بريطانيا: المصانع ضحية «الفائدة»... والبقالة بالائتمان
لندن: «الشرق الأوسط»
أظهر مسح يوم الجمعة أن المصانع البريطانية عانت في أغسطس (آب) الماضي من أضعف شهر لها منذ أوائل أزمة «كوفيد-19»، مع تقلص الطلبيات بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في الداخل والخارج.
وانخفض مؤشر مديري المشتريات التصنيعي من «ستاندرد آند بورز غلوبال» في المملكة المتحدة للشهر السادس على التوالي؛ إذ انخفض إلى 43.0 من 45.3 نقطة في يوليو (تموز). وكانت هذه أدنى قراءة في 39 شهراً، على الرغم من أنها كانت أعلى قليلاً من تقديرات 42.5 نقطة في بيانات أغسطس الأولية.
كان هذا هو الشهر الثالث عشر على التوالي الذي يكون فيه مؤشر مديري المشتريات أقل من علامة 50 نقطة الفاصلة بين النمو والانكماش.
وقال روب دوبسون، من «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركيت إنتيليجنس»، إن «الإنتاج والطلبات الجديدة في قطاع المصانع تقلصا بمعدلات نادراً ما نشهدها خارج فترات الأزمات، واضطرت الشركات إلى اتخاذ إجراءات دفاعية... تم تقليص نشاط الشراء والمخزونات ومستويات التوظيف في أغسطس؛ إذ سعى المصنعون جاهدين للسيطرة على التكاليف وحماية الهوامش والعمل بطريقة أصغر حجماً وأكثر كفاءة».
ومع ذلك، فإن تباطؤ الطلب المحلي وطلبات التصدير أدى إلى تخفيف الضغوط التضخمية. وانخفضت تكاليف المدخلات بأسرع وتيرة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، مما قد يخفف من تضخم أسعار السلع في الأشهر المقبلة.
وقال دوبسون: «لذلك تشير بيانات المسح إلى أن صناع السياسات سيركزون بشكل متزايد على المخاوف بشأن صحة الاقتصاد، في حين يفكرون في الحاجة إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة».
ومع استمرار التضخم بالقرب من 7 بالمائة في يوليو، يبدو أن بنك إنجلترا مستعد لرفع أسعار الفائدة للمرة الخامسة عشرة على التوالي خلال اجتماعه المقبل في 21 سبتمبر (أيلول) الحالي، حتى مع ظهور علامات على التباطؤ الاقتصادي الذي يقول بعض الاقتصاديين إنه سيتحول إلى ركود قريباً.
ومن المقرر صدور القراءة النهائية لقطاع الخدمات الأكبر في بريطانيا الأسبوع المقبل. تراجعت القراءة الأولية لمؤشر مديري المشتريات للخدمات، إلى مستوى شهر يناير، الذي كان أدنى مستوى خلال عامين.
وفي دليل على الأزمة التي تنعكس على المستهلك البريطاني بشكل بالغ، ذكرت «خدمة المال والمعاشات التقاعدية» في بريطانيا أن نحو مليوني شخص في البلاد، يستخدمون ائتمان الشراء الآن والدفع لاحقاً (بي إن بي إل)، لتغطية تكاليف مواد البقالة والفواتير، وغير ذلك من الاحتياجات الضرورية.
وفي حين أن الإلكترونيات والملابس هي أكثر المشتريات شيوعاً مع ديون قصيرة الأجل، فإن واحداً من بين كل خمسة أفراد صار يستخدم خدمة «بي إن بي إل» لشراء الأساسيات، طبقاً لاستطلاع رأي أجرته الهيئة الاستهلاكية حسب تقرير لـ«بلومبرغ» يوم الجمعة.
وذكر نصف المشاركين في الاستطلاع أن ضغوط تكاليف المعيشة غيرت كيفية استخدامهم «بي إن بي إل». وأظهر الاستطلاع، الذي شمل نحو ألفي شخص، أن واحداً تقريباً من بين كل ثلاثة مستخدمين، كان لديه فاتورتان مستحقتان على الأقل، في حين كان نحو 30 بالمائة مدينين بأكثر من 100 جنيه إسترليني. كما أظهرت تقديرات الهيئة أنه بشكل إجمالي يستخدم أكثر من عشرة ملايين شخص نظام ائتمان الشراء الآن والدفع لاحقاً.
ومن جهة أخرى، تراجعت أسعار العقارات في بريطانيا بصورة حادة خلال شهر أغسطس الماضي في ظل تأثير ضغوط تكاليف الاقتراض على حجم الطلب.
وذكرت جمعية البناء الوطنية في بريطانيا أن متوسط سعر العقار انخفض بنسبة سنوية بلغت 5.3 بالمائة خلال أغسطس، بأسرع وتيرة له منذ يوليو 2009 مع احتدام الأزمة المالية العالمية. كما تراجعت الأسعار في أغسطس بنسبة شهرية بلغت 0.8 بالمائة، وهو ضعف المعدل الذي كان يتوقعه الخبراء، وذلك بعد تراجع نسبته 0.3 بالمائة في يوليو الماضي.
وتعكس هذه النتائج كيف أن قيام بنك إنجلترا (المركزي) برفع أسعار الفائدة 14 مرة متتالية للسيطرة على التضخم قد ألقى بظلاله على القدرة الشرائية للمستهلكين.
ونقلت «بلومبرغ» عن روبرت غارنر، كبير خبراء الاقتصاد لدى جمعية البناء، قوله: «لم يكن تراجع أسعار العقارات من قبيل المفاجأة، بالنظر إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في الشهور الأخيرة، وهو ما أدى إلى تراجع نشاط سوق العقارات إلى معدلات ما قبل جائحة (كورونا)».