الغد-عبد الرحمن الخوالدة
في الوقت الذي كشفت فيه دائرة الإحصاءات العامة عن بدء تنفيذ مشروع يقيس حجم الاقتصاد غير الرسمي يؤكد مختصون أن هذه الخطوة ستسد نقص المعلومات حول هذه الظاهرة التي توسعت كثيرا خلال السنوات الماضية.
وأوضح هؤلاء الخبراء في تصريحات خاصة لـ"الغد" أن قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي وتقديم الإحصاءات الدقيقة حوله يتيح أمام أصحاب القرار تشكيل صورة أكثر شمولية ودقة عن الحالة الاقتصادية على أرض الواقع مما يساهم في تصميم سياسات تنظيمية تستند إلى بيانات موثوقة.
ولكن الخبراء أكدوا أن هذه الخطوة ستؤدي دورها الإيجابي في حال أوصلت إلى تشجع العاملين على الانتقال إلى العمل الرسمي لا أن تهدف إلى فرض ضغوط أو ملاحقات أو أعباء مالية أو إدارية عليهم ما قد يؤدي إلى إقصاء فئات هشة تعتمد على هذا المصدر للدخل لهم ولأسرهم.
وأشار الخبراء إلى أن هناك فرصا اقتصادية مهدرة ناجمة عن توسع الاقتصاد غير الرسمي محليا في السنوات الماضية وغياب البيانات الرسمية المتعلقة بحجمه، لا سيما على مستوى الخزينة العامة.
وشدد الخبراء على أهمية قياس هذا الاقتصاد بشكل دوري وعلى فترات زمنية متقاربة، لضمان تحديث المعلومات ومواكبة التغيرات المستمرة التي يشهدها سوق العمل بما يسهم في رصد التحولات السريعة التي من الممكن أن تحصل نتيجة تأثيرات خارجية مثل تجربة جائحة كورونا أو أي عوامل اقتصادية محلية أو إقليمية أخرى، بما يتيح لصانعي السياسات فهم السياق الفعلي بشكل أكثر دقة واستحداث آليات تدخل مرنة تواكب تلك التغيرات.
ويقصد بالاقتصاد غير الرسمي، ممارسة مجموعة من القطاعات وكيانات الأعمال المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر غير النظامية أنشطة ذات قيمة اقتصادية في جميع القطاعات الاقتصادية المنتجة للعديد من السلع والخدمات التي يتم تداولها نقدا بعيدا عن نطاق سيطرة الجهات الرسمية بالدولة.
وكان كشف مدير عام دائرة الإحصاءات العامة حيدر الفريحات خلال جلسة حوارية لمناقشة دور الإحصاءات في تقديم الأرقام القياسية حول المؤشرات المالية والاقتصادية عن الاقتصاد الأردني، عن قيام الدائرة حاليا بتنفيذ "مشروع طموح" لقياس حجم الاقتصاد غير الرسمي، موضحا أن هذه الخطوة ستساعد في كشف حجم النشاطات الاقتصادية غير المقاسة، مما يتيح للحكومة إمكانية توسيع قاعدة الاقتصاد بشكل حقيقي.
وقال الفريحات خلال الجلسة التي استضافها المنتدى الاقتصادي الأردني أخيرا "البيانات الإحصائية الدقيقة تمثل حجر الأساس في رسم السياسات الاقتصادية والتنموية" مشيرًا إلى أن الأردن شهد تحولات ديمغرافية واقتصادية غير مسبوقة خلال العقدين الماضيين، مما يتطلب إستراتيجيات تخطيط تنموي قائمة على التحليل العميق للأرقام والاتجاهات".
وتتضارب البيانات المتعلقة بحجم الاقتصاد غير الرسمي في المملكة إذ تشير أحدث دراسة محلية حول ذلك أصدرها منتدى الإستراتيجيات الأردني في عام 2021 إلى أن حجم هذا الاقتصاد محليا تراوحت نسبته على مدى السنوات الماضية حول ما يعادل 15 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أظهر تقرير صادر عن البنك الدولي صدر عام 2022 حول العمالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن 59 % من إجمالي العمالة في الأردن هي عمالة غير منظمة، وأن 75 % من عمالة القطاع الخاص هي عمالة غير منظمة أيضا.
