هبوط حاد في «وول ستريت» وسط تصاعد معركة الرسوم الجمركية الأميركية مع كندا والمكسيك
الشرق الاوسط-واشنطن: هبة القدسي
تراجعت مؤشرات سوق الأوراق المالية الأميركية بشكل حاد صباح الاثنين، مع تصاعد التوترات بعد إعلان الرئيس دونالد ترمب فرض رسوم جمركية على الأسواق المالية؛ مما أثار مخاوف كبيرة في الأسواق العالمية من نشوب حرب تجارية.
تأتي هذه التطورات في وقت يستعد فيه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على المنتجات الآتية من المكسيك وكندا، على أن تدخل هذه الرسوم حيز التنفيذ يوم الثلاثاء. في المقابل، تعهد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، بالرد، حيث أعلن ترودو عن فرض كندا رسوماً بنسبة 25 في المائة على السلع الأميركية بقيمة 155 مليار دولار، بينما قالت شينباوم إنها أمرت بتنفيذ «الخطة.ب» التي تشمل تدابير جمركية وغير جمركية لحماية مصالح المكسيك.
وكان كثير من المستثمرين في «وول ستريت» يأملون أن تكون تهديدات ترمب بشأن التعريفات الجمركية مجرد تصريحات في إطار حملته الانتخابية، أو بداية لمفاوضات مع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. لكن مع تنفيذ ترمب تلك التهديدات، ازدادت المخاوف من التصعيد، واحتمالية حدوث ردود انتقامية قد تؤدي إلى أضرار اقتصادية كبيرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك للولايات المتحدة.
وتأثرت الأسواق بسرعة مع افتتاح «وول ستريت» يوم الاثنين، حيث سجل مؤشر «ستاندرد آند بورز» انخفاضاً قدره 500 نقطة بنسبة 1.4 في المائة خلال التعاملات المبكرة، بعد خسائر مماثلة في أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا. كما انخفض مؤشر «داو جونز» الصناعي بمقدار 435 نقطة، أو واحد في المائة، وهبط مؤشر «ناسداك» بنسبة 1.8 في المائة. وكان بعض الخسائر الأشد حدة من نصيب أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى والشركات التي قد تتأثر بشكل كبير بارتفاع أسعار الفائدة.
وقد امتدت هذه التأثيرات إلى الأسواق المالية العالمية، حيث تراجع مؤشر «نيكي» الياباني بنسبة 2.5 في المائة، وانخفض مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة واحد في المائة.
وأشار الخبراء إلى أن الرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضتها كندا والمكسيك قد تجعل من الصعب على المصدّرين الأميركيين المنافسة في هذه الأسواق، مما يزيد من احتمال تراجع المبيعات. ولفت المستثمرون إلى أن الشركات الأميركية ستكون الأكبر تأثراً من تنفيذ هذه الإجراءات الجمركية على السلع المستوردة من كندا والمكسيك والصين.
كما أعرب الخبراء عن قلقهم من أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار البقالة والإلكترونيات وفواتير أخرى للأسر الأميركية، مما يزيد من ضغوط التضخم في الولايات المتحدة، الذي تباطأ بشكل كبير منذ ذروته في الصيف الماضي. وقد يمنع هذا التضخم المتسارع «بنك الاحتياطي الفيدرالي» من خفض أسعار الفائدة، وهو ما بدأه في سبتمبر (أيلول) الماضي لدعم الاقتصاد الأميركي.
وفي سلسلة من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي خلال عطلة نهاية الأسبوع هناك، قال ترمب إن الرسوم الجمركية تستهدف كندا والمكسيك والصين بسبب دورها في نقل وتصنيع المخدرات غير المشروعة التي تصل إلى الولايات المتحدة. وحث ترمب الدول الثلاث على معالجة هذه المخاوف، مع الاعتراف بأن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى بعض الصعوبات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة. وأضاف في تغريدته: «هل سيكون هناك بعض الألم؟ نعم؛ ربما (وربما لا!). لكننا سنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وسيكون كل هذا قد استحق الثمن الذي وجب دفعه».
كما اعترف ترمب في حديثه للصحافيين، مساء الأحد، بأن الأميركيين قد يشعرون «ببعض الألم» نتيجة الرسوم الجمركية، لكنه أكد أن «ذلك سيكون ثمناً يستحق الدفع» لتحقيق هدفه في «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى». وأشار إلى أن الرسوم على الواردات «ستحدث بالتأكيد» مع الاتحاد الأوروبي و«ربما مع المملكة المتحدة أيضاً».
وقال يونغ يو ما، كبير مسؤولي الاستثمار بإدارة الثروات في «بي إم أو»: «إن حالة عدم اليقين في هذه المرحلة هائلة؛ ليس فقط بشأن كيفية سير هذه المفاوضات النهائية، ولكن أيضاً بسبب بالمخاوف من أن هذه ليست سوى قمة جبل الجليد، وأن مزيداً من التعريفات الجمركية قد تكون في الأفق».
وبدأ المتداولون في «وول ستريت» بالفعل تقليص التوقعات بشأن عدد تخفيضات أسعار الفائدة الذي قد يقدمه «بنك الاحتياطي الفيدرالي» هذا العام. ويمكن أن تشجع أسعار الفائدة المنخفضة أصحاب العمل في الولايات المتحدة على توظيف مزيد من العمال، بينما تعمل أيضاً على زيادة أسعار الاستثمارات، ولكن الجانب السلبي هو أنها قد تسهم في زيادة التضخم.
وأوضح بريان جاكوبسن، كبير خبراء الاقتصاد في «أنيكس ويلث مانجمنت»: «إنني أعيش في الغرب الأوسط، وقد أشعر بتأثير الحرب التجارية بشكل مباشر، خصوصاً بسبب الكمية الكبيرة من النفط الخام التي تتدفق من الحدود الشمالية للولايات المتحدة لإنتاج البنزين. لا يمكن لمصافينا ببساطة التحول بعيداً عن الخام الكندي».
وارتفعت أسعار النفط الخام، مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية قد بدأت بالفعل؛ فقد ارتفع برميل «الخام الأميركي القياسي» بنسبة 1.3 في المائة ليصل إلى 73.45 دولار، في حين ارتفع «خام برنت» بنسبة 0.8 في المائة ليصل إلى 76.29 دولار.