقدية من روسيا إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي، بالعمل السورية.

وقال البنك أن المبلغ من فئة الليرة السورية، وفقا لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا.

وقدر ناشطون على وسائل التواصل قيمة المبلغ بـ 60 تريليون ليرة، إلا أن البنك قال إن الأرقام المتداولة حول حجم هذه الأموال غير دقيقة على الإطلاق.

وفي منتصف ديسمبر الماضي، قال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إن بشار الأسد كان يأمر البنك المركزي بطباعة العملة من دون غطاء.

ويشير مراقبون إلى أن طباعة العملة من دون غطاء سيؤدي إلى رفع مستوى التضخم في اقتصاد يعاني أصلا من مشاكل كبيرة جراء سنوات من الحرب والعقوبات، وحيث يواجه المواطنون أوضاعا معيشية صعبة مع ضعف القدرة الشرائية.
طباعة بدون غطاء

يشير الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو إلى أن المعلومات المتداولة حول تلك الأموال ضُخمت بشكل كبير، وأنه لم يكن هناك ضرورة لنشرها.

وأوضح أن هذه الأموال كانت ضمن اتفاقية مع النظام السابق، وتأخر تسليمها بسبب ما حدث في سوريا نهاية العام الفائت، في إشارة سقوط نظام بشار الأسد.

"يقولون إن المبلغ هو 300 مليار ليرة سورية، هذا المبلغ يكفي فقط لدفع رواتب الموظفين الحكوميين لشهر واحد، وهو نصف بالمئة من موازنة سوريا، إلا أن تأثيره على الاقتصاد سيكون على المدى الطويل، مع تكرار الطباعة بهذا الشكل من دون غطاء رسمي،" يضيف في تصريحات لموقع "الحرة".

وبحسب الخبير، تشير معلومات إلى أن القصر الجمهوري كان يشرف على عملية الطباعة في الخارج ودفع قيمة الأموال المطبوعة، دون المرور بالبنك المركزي.

ويصف هذه "المعلومات" بأنها خطيرة جدا"، لأنها تكشف أن المركزي لا يعرف حجم الكتلة النقدية الموجودة في السوق، لأنه لا يعلم ما تمت طباعته خلال الفترة السابقة".
تأثيرات كارثية

ويشدد شعبو على أن "عملية الطباعة هذه ستؤدي إلى تضخم جامح جدا، ومشاكل اقتصادية سيئة جدا، وستصبح عملية المعالجة أصعب بكثير من الوضع الحالي".

"استخدام سياسة التمويل بالعجز يؤدي لزيادة الكتلة النقدية، والضغط على أسعار الصرف، وارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية لليرة، وهذا مؤذي للاقتصاد"، يضيف.

الباحث في السياسات العامة الدكتور عبد المنعم حلبي، وهو موظف سابق في مصرف سورية المركزي، قال لموقع "الحرة" إن أي إصدار نقدي إضافي في الكتلة النقدية لا يتناسب مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي سينعكس بالضرورة بارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات، "لا سيما إذا كانت أدوات السياسة النقدية وعلى رأسها معدل الفائدة غير مفعلة، أو أنها خاضعة لاعتبارات حكومية تدخلية لا تستند لضرورات مواجهة التضخم بصورة مباشرة".

وأضاف الباحث، "يضاف إلى ذلك حالة الفوضى في الأسعار وعدم الالتزام بتعليمات وإجراءات يتوجب على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تنفيذها، بما يؤدي لنوع من المطابقة بين أسعار السلع والخدمات في السوق ومستويات النوعية والجودة، كما يلاحظ وجود حالة من الاستيراد غير المنضبط".

ويتوقع حلبي أن استمرار هذه العوامل سيؤدي إلى رفع التضخم إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه.
آليّة متغيرة

يوضح الدكتور عبد المنعم حلبي أن عملية طباعة العملة في سوريا كانت قبل الحرب تخضع لضوابط صارمة، إذ كانت تعتمد على الاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار، بالإضافة إلى رصيد ثابت من الذهب النقدي.

