الدستور - أنس الخصاونة - الدكتور فواز المومني
قال الدكتور فواز أيوب المومني - أستاذ مشارك في جامعة اليرموك/ باحث وخبير في الهجرات القسرية ، ان الاردن استضاف العديد من الهجرات القسرية حيث بدأت باللجوء الفلسطيني من عام 1984 و1967، واللجوء الفلسطيني شكل ضغطاً كبيرا على الدولة الأردنية في تامين المأوى والخدمات الإنسانية للاجئين آنذاك، وبالمقابل فقد ساهم اللجوء الفلسطيني في بناء الدولة الأردنية آنذاك لما كان يتمتع به بعض اللاجئين الفلسطينيين من خبرات ومهن حرفية.
واضاف الدكتور المومني ان اللجوء العراقي أثناء حرب الخليج الأولى كان الأقل ضررا بما أن الكثير من اللاجئين العراقيين كان وضعهم الاقتصادي جيدا وهناك الكثير من الاستثمارات العراقية التي أنشئت بالمملكة بعد الحرب، أما اللجوء السوري فكان الأشد وطأة على الدولة الأردنية، وذلك لمحدودية الفرص من جانب اللاجئين السوريين وكثرة التحديات من جوانبها المتعددة.
واضاف الدكتور المومني : أرهق اللجوء السوري إلى المملكة كافة القطاعات التعليمية والخدماتية والصحية، كما وتكبدت الدولة الأردنية أعباء اقتصادية إضافية تجاوزت تكلفة الإضافة المباشرة وغير المباشرة ما قيمته عشرات المليارات من الدولارات بالمقابل كانت حصة الأردن من الاستثمارات السورية في الأردن قليلة مقارنة مع تركيا ولبنان، حالياً هناك فجوة تمويل تقدر تقريباً ب 48 ٪ من تكاليف استضافة اللاجئين السوريين.
ونوه « ساهم اللجوء السوري في تطوير قطاع الطعام والغذاء في المملكة.
وعن الحلول الممكنة إشار الدكتور المومني الى ضرورة يكون هنالك ضغط إقليمي من قبل الدول المتضررة مثل تركيا ولبنان والأردن، وتحويل التحديات إلى فرص بالرغم من عدم وجود بيئة استثمارية جاذبة لاستقطاب الاستثمارات الدولية التي تعود بالنفع على الأردنيين واللاجئين السوريين.
وشدد على ضرورة إنشاء مظلة وطنية أردنية على شكل هيئة أو مفوضية تعنى بملف اللجوء السوري ولا سيما أن اللجوء السوري في الأردن قد يستمر لعشر سنوات إضافية.
الدكتور محمد الرقاد :
- و قال خبير ادارة الازمات في جامعة العلوم الاسلامية العالمية الدكتور محمد الرقاد ان الارن شهد عبر تاريخه الطويل سلسلة مختلفة من موجات اللجوء والنزوح ترافقت مع الاحداث السياسية والاقتصادية التي عصفت بالمنطقة والعالم، حيث استقبل الاردن في بداياته الاشقاء الفلسطينيين نتيجة لاحداث عام 48 و 67 بالاضافة الى النازحين من حرب الخليج الثانية في تسعينيات القرن الماضي وبعد ذلك ادت الاحداث في العراق الى نزوح اعداد كبيرة من العراقيين الى الاردن، ومع احداث الربيع العربي فقد واجه الأردن وضعا معقداً نتيجة نزوح اعداد كبيرة من السوريين الى الاردن حيث يعد الاردن ثاني أكبر دولة بنسبة اعداد اللاجئين مقارنةً بعدد مواطنيه، ومنذ اندلاع الازمة السورية عام 2011، فقد استقبل الاردن اكثر من 1,3 مليون لاجئ سوري موزعين على مخيمات اللجوء وفي المدن والقرى الاردنية، وذلك وفق بيانات الحكومة الأردنية، فيما يبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين نحو 655 ألف لاجىء.
