أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    09-Nov-2021

كيف تتسلل الخصخصة؟*د. زيد حمزة

 الراي 

المؤسسات المستقلة التي كتبت عنها كثيراً وقلت انها مخالفة لروح الدستور حتى لو أصبحت في فصول الموازنة العامة تسمى تمويهاً «الوحدات الحكومية»، وقلت إنها تؤدي مع الوقت الى تشظّي الجهاز الحكومي وتمييع المسؤولية فيه وبالتالي عدم قدرة القطاع العام على خدمة المواطنين تمهيداً وتبريراً لتسلل الخصخصة، فها هي احداها وهي المؤسسة العامة للغذاء والدواء تقوم مرتين خلال فترة زمنية قصيرة بما يشي بذلك، المرة الاولى حيال الدراسة التي كشفت فيها خبيرة أردنية في اختصاص الادوية والأغذية عن فساد في بعض الاغذية الواسعة الاستهلاك، فبدلاً من احترام مبدأ النقد واجراء تحقيق جدي رصين ورفع النتائج الى وزير الصحة كمسؤول عن جميع الشؤون الصحية في المملكة حسب قانون الصحة العامة كي يتخذ القرار المناسب حفاظاً على صحة المواطنين، تحركت المؤسسة بتوتر الدفاع عن النفس وشاركت في تحامل إعلامي موجه وحكمت على دراسة الخبيرة بأنها خاطئة مغرضة تستهدف سمعة الوطن وبالتالي استثمارات القطاع الخاص في الادوية مثلاً، وليس غريباً ان نقابة الصيادلة أيدتها في ذلك! والمرة الثانية اثناء مشاركة المؤسسة في مؤتمر خاص بالتأمين الصحي الشامل عقدته جمعية خاصة في البحر الميت لكنه بدا شبه رسمي وحظي برعاية رئيس وزراء سابق، اذ دعا مديرها في ورقته الى خصخصة إدارة المشروع اي تسليمها لشركات التأمين الصحي فهي في نظره اقدر من الحكومة (وهو الموظف الكبير فيها)، ولا ادري من اي بلد في العالم اقتبس نموذجه، اللهم الا بوحيٍ من مشاريع التأمين الصحي التجارية وشبه التجارية التي ثبت فشلها في اميركا وتحاول الإدارات المتعاقبة منذ كينيدي مروراً بأوباما وحتى بايدن ان تستبدل بها ما يقترب من مشاريع العدالة الاجتماعية في دول أوروبية او أستراليا او الجارة كندا! والغريب ان مؤسسته ليس لها علاقة مباشرة بالتأمين الصحي، واقتراحه يتناقض تماما مع مبادئ الرعاية الصحية التي تتبناها وزارة الصحة، ووزير الصحة هو رئيس مجلس ادارتها اي انه رئيسه، ولا اعرف عنه انه يدعو للخصخصة فيشذ عمن سبقوه من الوزراء الذين كانوا ينفون اي اتهام لهم بمثل هذا التوجه! وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن المؤسسات المستقلة ومن بينها «الغذاء والدواء» ما زالت جزءاً من جهازنا الحكومي الوطني ويجب ان تتبع كلٌّ منها لوزارة مسؤولة دستورياً امام البرلمان، وان تخضع لنظام الخدمة المدنية ولتدقيق ديوان المحاسبة سواء شاء مدراؤها ام أبَوْا.
 
وبعد.. للإنصاف فان الرأي العام الاردني لم ينسَ ان فكرة إنشاء هذه المؤسسة قد جاءت بعد الضجة الكبيرة التي اثارها حول الفساد في بعض غذائنا ودوائنا الدكتور عبدالرحيم ملحس وزير الصحة عام ١٩٩٣، لكن الانتهازيين والمصطادين في الماء العكر استغلوا الفرصة فيما بعد وطبقوا الفكرة النبيلة على طريقة المؤسسات المستقلة مالياً وادارياً «لغرض في نفس يعقوب» رغم معارضة الكثيرين وتنبيههم الى ان الـ FDA نفسها جزء لا يتجزأ من وزارة الصحة الاميركية!