وقال أمين عام وزارة العمل الأسبق حمادة أبو نجمة "هذا التوجه من قبل دائرة الإحصاءات العامة لو تحقق سيمثل خطوة إستراتيجية مهمة في سوق العمل الأردني، خاصة مع الارتفاع الملحوظ في نسبة العاملين في القطاع غير الرسمي التي تتجاوز 50 % من إجمالي العمالة حسب بعض الدراسات"، وأضاف" من خلال قياس هذا القطاع ستتاح للدولة فرصة الحصول على صورة أكثر شمولية ودقة للحالة الاقتصادية على أرض الواقع مما يساهم في تصميم سياسات تنظيمية تستند إلى بيانات موثوقة وتستهدف تنظيم الاقتصاد غير الرسمي بطريقة تشجع العاملين على الانتقال إلى العمل الرسمي ولكن ليس بفرض ضغوط أو ملاحقات أو أعباء مالية أو إدارية عليهم ما قد تؤدي إلى إقصاء فئات هشة تعتمد على هذا المصدر للدخل لهم ولأسرهم".
وبين أبو نجمة، تتطلب عملية الدراسة مراعاة عدة عوامل أساسية منها تحديد مفهوم الاقتصاد غير الرسمي بوضوح ليشمل جميع أشكاله سواء كانت أعمالا غير مسجلة أو نشاطات صغيرة غير مرخصة أو أعمال مؤقتة، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الفروقات القطاعية والجغرافية فيما بينها، ومراعاة التحديات التي فرضتها الجائحة والعوامل الاقتصادية الأخرى خلال السنوات الماضية.
وأوضح أبو نجمة أنه من المهم أن تتم عملية قياس هذا الاقتصاد بشكل دوري وعلى فترات زمنية متقاربة، لضمان تحديث المعلومات ومواكبة التغيرات المستمرة التي يشهدها سوق العمل، وبما يسهم في رصد التحولات السريعة الممكن أن تحصل نتيجة تأثيرات خارجية مثل تجربتنا مع الجائحة أو أي عوامل اقتصادية محلية أو إقليمية أخرى، بما يتيح لصانعي السياسات فهم السياق الفعلي بشكل أكثر دقة واستحداث آليات تدخل مرنة تواكب تلك التغيرات.
فالمراقبة الدورية للاقتصاد غير المنظم ورصده وقياسه يساعد في تقييم أثر السياسات والإجراءات المتبعة على تنظيم الاقتصاد غير الرسمي لتوفير بيئة أكثر ملاءمة للعاملين وتخفيف الآثار السلبية المحتملة على فئاتهم الضعيفة، ورسم إستراتيجيات طويلة الأمد ترتكز على بيانات محدثة تضمن استمرارية الدعم وتحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية في سوق العمل، بحسب أبو نجمة.
ولفت أبو نجمة إلى أن الشراكة في دراسة حجم الاقتصاد غير الرسمي مهمة جدا بين الجهات الحكومية مثل وزارة العمل والإحصاءات والأطراف ذات الصلة من المؤسسات المعنية ومنظمات العمال وأصحاب العمل والمنظمات الدولية مثل منظمة العمل الدولية، وتمثل ضرورة لضمان توافق السياسات وتنفيذها على أرض الواقع وفق رؤية موحدة تعكس خصوصية العاملين في هذا القطاع.
وأكد أبو نجمة أن تنظيم الاقتصاد غير الرسمي وتحويل جزء كبير من النشاطات الاقتصادية إلى إطار رسمي لن يساهم فقط في تحسين دقة مؤشرات الاقتصاد الوطني وتحديث البيانات الاقتصادية بل سيعزز أيضا من قاعدة الإيرادات الضريبية ويساهم في تقديم الحمايات القانونية والاجتماعية للعاملين، وسيساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تقديم الدعم والحوافز اللازمة للفئات الضعيفة مما يسهم في تقليل الفوارق وتحسين مستوى الخدمات الاجتماعية.