واضاف الرقاد أن الأردن واجه تحديات كبيرة نتيجة تلك الموجات، وتعد موجة اللجوء السوري احدى ابرز الموجات التى زادت من الضغط على مختلف مرافق الدولة وما تركته من اثار سلبية على قطاعات التعليم والصحة والمياه والنقل والبنية التحتية وغيرها من القطاعات بالاضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الاردنيين نتيجة منافسة السوريين لهم، وبرغم ذلك كله الا ان الجهات الدولية المانحة لم تلب احتياجات الاردن بشكل كبير للاستجابة للازمة السورية وان نسبة ما قدم للمنعة في اطار خطة الاستجابة لم يتجاوز 35 ٪ من حاجات الاردن لمواجهة تبعات اللجوء والتي القت بظلالها على مختلف مرافق وقطاعات الدولة وبما يمكن الاردن من الاستجابة بفعالية اكبر في تقديم الخدمات.
واشار الرقاد ان استقبال الاردن لاعداد كبيرة من اللاجئين فاقم الضغط على قطاع التعليم ما تطلب بناء مدارس جديدة واستحداث نظام الدوام على فترتين لتقليل اعداد الطلبة في الصفوف، كما تعرض النظام الصحي إلى ضغط كبير من حيث الموارد المالية والقدرة على تقديم الخدمات كما أدّى الضغط على نظام الرعاية الصحية إلى تقييد الخدمات المتاحة للاردنيين، كما اثرت ازمة اللجوء على قدرة الاردنيين في تملك واستئجار العقار حيث ارتفعت اسعار الايجارات بصورة كبيرة في المحافظات التي استقبلت اعدادا كبيرة من اللاجئين وخاصة محافظات إربد وجرش والمفرق وهذا اثر سلبا على قدرات الاردنيين وخاصة ممن هم من ذوي الدخول المتوسطة والمتدنية في تملك واستئجار الشقق كما ان ذلك رتب عليهم كلفا اضافية في ظل محدودية دخولهم.
وبين انه برغم اسهام اللاجئين جزئيا في دعم الطلب على السلع الاستهلاكية وبعض الخدمات الا ان ذلك لم يحسن من معدلات النمو وان الاردن سجل العام الماضي بالتزامن مع جائحة كورونا تراجعا في النمو بنسبة 2 ٪، حيث ان ارتفاع اعباء اللجوء وموجة كورونا اثرا سلبا على الاقتصاد الاردني والذي يعاني اصلا من صعوبات نتيجة لمعطيات وصدمات سابقة.
واضاف ان على الاردن ان يحث المجتمع الدولي والجهات المانحة على الاستجابة بشكل افضل لتحمل تبعات اللجوء وخاصة ان عودة اللاجئين حاليا واقع صعب في ظل الظروف والراهنة، وان العبء الاقتصادي الناجم عن استضافة السوريين لم يقتصر تاثيرها على منافسة المواطنين فقط للوظائف والخدمات بل شملت المجتمعات المستضيفة والخدمات المقدمة لها.
حسام عايش
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش ان للاردن تاريخا طويلا مع قضية اللجوء واللاجئين وان اللاجئ هو الشخص الذي يضطر لمغادرة ارضه حفاظاً على حرياته أو إنقاذاً لروحه ولا يتمتع بحماية دولته او قد يكون هناك اعتداء عليها بحيث يكونون غالبا مصدر تهديد له بالاضطهاد، والاردن منذ تاسيسه قبل مائة عام وهو يستقبل اللاجئين والباحثين عن الامان بين ربوعه من احرار العرب في سوريا وفلسطين والعراق في عشرينيات القرن الماضي، الى اللاجئين الفلسطينيين 1948، والنازحين 1967، واللبنانيين في السبعينيات، الى المغتربين العائدين من الكويت في التسعينيات، الى اللاجئين العراقيين خلال الحرب الاميركية على العراق مطلع الالفية الجديدة، واخيرا اللاجئين السوريين منذ بداية ازمة بلادهم مطلع العام 2011 وحتى الان، ناهيك عن اللاجئين من ليبيا والسودان واليمن وغيرهم.
واضاف عايش ان هذا الزخم المتواصل من اللاجئين هو تعبير عن وقوف الاردن مع اخوته العرب عند كل مفصل اليم يمرون به، وهو تعبير عن فتح الاردن ذراعيه لكل ملهوف وباحث عن الامان والعيش الكريم، وهو تعبير عن ثقافة هذا البلد القومية التي تشكل رسالته ومواقفه تجاه اشقائه العرب في كل مكان.
