أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-May-2023

المعارك الصامتة في عوالم الفضاء السيبراني*خالد وليد محمود

 الدستور

في صيف عام 1993 ، صدر مقال من عشرين صفحة لخبيري الدفاع الأمريكيين جون أركيلا وديفيد رونفلدت بعنوان «الحرب الإلكترونية قادمة» توقعا فيه العديد من التحديات التي سيواجهها ممارسو الأمن القومي الغربي في السنوات التالية. وتضمنت الورقة تأكيدًا ملهمًا على تأثيرات التحول الاجتماعي لتكنولوجيا المعلومات، وأن المفاهيم السيبرانية يمكن أن تحول من طبيعة الحرب ودور الجيوش، والتنظيم العسكري والعقيدة ، فضلاً عن الاستراتيجية والتكتيكات وتصميم الأسلحة التي دعيا إلى ضرورة إعادة تعريفها بينما أشارا إلى أن الحرب السيبرانية وحرب الشبكات هما شكلين ناشئين من الحرب يستحقان دراسة أكبر.
ثلاث عشريات من السنين مضت على توصيف أركيلا و رونفلدت لظاهرة «الحرب السيبرانية» حيث كان لديهما فرضية وهي أن ثورة المعلومات والاتصالات ستغيّر من طبيعة الصراعات المسلحة، وسنحتاج إلى لغة جديدة لوصفها. وحينما أشارا إلى «تحول في طبيعة الحرب» في ذلك الوقت، بدا حديثهما حينها أمراً مبالغا فيه، لكن مع الوقت بدأ التحول في طبيعة الحرب يأخذ مجراه فعلاً، ويأخذ منحىً غير مسبوق في عمليات القرصنة والاستيلاء على المعلومات السرية وتهديد المؤسسات الحكومية في الدول العظمى حول العالم، وأضحت التفاعلات السيبرانية العدائية تفرض تهديداً متزايداً على البنى التحتية الحيوية للدول، وهو ما أثار المخاوف بأن تتسبب في اندلاع صراع شامل بين دولتين أو أكثر، خاصة مع تصاعد وتيرة تلك الهجمات واتساع تأثيرها وكُلفها الباهظة.
تأسيساً على ذلك، أصبحت الحرب السيبرانية تحظى باهتمام كبير من قبل مراكز الأبحاث والمختصين والممارسين وصانعي السياسات ومنظري الأمن، بعد أن أصبح مثل هذه الحروب (التي لا تحكمها قواعد قانوينة أو سياسية عرفية) إحدى العناصر المؤثرة في العلاقات الدولية نتيجة انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى العظمى في العالم، إلى شبكة الإنترنت والوسط الرقمي. وبات العالم أمام شكلين من أشكال الصراع فى عصر المعلومات هما حرب الشبكات، وحرب الفضاء السيرانيCyber war & Net war واللذان يشيران إلى النمط الخاص بطبيعة الصراع، والتوجيه المعلوماتي الشامل للمعركة. وتعد الحرب الإلكترونية من الصراعات عالية الشدة high- intensity conflicts ، أما حرب الشبكات Net war فتمثل نوعاً من الصراعات منخفضة الحدة Low-intensity conflict ، ولا يتكون الفضاء السيبراني فقط من شبكة من الاتصالات بل يتكون كذلك من المعلومات التى تنتقل من خلال الشبكة، وأهم ما يميز مجتمع المعلومات القيمة الاقتصادية والميدانية بالنسبة إلى الجهات العسكرية، وكلما زادت الفاعلية فى إدارة تلك المعلومات زادت الفائدة التى يمكن الحصول عليها، وأصبح تفوق المعلومات من القيم الأساسية للقوة العسكرية، وأصبحت المعلومات مجالاً للسيطرة والتحكم.
إنّ الحرب الإلكترونية أو الحرب السيبرانية باتت مفهوماً جديداً على صعيد الصراعات الدولية في القرن الواحد والعشرين، فهي تستهدف الحواسب والمواقع الإلكترونية، وتشمل عمليات تسلل وزرع برمجيات ضارة للتجسس، أو ما يطلق عليه عمليات اختراق أو (قرصنة إلكترونية). ومن هنا باتت الأطراف الدولية تتسابق لاستغلال هذا المجال، إذ تمتد مسارح الحروب الإلكترونية الى قيعان المحيطات، والى الطبقات العليا للفضاء الخارجي، وقد يستخدم فيها مختلف تقنيات النظم المتقدمة من المراقبة والكشف والقيادة والسيطرة والإعاقة والخداع ورصد الأهداف وتوجيه الضربات، فالتطور الالكتروني الذي شهده عالم التكنولوجيات الرقمية والالكترونية الكونية خلال العشرية الماضية شهد تنافسات شديدة بين دول المعمورة وبات ما يجري من هجمات سيبرانية يؤرق الفواعل الدولية، فهذه الهجمات ذات كلف منخفضة وتأثيرات عالية وتمتاز بالصمت، ومرونة الوقت وسرعة الأداء وقوة التأثير وشبه انعدام معرفة هوية المهاجم والخلفيات الأيديولوجية ، وغيرها من الصفات التي تجعل منها حرب شديدة الخطورة. فعلى سبيل المثال: يقدّر الضرر الذي تلحقه الهجمات الإلكترونية بالاقتصاد العالمي ما يزيد على تريليون دولار سنوياً. بينما من المتوقع أن تكلّف جرائم الإنترنت العالم 8 تريليونات دولار أمريكي في عام 2023 ، وبهذا فستكون الجريمة الإلكترونية ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. كما تتوقع تقارير متخصصة بازدياد تكاليف الأضرار الناجمة عن الجرائم السيبرانية العالمية بنسبة 15 في المائة سنوياً على مدى الأعوام الثلاث المقبلة ، لتصل إلى حوالي 10.5 تريليون دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2025 وهنا نتحدث عن تلف البيانات وتدميرها، وسرقة الأموال ، والملكية الفكرية ، وسرقة البيانات الشخصية والمالية، والاختلاس، والاحتيال،وتعطيل المسار الطبيعي للأعمال واستعادة وحذف القرصنة وتدمير الأنظمة والإضرار بالسمعة.
مما لا شك فيه أن الهجمات السيبرانية قفزت إلى واجهة الأحداث في السنوات الأخيرة، وفرضت نفسها على واقع العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي، بسبب تأثيرها البالغ والخطير. بينما يبقى السؤال معلقاً حول استعداد العالم لمواجهة اندلاع حروب سيبرانية إقليمية أو دولية واسعة النطاق قد تسحب القوى المتصارعة من الفواعل الدولية وغير الدولية للانزلاق إلى حروب تقليدية أو هجينة في ظل عدم وجود قوانين أو إجراءات تحدّ أو تمنع من نشوب أشرس المعارك الصامتة التي لا تدور في الجغرافيا الطبيعية وإنما في عوالم الفضاء السيبراني.