كما أن انتقال العاملين من القطاع غير الرسمي إلى الرسمي سيمكن الدولة من رسم سياسات اقتصادية أكثر واقعية وفعالية وتراعي خصوصيات سوق العمل وتواجه التحديات الناتجة عن تأثيرات الجائحة والعوامل الاقتصادية الأخرى، مما يدعم تحقيق تنمية شاملة ومستدامة في الأردن، وكذلك العمل على برامج نقل العاملين من العمل غير المنظم إلى العمل المنظم لتوفير الحمايات القانونية والاجتماعية لهم، وهنا نذكر بالإطار الوطني الذي كان قد تم وضعه لهذه الغاية عام 2015 من قبل وزارة العمل وأطراف العمل وبدعم من منظمة العمل الدولية ولكن لم يتم تنفيذه، وفق أبو نجمة.
من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي أحمد عوض أن توجه دائرة الإحصاءات العامة لقياس حجم الاقتصاد غير الرسمي خطوة إصلاحية مهمة وضرورية ومنتظرة منذ سنوات، في ظل نقص الدراسات الرسمية حول هذا القطاع الذي توسع بصورة ملفتة خلال السنوات الماضية.
وأوضح عوض أن قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي وتقديم الإحصاءات الدقيقة حوله، له أهمية بالغة في توضيح ديناميات هذا القطاع، إضافة إلى مساعدة الحكومة على وضع التصورات اللازمة والمطلوبة لمعالجة ملف الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، إضافة إلى مساعدة صنّاع القرارات على تجويد السياسات واتخاذ القرارات الاقتصادية.
ويرى عوض أنه من الضروري أن يتم بشكل متزامن إجراء قياس أيضا لحجم العمالة غير الرسمية، خاصة وأن أغلب المنخرطين في الاقتصاد غير الرسمي من العمالة غير المنظمة.
ولفت عوض إلى أن معالجة ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي تساهم في تحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني من خلال دمجه بالعملية الاقتصادية وإخضاعه لنظام الضريبي ما يدر المزيد من الدخل إلى الميزانية العامة للدولة.
وأكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي خطوة إستراتيجية مهمة في كشف الحجم الحقيقي للاقتصاد الوطني وقدراته الكامنة، بما يفتح الطريق أمام خطط وبرامج وسياسات اقتصادية جديدة تختلف عما هو سائد حاليا، لافتا إلى أن هذه الخطوة كانت منتظرة منذ مدة طويلة.
وبين عايش أن إبراز مؤشرات الاقتصاد غير الرسمي وكشف حقيقتها سيمكن الحكومة مستقبلا من توسيع قاعدة الاقتصاد الكلي المحلي، ما يضمن استدامة حركة عجلة الاقتصاد الوطني على المدى الطويل.
ولفت عايش أن قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي يحتاج بداية إلى إجراءات أولية لإدماجه في الاقتصاد الرسمي بما يسمح بالتعرف بعمق على أنشطة الاقتصاد غير الرسمي والقطاعات المرتبطة به، وهذه الإجراءات على أقلها في المرحلة الأولى تسهيل عملية تسجيل العاملين بها في منظومة الضمان الاجتماعي.
وأشار عايش إلى أن هناك فرصا اقتصادية مهدرة ناجمة عن توسع الاقتصاد غير الرسمي محليا في السنوات الماضية، لا سيما على مستوى الخزينة العامة، حيث أن تنظيم هذا القطاع من شأنه أن يزيد حجم الإيرادات الضريبية، إذ إنه حاليا لا يخضع لنظام الضريبي وفي ذلك مخالفة للقانون وضرر بالغ على الاقتصاد الوطني.
ونوّه عايش إلى أن هناك تضاربا كبيرا حول حقيقة حجم قطاع الاقتصاد غير الرسمي في الأردن تصل تقديرات البعض منها إلى 50 %، إلا أن التقديرات الواقعية لحجم هذا الاقتصاد والعاملين به تصل إلى حوالي 25 %، وتشكل عوائده نحو 9 مليارات دينار، وكلها عوائد مفقودة وضائعة على الاقتصاد الوطني منذ سنوات.