وبين ان اللجوء المتواصل الى الاردن لم يكن مخططا له بالطبع، وكان يتم عن اضطرار، وبالتالي فلم يكن الاردن بطبيعة الحال مستعدا لتحمل تبعاته وبالذات الاقتصادية والاجتماعية، كما ان موارده الطبيعية المحدودة، وزيادة عدد سكانه، مثل عاملا اضافيا في زيادة اعبائه، فالاردن يحتضن ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنةً مع عدد المواطنين، اذ يوجد واحد بين كل 3 من سكان الأردن لاجئ، فيما بلغ عدد اللاجئين المسجلين في مفوضية الامم المتحدة للاجئين اكثر من 760 ألفا، منهم 671 ألف سوريا، و67 ألف عراقي، و14ألف يمني و6 آلاف سوداني، و793 صومالي، ونحو 2000 لاجئ من جنسيات أخرى، ايضا يعيش في الأردن أكثر من 2.1 مليون لاجئ فلسطيني مسجّل يتمتعون بالمواطنة الأردنية الكاملة باستثناء حوالي 140 ألف لاجئ أصلهم من قطاع غزة يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة، في المقابل تستضيف البلدان المرتفعة الدخل في المتوسط2.7 لاجئ لكل 1000من عدد السكان، وتستضيف البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل ما معدله 5.8 لاجئ، فيما تستضيف الدول الأكثر فقراً ثلث أعداد اللاجئين كافة حول العالم.
واشار الى ان هذه الارقام تظهر كم هي مرتفعة كلفة اللجوء على دولة مثل الاردن، وبالذات اللجوء الاخير لاعداد كبيرة من السوريين، حيث تقدر كلفة اللاجئ الواحد منهم سنويا بحوالي 200 دينار بين التعليم والصحة والامن وغيرها، ما يعني ان اعباء اللجوء السوري على دولة مثل الاردن تقدر سنويا باكثر من 2 مليار دولار بالمعدل، وهو حجم هائل يساهم المجتمع الدولي بشكل متفاوت بتحمل جزء منه حيث بلغت مساهمة المانحين الدوليين في العام 2020 نحو 35 ٪ فيما تحمل الاردن 65 ٪ من الكلفة الاجمالية المقدرة باكثر من 2.1 مليار دولار ضمن خطة الاستجابة للازمة السورية للثلاث سنوات 2020 الى 2022 البالغة 6.6 مليار دولار.
وقال : تاريخيا، يمكن القول ان الاردن الذي استقبل اعدادا كبيرة من اللاجئين استطاع هضم تلك الاعداد، وتحويلها لتكون جزءا من نسيجه الوطني والاجتماعي والاقتصادي، ما شكل في بعض الاحيان قصة نجاح مهمة، فاللجوء الفلسطيني على ما شكله من اعباء الا انه تحول لاحقا ومع اندماج اللاجئ في الاردن الى حالة من النهوض الاقتصادي، كما ان عودة المغتربين الاردنيين من الكويت دفعت بمعدلات النمو الاقتصادي الى تسجيل مستويات عالية زادت عن 10 ٪ مع ان تلك العودة حدثت على حين غرة في ظل اوضاع اقتصادية صعبة، اذ كان الاردن حينها يعاني من ازمة مالية ونقدية حادة دفعت به نحو اول برنامج للتصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد انخفاض سعر صرف الدينار بنحو 50 ٪ من قيمتة.
وبين هذا الامر الذي تكرر مع اللجوء السوري، اذ كان الاردن قد دخل في برناج تصحيح اقتصادي جديد مع صندوق النقد في 2012 ثم في 2016 ومازال البرنامج مستمرا حتى الان، من اجل اصلاح اقتصاده الذي تعرض لانتكاسة كبيرة بداية الربيع العربي والازمة السورية وذلك بتراجع تجارته وارتفاع مديونيته وزيادة عجز الموازنة لديه نتيجة للتحولات الديمغرافية والضغوطات الاقتصادية الناجمة في احد اسبابها عن الازمة السورية ولجوء السوريين للاردن، حيث تعرضت التجارة الاردنية العابرة للحدود السورية التي كانت تعتمد على البنية التحتية السورية في نقل البضائع إلى أسواق أبعد مثل لبنان وتركيا، لأضرار كبيرة جرّاء الحرب، فحجم التجارة وصل قبل الازمة السورية الى قرابة 30 ٪ من واردات الأردن و11 ٪ من صادراته، ولهذا تلقى الاقتصاد الأردني ضربة كبيرة بتراجع هذه التجارة وتوقفها في وقت لاحق.
