"صندوق المعونة".. مؤشرات بهدف العدالة ومتطلبات تنهك المستفيدين
أسر تروي معاناتها لوقف "الصندوق".. واستعادتها تحتاج لمتطلبات تنهك الأسر
الغد-حياة الدبيس
في أحدى المناطق الحدودية لمدينة الرمثا، يعيش علاء (50 عاما) معركة يومية لتوفير لقمة العيش لعائلته الكبيرة؛ حياته تعترضها تحديات كبيرة، وأبرزها أنه أصبح محروماً من نيل مساعدة من صندوق المعونة الوطنية، بسبب زيارة خاصة له إلى خارج الأردن.
وبرغم جهود الصندوق الكبيرة لتحسين خدماته للمنتفعين، لكن هناك معايير تحدد سير الاستفادة من تلك الخدمات واستمرارها، التي قد تكون سببًا رئيسا بوضع المستفيدين في حالة صعبة.
“توقيف المساعدة النقدية كان أصعب فترة مرت عليّ”، يقول علي بنبرة يغلب عليها التحدي، لم يكن يعلم متى ستُعاد المساعدة، وكان يواجه صعوبة كبيرة بتأمين مصاريف المدارس والطعام والإيجار لأطفاله، فهو يعتمد على راتب تقاعد، النسبة الأكبر منه، تذهب اقتطاعات للبنوك، بالإضافة للمساعدة النقدية التي لا تتجاوز 100 دينار من الصندوق.
يتحدث علاء عن الفترة التي حاول استعادة حقه في المساعدة من “المعونة الوطنية”، فلم يقف مكتوف اليدين، إذ سارع لمراجعة دائرة الإقامة والحدود، وحصل على وثيقة رسمية، تؤكد أن مغادرته كانت لزيارة خاصة. بعدها تقدم بطلب تظلم لـ”المعونة الوطنية”، وأرفق به الإثباتات والوثائق التي تشرح وضعه الحقيقي. لم يكن الأمر سريعاً، فقد تطلب أشهرا من الانتظار، تبعها زيارة ميدانية من لجنة المعونة، وبعد التأكد من ظروفه، أُعيد إدراج طلبه على الترتيب التنافسي، ليُعاد صرف المساعدة بعد ستة أشهر من الانقطاع.
لم ينس علاء الأشهر الستة العصيبة التي مر بها من دون أي دخل فعلي يغطي جزءا من احتياجاته، ما دفعه للعمل طوال اليوم لساعات أضافية في الزراعة، لكن “القرايب ما بيقطعوا بعض، وفي ناس عندها خير، والواحد مش مقطوع من شجرة. إخواني وأهلي وقفوا معي وما قصروا”، وهذا ما ساعده.
معايير صارمة تحدد المستفيدين
الحصول على فرصة للاستفادة من خدمات الصندوق ليس بسيطا، فهناك 57 مؤشراً تحدد المستوى المعيشي للأسرة، لهذه الاستفادة، إلى جانب ترتيب الأسر كل حسب شدة فقرها ومدى حاجتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، طبيعة ومصادر الدخل واستمراريته، والخصائص الاجتماعية والاقتصادية لجميع أفراد الأسرة، من حيث العمر والصحة والعمل والتعليم، بالإضافة للوضع الصحي العام وملكية الأصول.
إتاحة حق التظلم
وفي مقابلة مع المدير العام للصندوق ختام شنيكات، أكدت أن 80 % من مدخلات آلية الاستهداف، تُجلب آلياً عبر السجل الوطني الموحّد، بينما تُستكمل النسبة المتبقية من البيانات عبر زيارة من تقدموا للاستفادة والتحقق من أوضاعهم ميدانيا.
