أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    23-Jun-2025

أزمة الغاز الأردنية في زمن الحرب الإقليمية*د. أيوب أبودية

 الراي 

حرب اقليمية تدق ناقوس التحول الاستراتيجي للطاقة في الأردن وتذكرنا بأزمة الربيع العربي وتفجير أنابيب الغاز في مصر وانقطاعه عام ٢.١١. واليوم هزت الأحداث الإقليمية الأخيرة المتمثلة في القصف المتبادل، الإيراني والكيان الاسرائيلي، أركان الاستقرار الإقليمي، وكان للأردن نصيبه المباشر من تبعات هذه الزلازل الجيوسياسية، حيث أعلن عن تعليق إمدادات الغاز الطبيعي إلى الأردن، وهي الخطوة التي تمثل تحديا للاقتصاد الأردني وأمنه الطاقي.
 
 
هذا الانقطاع المفاجئ ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو جرس إنذار صارخ يدفع المملكة إلى إعادة تقييم عميقة لسياساتها الطاقية المعتمدة بشكل كبير على الاستيراد، رغم التحسن الذي طرأ بانخفاض نسبة الطاقة المستوردة من ٩٧% في عام ٢.١٤ الى نحو ٨٠ % حاليا، ويسلط الضوء على الحاجة الملحة لتسريع التحول نحو بدائل طاقية أكثر استدامة.
 
 
كان غاز المتوسط يشكل شرياناً حيوياً، حيث كان يغطي ما يصل إلى ٧٠% من احتياجات الأردن من الغاز لتوليد الكهرباء. هذا الانقطاع المفاجئ يضع الحكومة والقطاع الطاقي أمام تحديات فورية. اذ سيضطر الأردن لتعويض النقص باللجوء إلى خيارات أكثر كلفة وتلويثا للبيئة مثل الوقود الثقيل والديزل والغاز المسال المستورد، رغم الدعم المصري الطيب، مما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع في كلفة إنتاج الكهرباء. وستتحمل الحكومة عبئاً إضافياً لدعم أسعار الكهرباء، مما يزيد الضغط على الموازنة العامة المثقلة أصلا.
 
 
كذلك فان ارتفاع كلفة الطاقة ينعكس سلباً على كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، مما يهدد تنافسية الاقتصاد الأردني ويزيد من التضخم. ولكن الاهم هو ضرورة إعادة النظر في الأمن الطاقي، اذ كشف هذا الانقطاع عن هشاشة الاعتماد على مصادر خارجية تأتي عبر مناطق مضطربة جيوسياسياً، مما يعيد تعريف مفهوم الأمن القومي ليشمل أمن الإمدادات الطاقي، ومن ضمنها اتخاذ البدائل التالية:
 
 
البديل الأول: ثقافة الترشيد: دروس من فوكوشيما
 
 
في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، واجهت اليابان أزمة طاقة حادة دفعت الحكومة والشعب إلى تبني حملة ضخمة وناجحة لـ "ترشيد الاستهلاك" حيث استطاعت تخفيض ١٦% من استهلاكها في غضون أشهر. لذا، يمكن للأردن استلهام هذا النموذج عبر حملة وطنية شاملة منها إطلاق حملة إعلامية مكثفة ومستمرة (تلفزيون، راديو، وسائل تواصل اجتماعي، خطب دور العبادة، مدارس) لتوعية المواطنين بأهمية كل كيلوواط ساعة ومقدار التلوث الذي يحدثه، وشرح حساسية الأزمة الحالية.
 
 
ويشمل التركيز على إجراءات بسيطة وفعالة، مثل ضبط مكيفات الهواء عند ٢٤ درجة مئوية صيفا، و ١٩ درجة شتاء، استخدام لمبات LED، فصل الأجهزة الإلكترونية غير المستخدمة، الاستفادة القصوى من ضوء النهار، تقليل استخدام السخانات الكهربائية والتوجه نحو السخانات الشمسية واستغلال عدادات الكهرباء الجديدة للاستهلاك خارج فترة الذروة.
 
 
تقديم حوافز لاستبدال الأجهزة القديمة المستهلكة للطاقة بأخرى موفرة، خاصة أجهزة التكييف والغسالات والثلاجات والتدفئة. وينبغي أن تكون المؤسسات الحكومية والوزارات في طليعة تطبيق إجراءات الترشيد (إطفاء الأنوار غير الضرورية، تقليل استخدام المصاعد، إدارة المكيفات بكفاءة). فالهدف ليس مجرد تجاوز الأزمة الحالية، بل زرع ثقافة دائمة في التعامل مع الطاقة كمورد ثمين ونادر، وتخفف الضغط الدائم على الشبكة، وتقلص فاتورة الاستيراد على المدى الطويل. على أمل أن يصدر رئيس الوزراء تعميما بهذا الترشيد كي تلتزم الوزارات.
 