كما تعطلت شبكة الطرق السورية السريعة التي كانت تربط الأردن بالموانئ السورية مثل طرطوس واللاذقية، وحلب وحتى لبنان، وكان على المصدّرين الأردنيين ايجاد طرق تجارية بديلة مكلفة، ما يعني ان الاقتصاد الأردني تلقى صدمات كبيرة جرّاء الاضطرابات الإقليمية التي بدأت عام 2011، وكانت الحرب السورية في مقدمتها، ففي الفترة بين 2000 و2009، بلغ معدل نمو الناتج الاجمالي الإجمالي للأردن 6.5 ٪. ثم في الفترة بين 2010 و2016، تقلص هذا المعدّل ليصل إلى 2.5 ٪ سنويا، وفي 2017 بلغ 2 ٪ فقط، ليتراجع الى سالب 2.2 ٪ في الربع الثالث 2020، يضاف لذلك ان السوريين ورغبة منهم بتامين لقمة العيش نافسوا الاردنيين على اعمالهم ومهنهم ما ادى لكبح نمو الرواتب في القطاع غير الرسمي، وزاد من حدة الفقر بين الفئات والطبقات الأردنية الأكثر هشاشة وضعفا، ودفع لارتفاع معدل البطالة الذي ارتفعت مثلا من 12.9 ٪ عام 2011 الى 15.3 ٪ عام 2016 والى 24 ٪ في 2020.
واضاف : بشكل عام ارتفعت مديونية الاردن لتصل الى ما يزيد على 110 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي، وارتفع عجز الموازنة حكومة ومؤسسات الى ما يقارب 2.6 مليار دينار بعد المنح كما في موازنة 2021 لاسباب مختلفة منها تحمل القسم الاكبر من اعباء اللجوء السوري وغيره، وهي اعباء ادت للتاثير سلبا على البنية التحتية بسبب زيادة الانفاق على المتطلبات المعيشية والتعليمية والصحية والمجتمعات المحلية المستضيفة للاجئين واللاجئين انفسهم، مما اوقف كثيرا من المشاريع او قلل من مخصصات ادامتها وصيانتها، وهو ما يجد له تعبيرا في شوارع المدن الاردنية التي تحتاج جميعها لاعادة تاهيل وغيرها من مظاهر ترهل البنية التحتية.
ولفت الى ان على الحكومة ان تعد من الخطط والبرامج والسياسات ما يسمح بتحويل اللاجئين الى منتجين عوض النظر اليهم كمستهلكين فقط، عبر الاستفادة من وجودهم للقيام باعمال وانشطة تسمح باستثمار مهارتهم والاستفادة من تخصاصتهم وخبراتهم، مثلا باقامة تجمعات جديدة لهم في مناطق مختلفة من المملكة، واضفاء نوع من الاستقرار على وجودهم، لان امكانية العودة تبدو بعيدة في الوقت الحاضر لاكبر كتل اللاجئين نعني السوريين والفلسطينين، وعليها ان تكون اكثر جرأة فيما يتعلق بالمجتمع الدولي الذي يجب عليه الوفاء بالتزاماته خصوصا وان الاردن قد اوفى بتعهداته، كما ان على الحكومة التنسيق مع المجموعة العربية والاسلامية لادامة دور وكالة الاونروا، وتقديم الدعم المادي لها ولو بالحد الادنى كبديل عن قطع الدعم الاميركي عنها.
وبين ان جائحة كورونا كرست واقعا جديدا اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا، يستدعي ان يدعو الاردن كافة الاطراف ذات الصلة باللاجئين لعقد قمة او اجتماع لبحث كيفية تقديم العون للاردن لاستدامة حمايته لهؤلاء اللاجئين من الجائحة ومتطلبات الوقاية منها، وتقديم اللقاحات لتطعيمهم بها، والاهم اعداد برامج حماية اقتصادية لهم تتضمن مشاريع جديدة او اعادة تفعيل مشاريع قديمة تاثرت كثيرا بكورونا وتحولت اما الى مغلقة او متضررة او حتى لا مستقبل لها.