أما بشأن الإيقاف جراء سفر رب أسرة منتفعة، فأوضحت شنيكات لـ”الغد”، بأن الصندوق يجري مسحاً شهرياً إلكترونيا للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ووفقا لقرار حديث لمجلس إدارة الصندوق (قبل شهرين)، لا تُوقف المساعدة إذا لم تتجاوز مدة السفر 30 يوماً، أمّا إذا تجاوزتها، فتُوقف تلقائياً، مع إتاحة حق التظلّم عبر القنوات المختلفة، أكان تظلما عبر منصة الصندوق الإلكترونية أو عن طريق مركز الدعم والمساعدة، أو مراجعة المكاتب الميدانية وتقديم المبررات، وتوثيقها. وعند تحديث البيانات أو ثبوت العذر، تُستأنف المساعدة، وتُدرج الاستحقاقات على دورة الصرف الشهرية التالية.
وبرغم تكرر حالات إيقاف المساعدات النقدية بسبب السفر، إلا أن المعضلة تبقى خلال الفترة التي يحاول المنتفع بها، إعادة فرصته بالحصول على هذه المساعدة، وللاطلاع على ذلك، زارت “الغد” عددا من الحالات.
تصعيب الأمور على المستفيدين
أحمد الأمير، أحد المنتفعين، يرى بأن الإجراءات والمعايير الصارمة للصندوق “ما هي إلا محاولة لتصعيب الأمور على المستفيدين ممن يسافرون للعلاج أو لمسالة اجتماعية، فالجوازات تختم في المطارات وهذا بعينه يؤكد السفر وسببه، لذلك ليس مبرراً فكرة إيقاف المعونة”.
يقول أحمد: “قررت السفر مع والدتي لأداء مناسك العمرة، وهو سفر كان لا بد منه لأسباب دينية، ولكن فوجئت بقرار وقف راتب المعونة بسببه. شو نعمل يعني؟ ما نسافر ولا نروح؟”.
كانت الفترة التي تلت هذا القرار صعبة للغاية على أحمد وأسرته، “فـفي الفترة التي كنت فيها بدون راتب، كانت الأمور سيئة جدًا. كنت أراجع الصندوق باستمرار للاستعجال بالراتب، لكن الإجراءات كانت طويلة ومعقدة”.
وأثناء تلك الفترة، كان أحمد، يعتمد على مساعدات أهل الخير، وأحيانا كان يبحث عن عمل يومي، ليتمكن من تدبير مصروف يومه، “فـالمساعدة كانت بالموت (دلالة على صعوبتها) ولا تكفي، فما بالك لما تنقطع”؟
وحتى بعد القرار الذي يسمح بالسفر لغايات محددة لمدة شهر، لكن المشكلة ما تزال تكمن في فترة انقطاع المستفيد، بالرغم من أنهم من الأكثر حاجة وتضررا، لذلك على الصندوق أن يضع خطة لحمايتهم أثناء فترة إثبات حقوقهم عند الانقطاع جراء السفر، تستمر فيها المساعدة.
ولحسن الحظ، تمكن أحمد من استعادة مساعدة المعونة بعد 5 أشهر من الانتظار، يذكرها كأيام قاسية، شعر فيها بالعجز والقلق على مستقبل أسرته، فقد “كان كل يوم بمثابة تحد. ما كنت عارف كيف أواجه اليوم اللي بعده”، متسائلا هو وغيره من المستفيدين: لماذا لا يجري تعويضهم بعد عودة المساعدة النقدية لتعويض الضرر الذي لحقهم في تلك الفترة؟
الشنيكات، حين تلقت تساؤلات المستفيدين، أجابت بأن المدفوعات “مساعدة” وليست “راتبا”، وبالتالي لا ينشأ حق قانوني بالتعويض لهم بأثر رجعي.