 
البديل الثاني: التنقيب المحلي عن مصادر الطاقة بإحياء الأمل تحت الأرض، كما حدث باكتشافات غاز الريشة، والتوسع في إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي (Shale oil)، فطالما البنية التحتية جاهزة في مشروع العطارات لما لا نضاعف الإنتاج ليصبح ٢٨% بدلا من ١٤% فسعر الكهرباء لا بد أن ينخفض بنسبة ٢٥ إلى ٣٠ %. اذ يمكن أن يشكل الصخر الزيتي مصدراً ثابتاً وحملا كهربائيا أساس (Baseload) يدعم التوسع في الطاقة المتجددة المتقطعة.
 
 
كذالك تسريع التراخيص وتبسيط الإجراءات وتقديم حوافز جاذبة للشركات العالمية المتخصصة في الغاز الصخري لبدء عمليات استكشاف وتقييم موسعة ودقيقة. وتشجيع ودعم تطوير وتوطين تقنيات استخراج أكثر كفاءة وأقل ضرراً بالبيئة (مثل تقنيات كسر هيدروليكي متطورة، وإدارة المياه المستخدمة) كما تفعل أميركا حاليا، حيث بلغت مساهمته ٧٨% عام ٢٠٢٣.
 
 
أيضا، إشراك المجتمعات المحلية في المناطق المستهدفة بشكل فعال، وضمان الشفافية في تقييمات الأثر البيئي، ووضع معايير صارمة لحماية الموارد المائية. ويمكننا اعتبار الغاز المحلي جسراً انتقالياً مهماً نحو مستقبل أكثر اخضراراً عند الوصول إلى ٨٠% طاقة متجددة، ويساهم في تنويع مصادر التوليد الاقتصادية والنظيفة، ويقلص فجوة الاستيراد بشكل كبير خلال العقد القادم.
 
 
البديل الثالث: تسريع وتيرة الطاقة المتجددة - شمس الأردن ورياحه كنز مستدام لا يفنى، اذ يمتلك الأردن ثروة هائلة من أشعة الشمس والرياح، لكن الاستفادة منها لا تزال دون المستوى الأمثل. هذه الأزمة هي فرصة ذهبية لدفع عجلة الطاقة المتجددة والطموح إلى مشاركة بنسبة ٦٠% عام ٢.٣٠ كحال مصر على الاقل.
 
 
وهذا يستدعي مراجعة إطار التشريعات والسياسات لمعالجة العقبات البيروقراطية والتمويلية التي تعترض مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة المشاريع الكبرى. والاستثمار في الشبكة والتخزين عبر تطوير شبكة النقل والتوزيع الكهربائية لتكون أكثر مرونة وقدرة على استيعاب الطبيعة المتقطعة للطاقات المتجددة، والاستثمار الجاد في تقنيات تخزين الطاقة (البطاريات والسدود) لاستقرار الشبكة.
 
 
خاتمة نقول ان الأزمة فرصة للتحول الاستراتيجي رغم أن
 
 
أزمة انقطاع غاز المتوسط هي صدمة مؤقتة يستطيع الأردن تجاوزها لا شك فلديه خطط طوارئ، لكنها في جوهرها إنذار لا يمكن تجاهله. إنها لحظة حاسمة لتجاوز حالة الاعتماد المريح على الاستيراد، الذي جعل الأمن الطاقي للمملكة رهينة لتقلبات السياسة الإقليمية. البدائل واضحة وممكنة، لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وحوكمة رشيدة من الوزارة، واستثمارات ذكية، ومشاركة وطنية شاملة.
 
 
الترشيد ليس شعاراً بل ضرورة قومية، والاستثمار في الغاز المحلي والصخر الزيتي هو استثمار في السيادة الطاقية، والتسريع في الطاقة المتجددة هو استثمار في المستقبل المستدام. فلا يمكن تحقيق الأمن الطاقي الحقيقي إلا من خلال خليط متوازن ومتنوع يعتمد بشكل أساسي على الموارد المحلية الوطنية التي لا تعتمد على استيراد الوقود التقليدي أو الوقود المخصب، وبالتالي يقلص الهشاشة أمام الصدمات الخارجية. يجب أن تتحول هذه الأزمة إلى محفز تاريخي يجعل الأردن نموذجاً إقليمياً في إدارة الطاقة بذكاء ومسؤولية واستقلالية واستشراف للمستقبل كما فعل في العقد الاخير عندما توجه بدوافع وطنية خالصة إلى الطاقة المتجددة والصخر الزيتي. فمستقبل الطاقة في الأردن يجب أن يُبنى داخل حدوده، وبقرار سيادي، مستفيداً من ثرواته الطبيعية وقدرات شعبه وحكمة قيادته.