وكان الاقتصاد السوري، وفقا لحلبي، يشهد نموا يسمح بإصدار مزيد من النقد لتمويل العجز في الموازنة العامة، وفق معايير مقاربة لآليات صندوق النقد الدولي.

إلى جانب ذلك، ساهم استقرار معدل الفائدة وسعر الصرف الثابت لليرة السورية في ضبط الأسواق المالية. كما لعب دعم الدولة للسلع الأساسية دورًا رئيسيًا في كبح التضخم ومنع انفلاته.

لكن مع اندلاع الحرب، وخاصة منذ عام 2019، تلاشت هذه المحددات، وأصبحت الليرة السورية تُفرض بقوة القانون، وسط تشديد الإجراءات لمواجهة الدولرة.

ولم تعد عمليات طباعة العملة تعتمد على الاحتياطي النقدي، بل باتت مرتبطة بتمويل نفقات الموازنة العامة، سواء الجارية أو الاستثمارية، والتي تجاوزت بكثير الإيرادات الحكومية من الضرائب والرسوم.

نتيجة لذلك، لجأت الحكومة بشكل واسع إلى التمويل بالعجز، مما أدى إلى تدفق السيولة في السوق في وقت كان يشهد فيه الناتج المحلي انكماشًا حادًا، مما انعكس سلبًا على الليرة السورية، التي فقدت قيمتها الحقيقية، في حين بلغ التضخم مستويات قياسية غير مسبوقة، بحسب الباحث.
تخفيف الأزمة

يرى خبراء الاقتصاد أن السياسات النقدية الفعالة، ودعم الإنتاج المحلي، ووضع نظام جمركي متوازن، يمكن أن تسهم في التخفيف من حدة الأزمة المالية في سوريا.

الدكتور عبد المنعم الحلبي دعا إلى ضبط السوق السوداء وقيام البنك المركزي بواجباته في مواجهة التضخم، عبر تفعيل أدوات السياسة النقدية، ووضع سياسة اقتصادية واضحة في ما يتعلق بالاستيراد المنفلت ودعم المنتجات المحلية ذات المزايا المطلقة والنسبية لزيادة الإنتاج الوطني، مع التشدد في مراقبة مستويات الجودة.

ودعا أيضا إلى وضع نظام جمركي واضح وشامل، يوازن بين ضرورات زيادة الإيرادات العامة، واحتياجات السوق المحلية من السلع الأساسية لتوفيرها بأسعار ومستويات جودة مناسبة.

بدوره دعا الخبير الاقتصادي فراس شعبو إلى ضخ السيولة بشكل تدريجي حتى لا يكون هناك صدمة في السوق، ولكن بشرط أن تترافق هذه السيولة مع تحسين الخدمات والبنية التحتية وتشجيع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على المستوردات.

"هذا الأمر يخفف من الضغط ويعطي حوافز للتصدير وبالتالي تتحرك العجلة الاقتصادية"، يقول.

وأشار إلى أن هذه السياسة من الممكن أن تنجح، وأن هذا الأمر يحتاج أيضا لرفع العقوبات، وأن يأخذ المصرف المركزي دوره الحقيقي الذي كان مغيباً عنه منذ خمسين أو ستين عاماً تقريبا ولم يكن فعالا.

وأكد الخبير أن مثل هذا الأمر يحتاج لكثير من الوقت، ولا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها.

وأضاف، "حكومة المئة يوم لا تستطيع إصلاح ما تم تدميره خلال خمسين عاما، الوضع كارثي أكثر مما كنا نتصور، إذ كان القصر الجمهوري يدفع أموالا والمصرف المركزي لا يعلم ماهية هذه الأموال".

الحلول المطروحة، وإن كانت طويلة الأمد، تشير إلى إمكانية تخفيف الأزمة عبر سياسات نقدية أكثر انضباطًا، ودعم الإنتاج المحلي، وضبط الأسواق.

ورغم أن الإصلاح الاقتصادي يتطلب وقتًا وإرادة سياسية حقيقية، فإن أي تأخير في اتخاذ خطوات جادة سيجعل المعالجة أكثر صعوبة، مما يزيد من معاناة السوريين في مواجهة واقع اقتصادي متدهور.