معيار واحد يفقد الأسرة توازنها
الخبير الاجتماعي حسام عايش، يرى بأن قطع المساعدة لأي سبب كان، يتعارض مع الهدف الأسمى الذي جاء الصندوق لأجله، فالمعايير هدفها حماية النظام من الاستغلال، وليكن قادراً على تقديم الرعاية لمن يستحقها ويحتاجها، ولكن خلال الانقطاع، فإن الحماية الاجتماعية للمستفيدين قد تتعرض للضرر، يبدأ من القيمة المالية للمعونة التي قد تكون غير كافية، خصوصًا عندما نتحدث عن أفراد وأسر ليس لديهم قدرة على العمل، أو عن أسر كبيرة يتراوح عدد أفرادها بين 5 إلى 7 أفراد، ما يعني بأن نصيب الفرد في الشهر يتراوح بين 5 إلى 10 دنانير فقط، وهذا مبلغ بالكاد يغطي الاحتياجات البسيطة والأساسية والمتكررة، وبالتالي فهو لا يكفي بأي حال من الأحوال، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الأسرة.
وأشار إلى أن فكرة إيقاف الراتب، تضع الأفراد والأسر أمام طريق مسدود، وقد يؤدي ذلك للتشرد أو اللجوء لوسائل عنيفة أو غير قانونية للحصول على الدخل، ما يؤثر سلبًا على التعليم والصحة وسائر الخدمات الأساسية.
وهذا الوضع، يحمل خطورة كبيرة على الأسر والأفراد، إذ قد يدفعهم إلى الاقتصاد غير الرسمي، وينقلهم من حياة منتظمة إلى حياة تعتمد على الصدقة والمساعدة العشوائية بتلبية متطلبات الإنفاق اليومي، أو ارتكاب الجريمة، فـ”الإيقاف يعني إيجاد خلل في التوزان المالي للأسرة”، لذلك من الأجدر أن يكون الميزان أكثر عدلاً، فمؤشر واحد يحدد استمرارية المساعدة النقدية من أصل 57 مؤشرا، ما يتوجب إعادة النظر في هذه المسألة.
ويرى عايش، بأن مثل هذه المعايير، يجب أن تعطى وزنا أقل من غيرها، لأنها تمس حقوق الإنسان، والحقوق التي كفلها الدستور لكل مواطن، لذلك يجب ألا يتعارض وضعها كمؤشر مع الحق بالسفر أو بالتملك.
Image1_10202519225147157203718.jpg
لكن الشنيكات لا ترى بأنّ معايير الاستهداف تنتقص من الحقوق الدستورية في الملكية والسفر والتنقل، معتبرة بأنها ضرورية لضمان كفاءة الإنفاق وتوجيهه للأسر الأشد فقراً ضمن الموارد المتاحة، لذلك تُحدد سقوف للأصول كالأراضي، بما لا تتجاوز قيمتها الإدارية 74 ألف دينار، وألا يتجاوز عمر المركبة التي تمتلكها الأسرة 5 سنوات، بما يمنع تسرب الدعم لمن لا يستحق، لأنه يجري استهداف الأسر الأشد حاجة، من دون منعٍ لمبدأ التملك بحد ذاته.
تمكين اقتصادي.. مهارات وأدوات فقط
وفي سياق متصل، يعد التمكين الاقتصادي فرصة لتحسين حياة الفقراء والاعتماد على الذات، إذ يسعى الصندوق لتعزيز برامج التمكين الاقتصادي لضمان الإدماج الاقتصادي للأسر المنتفعة، فهو يرى بأن المساعدات الشهرية وحدها لا تكسر حلقة الفقر، وبأن السبيل الأفضل للحماية الاجتماعية هو العمل.
لذلك يرتبط الدعم ببرامج استثمار في رأس المال البشري، عبر شراكات متعددة مع الجهات الفاعلة كمؤسسات التدريب المهني والجامعات والقطاع الخاص، مع التركيز على تنويع برامج المهارات، بما يتواءم مع متطلبات سوق العمل، إذ يغطي الصندوق في هذا المجال، الكلف المالية للتدريب، ويوفر بدل مواصلات للمتدربين، يصل لـ50 ديناراً شهرياً، وفق مدة الدورة.
ويحصل من ينال فرصة عمل بعد تلقي المهارات والأدوات، على فترة سماح تمتد عاماً كاملا، لا يحتسب دخله خلالها في المعادلة، ولمن يباشر مشروعاً ذاتياً صغيرا، تمتد فترة السماح لعامين، إذ يعاد تقييم وضع الأسر في الحالتين، وقد تستمر المساعدات أو تخفض أو تتوقف إذا تحسن الوضع المعيشي للأسرة.
