الدين العام.. خدمته وإدارته
الغد-د.حيدر المجالي
يشهد الدين العام العالمي تصاعدا غير مسبوق، إذ بلغ حجمه الإجمالي نحو 340 تريليون دولار، مدفوعا بارتفاع تكاليف الاقتراض، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتراجع قيمة الدولار، وتداعيات جائحة كورونا، إلى جانب الضغوط التضخمية. وقد أفرزت هذه التطورات تحديات واسعة على صعيد الاستقرار المالي الدولي، وفق تقارير البنك الدولي.
في حين بلغ حجم الاقتصاد العالمي من 115-120 ترليون دولار أي أن نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى 324 % بما يعادل ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي وهو مستوى ينذر بتزايد المخاطر المالية ويترك آثارا سلبية على الاقتصادات المتقدمة والناشئة. ويستدعي ذلك متابعة دقيقة لمؤشرات الدين، وإعادة ضبط السياسات المالية بشكل مرن لتفادي تفاقم الاختلالات حيث ان نمو الدين أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي.
مع ارتفاع معدلات الدين العام ارتفعت تكاليف خدمة الدين أيضا وتعرف خدمة الدين العام بانها التزام الدول بسداد اصل الديون وفوائدها ضمن آجالها المحددة. وهي تشكل جزءًا متناميًا من الموازنات العامة، الأمر الذي يقيّد قدرة الدول على توجيه الإنفاق نحو أولويات التنمية. وتشير بيانات مؤسسة التمويل الدولية إلى أن خدمة الدين العالمي سجلت مستويات قياسية، وبلغت نحو 11 تريليون دولار خلال عام 2024.
يعد تصاعد خدمة الدين العام عبئا يثقل كاهل الدول والحكومات ويشكل تحديًا كبيرًا يتطلب إستراتيجيات شاملة وإصلاحات مالية لضمان الاستدامة المالية وتحقيق التنمية المستدامة ويتطلب إدارة مالية قوية ورؤية إستراتيجية لتقليل العجز وزيادة الإيرادات الحكومية ناهيك عن ضرورة إدخال إصلاحات هيكلية تشمل تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي وزيادة تحصيل الإيرادات الضريبية وتحفيز النشاط الاقتصادي وغيرها.
ويعتبر هذا العبء وتكاليفه من القضايا الملحة في مواجهة الحكومات وله تأثيرات مباشرة على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام حيث يحدّ من إمكانات الاستثمار في قطاعات حيوية كالتعليم، والصحة، والبنية التحتية. كما أن ارتفاع كلفة الدين يؤثر على الجدارة الائتمانية للدول ويزيد نسبة العجز المالي فيها مما يستدعي اقتراضا إضافيا مكلفا وباهظا. وعلى المستوى الاقتصادي الكلي، يشكل هذا العبء عائقًا أمام تحقيق معدلات النمو المستهدفة، كما يضغط على البرامج الاجتماعية، ويؤدي إلى تقليص شبكات الحماية للفئات الأقل دخلا، بما ينعكس على الاستقرار الاجتماعي.
بالمقابل فلتقليل أعباء خدمة الدين يجب اتخاذ قرارات استراتيجية للتعامل مع تحديات الدين العام لتكون مستدامة وناجحة مثل زيادة الإيرادات العامة وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية وخفض النفقات العامه وإعادة تقييم الموازنة وإدخال مجموعة من الإصلاحات المالية الشاملة لرفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتحسين أداء الشركات الحكومية وإعادة هيكلة برامج الدعم الحكومي لتحقيق أهدافها بشكل فعال وتحسين كيفية استخدام الموارد المالية في الميزانية وتحفيز النمو الاقتصادي والاستثمار في مشاريع ذات عوائد مستدامة.
كما تكتسب المفاوضات مع الدائنين أهمية خاصة، من خلال تحسين شروط السداد، أو تمديد الآجال، أو خفض الفوائد، أو إعادة هيكلة الالتزامات، بما يخفف الضغط عن الموازنات العامة. ويسهم تحفيز النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز دور القطاع الخاص، في توسيع القاعدة الإنتاجية وتقليل الاعتماد على الاقتراض. وزيادة الإيرادات الحكومية.
وفي الحالة الأردنية، يمثل ملف خدمة الدين العام تحديًا ذا أبعاد اقتصادية مباشرة، لما له من تأثير واضح على الموازنة العامة والنشاط الاقتصادي.
وتتطلب معالجته تبني أدوات مبتكرة، والاستفادة من حلول التكنولوجيا المالية، وتحقيق شراكة فاعلة مع القطاع الخاص في إدارة الموارد وتحسين الكفاءة. وتنسجم هذه التوجهات مع توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، التي تؤكد ضرورة التعامل مع ملف الدين العام بكفاءة عالية، نظرا لارتباطه الوثيق بالاستقرار المالي والتنمية وتأثيره على الموازنة العامة للدولة.
وقد أظهر تقرير ديوان المحاسبة الأخير أن الناتج المحلي الإجمالي في الاردن بلغ 37.880 مليار دينار (53 مليار دولار) في حين شكل رصيد الدين العام الخارجي باستثناء ديون صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي ما نسبته 90.23 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، و117 % دون الاستثناء.
وفيما يتعلق بخدمة الدين، فقد أوضح التقرير أن إجمالي خدمة الدين العام من فوائد الدين الداخلي والخارجي بلغ 2.149 مليار دينار (حوالي 3 مليارات دولار) خلال عام 2024، مسجلًا ارتفاعًا مقداره 395.90 مليون دينار (550 مليون دولار) بنسبة 22.6 % مقارنة بعام 2023. مشيرا إلى أن فوائد الدين العام شكّلت نسبة 18.6 % من إجمالي النفقات العامة في عام 2024. في حين شكّلت خدمة الدين العام، بما فيها الفوائد وأقساط القروض الخارجية ( مع تحفظنا على طريقة الاحتساب)، ما نسبته 32.14 % من إجمالي النفقات العامة لعام 2024، ما يعكس تنامي العبء المالي وتأثيره المحتمل على آفاق النمو الاقتصادي في الأردن.