أنقرة – الأناضول: أبرز خبراء ومحللون أتراك التأثير الذي سيلعبه التغير المناخي، وما يرافقه من ذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي، على خلق منافسة دولية جديدة بغية السيطرة على الممرات المائية والتجارية البديلة التي ستتولد بسبب هذه الظواهر المناخية.
ورأى الخبراء أن هذه الممرات الجديدة تكتسب أهمية كبيرة، في ظل التطورات العالمية والمخاطر الجيوسياسية، كونها تؤثر بشكل كبير على الموقع الإستراتيجي للدول.
وأشاروا إلى الأهمية التي اكتسبتها كل من مصر وبنما، بفضل موقعهما الإستراتيجي المرتبط بوجود كل من قناة السويس وقناة بنما، ودور القناتين في تقليل المسافات التي تقطعها السفن في البحار بشكل ملحوظ، في عملية تحد أيضاً من المخاطر الأمنية التي قد تواجهها الملاحة البحرية. ويوجد اليوم نحو 50 قناة هامة حول العالم. لكن مع التطورات المرتبطة بالتغيرات المناخية سيخاق ظهور ممرات مائية وتجارية جديدة منافسة دولية، لا سيما مع رصد انخفاض مستوى المياه في قناة بنما بسبب الجفاف.
وفي هذا الشأن، لفت ترغوت كرم تونجل، كبير المحللين في مركز «الدراسات الأوراسية»، للأناضول إلى أهمية تنويع مسارات التجارة ليس فقط بسبب القضايا الجيوسياسية، بل أيضاً بسبب التغير المناخي.
وقال أن انخفاض مستوى المياه في قناة بنما الواصلة بين المحيطين الأطلسي والهادئ «أدى بالفعل إلى تعطل حركة عبور السفن»، وهو ما يظهر أهمية تنوع الممرات التجارية. وأضاف «تطوير مسارات تجارية بديلة يعد أمراً هاماً للتجارة العالمية، وإذا نظرنا إلى منطقتنا، سيكون تعزيز الممر الأوسط الذي يمتد عبر آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وتركيا ليربط بين آسيا وأوروبا عبر البر، خطوة مهمة نحو ضمان استمرارية التجارة العالمية بسلاسة». وأوضح أنه في حال تعطل العمل في قناة بنما سينعكس ذلك على تكلفة الملاحة البحرية والنقل في المنطقة الواقعة بين الطرف الجنوبي للأرجنتين والقارة القطبية الجنوبية.
وتابع «باعتبار أن ممر دريك هو البديل الوحيد في النقل البحري في هذه المنطقة، ستكون هناك زيادة في تكاليف النقل».وفي معرض الحديث عن تأثيرات التغير المناخي على خلق ممرات مائية جديدة للتجارة، أردف تونجل «قد يتم طرح فتح خطوط نقل في منطقة القطب الشمالي على المدى البعيد، بسبب مسألة ذوبان القطبين، وبالفعل بدأت المنافسة بين روسيا والصين والولايات المتحدة والدول الإسكندنافية بخصوص هذا الأمر».
من جهته، نوه شفق إرتان تشوماقلي، أستاذ قسم المالية في جامعة «حجي بيرم ولي» في العاصمة التركية أنقرة، إلى الفوائد الإستراتيجية للقنوات الاصطناعية التي تمولها وتنشئها بعض الدول.
وأعطى مثالاً على ذلك قناة بنما، قائلا «تقع قناة بنما في أضيق منطقة من القارة الأمريكية، وهي واحدة من أشهر القنوات الاصطناعية في العالم، وتتيح لنحو 14 ألف سفينة سنوياً، إمكانية العبور بين المحيطين الهادئ والأطلسي». وأضاف تشوماقلي أن الشركات والدول «تبحث دائما عن طرق قصيرة مثل القنوات، التي تختصر زمن النقل وتقلل التكاليف وتوفر مزايا جغرافية».
وأكد أنه خلال الـ 150 عاما الماضية، أصبحت القنوات الاصطناعية «مشاريع كبرى تخدم الأغراض السياسية والاقتصادية للدول الممولة».
وفي السياق، أشار تشوماقلي إلى أن «الممر الأوسط» العابر من تركيا، هو الطريق «الأكثر ملائمة لنقل المنتجات صينية المنشأ إلى أوروبا والشرق الأوسط عن طريق البر». واستدرك «يهدف مشروع قناة إسطنبول، الذي يعد جزءا من هذا الطريق الإستراتيجي، إلى جعل تركيا مركزاً لوجستياً مهماً في المنطقة من خلال دعم هذا الممر».
وتوقع أن يصل العائد السنوي لقناة إسطنبول في حال إنجازها إلى مستوى 8 مليارات دولار سنوياً، في الوقت الذي تبلغ فيه عائدات قناة السويس أكثر من 6 مليارات دولار، وبنما ملياري دولار.
وبشكل عام، تتم العمليات البرية للتجارة والنقل بين قارتي آسيا وأوروبا عبر ثلاثة مسارات رئيسية هي «الممر الشمالي» الذي يمر بروسيا، و»الممر الجنوبي» الذي يمر بإيران، و»الممر الأوسط» الذي يمر من الأراضي التركية. ولهذه الممرات الثلاث أهمية إستراتيجية كبيرة للدول التي تمر بها.
بيد أن الحرب الروسية – الأوكرانية فاقمت من المشكلات الأمنية المرتبطة بـ»الممر الشمالي»، كما أن العقوبات على إيران والنزاعات القائمة بمنطقة الشرق الأوسط تجعل «الممر الجنوبي» شديد الخطورة.
وعليه، برز الحديث عن أهمية «الممر الأوسط» مع حادث جنوح سفينة الحاويات «إيفر غيفن» في قناة السويس عام 2021.
وأدت المخاوف من ارتباك التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية إلى تحول الأنظار فعلياً إلى المسارات المائية والبرية البديلة.
وتعزز تلك التطورات من أهمية وقيمة «الممر الأوسط» الذي يعبر من تركيا إلى منطقة القوقاز.
وهذا الممر هو البديل للممر الشمالي الرابط بين الصين وأوروبا، ويمر من تركيا إلى منطقة القوقاز ومنها يعبر بحر قزوين إلى تركمانستان وكازاخستان وصولا إلى الصين، ويقع الممر الذي يمتد من بكين إلى لندن في مركز نقل تجارة تبلغ قيمته 600 مليار دولار سنوياً.