وأشارت شنيكات إلى تخريج 644 أسرة، استفادت من برنامج التشغيل الوطني وبرامج المساعدات بعد التزام أفرادها بالعمل لعام كامل وتحسن أوضاعهم.
وفي وقت يسعى فيه الصندوق لمعالجة وتصويب الوضع الاقتصادي للمنتفعين، يواجه حسين أحمد الذي يتقاضي دعماً تكميليا، قدره 100 دينار تحديا.
وقف حسين حائراً أمام خيار ترخيص محله التجاري وعدم الترخيص، علماً بأن البلدية أخبرته بضرورة الترخيص، ولكن ما سمعه من موظفة الصندوق في الفرع الذي يراجعه، جعله يختار خلاف ذلك”. “إذا رخصت المحل، سيتوقف الدعم، سيصبح لديك سجل تجاري ورخصة مهنية، وبالتالي ستدخل في دائرة الضرائب والضمان الاجتماعي، وستفقد التأمين الصحي الخاص بك”.
في النهاية، جاء قرار المحكمة الذي حكم عليه بدفع إيجار المحل المتراكم، ما دفعه لإغلاقه، وجعل راتبه الذي كان يتلقاه من دعم “المعونة” المصدر الوحيد لاستمراره، سؤال مؤلم كان يطرح نفسه: “من قال إن هذا الراتب يكفي أصلاً؟ في الأردن، إذا كان لديك راتب أقل من 500 دينار، فأنت بحاجة إلى دعم تكميلي طوال حياتك”.
حاجات أكبر من السداد
ومع ذلك، لم يكن حسين يطالب بالكثير، كان يكتفي بالقليل، لكن حاجاته كانت أكبر من أن يسدها هذا الراتب، “عندي 8 أطفال جميعهم في المدارس”.
“أنا سجين من غير سجان”، هذا هو شعور حسين الذي كان له محله، لكنه أغلقه، حتى لا ينقطع راتب “المعونة” فعاش أياما قاسية أما خيارات محدودة. وحوصر بين رغبته بتحسين أوضاعه والحاجة الماسة للحفاظ على دعم الحكومة الذي كان يضمن له الحد الأدنى من العيش. يقول بيأس “لم يكن محلي يحقق الأرباح. افتتحته ليعرف الناس من أنا، لكن ما باليد حيلة. اضطررت لإغلاقه حفاظًا على راتبي. قليل دائم أفضل من كثير منقطع”.
الشنيكات، هنا أكدت أن الصندوق يسمح لمن لديه مؤسسة فردية، لا يتجاوز رأسمالها 3 آلاف دينار التقدم لبرنامج المساعدات.
وتؤكد المستشارة الاقتصادية يارا قطامي، أن التمكين الاقتصادي لا يشترط انتهاءه بالتوظيف، وجزء من برامج التمكين الاقتصادي تعتمد فقط على التمكين بالأدوات والمهارات، لمساعدة الفئة المستهدفة الدخول في سوق العمل.
ولكن في الفئة التي نتحدث عنها، وتعاني من ظروف اقتصادية خاصة كالمنتفعين من برامج الصندوق، فمن الأفضل وضع خطط تمكين تنتهي بالتوظيف، أو بإنشاء مشروع ريادي يتمكن عبر المنتفع الحصول على مصدر مالي ثابت، ويمكن تطويره مع الأيام، وبالتالي يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، فـ”فكرة التمكين بالأدوات والمهارات، يجب ألا تنتهي عند هذه المرحلة” وفق قطامي.
وعلى صعيد الأرقام التشغيلية، أشارت الشنيكات إلى أن عدد الأُسر المنتفعة يبلغ حالياً 245 ألفا بمختلف البرامج، فيما يتراوح معدّل الإيقاف الشهري بين 1500 و2000 أسرة تبعاً لتغير الشروط، مع إتاحة التظلّم.