الغد-إيمان الفارس
يشهد العام 2026 مفارقة واضحة في قطاع المياه، تتمثل في تراجع مخصصات وزارة المياه والري من جهة، مقابل توسع مهم في الموازنة الرأسمالية للقطاع كله من جهة أخرى.
وهذا الأمر يثير تساؤلات حول قدرة الدولة على تنفيذ مشاريع البنية التحتية المائية في ظل تحديات الجفاف وتراجع الموارد مع تراجع مخصصات الوزارة بنسبة 8.2 %، ونفقاتها الرأسمالية بنسبة 12 %، بينما ارتفعت نفقاتها الجارية بنسبة 18 %؛ ما يقلل من مساحة الحركة المتاحة أمامها لتنفيذ مشاريع التطوير والصيانة، خاصة مع انتهاء مشاريع أساسية مثل مشروع تخفيض الفاقد، ومشاريع تطوير البنية المحيطة بمحطات المعالجة.
وفي المقابل، تظهر الصورة القطاعية الشاملة توجها أكثر توسعا؛ إذ ترتفع الموازنة الرأسمالية لجميع مؤسسات قطاع المياه، بما يشمل الوزارة وسلطة المياه وسلطة وادي الأردن وشركات مياهنا ومياه اليرموك ومياه العقبة إلى 434 مليون دينار مقارنة مع 375 مليونا في 2025، أي بزيادة قدرها 59 مليون دينار تعادل 16 %.
وتمثل هذه الموازنة 20 % من إجمالي النفقات الراسمالية الحكومية البالغة 2.2 مليار دينار، وهو ما يعكس استمرار النظر إلى الأمن المائي باعتباره أولوية وطنية.
وتعتمد هذه الموازنة على تمويل قدره 291 مليون دينار من الخزينة والإيرادات الذاتية، و88 مليون دينار من القروض التنموية، و55 مليون دينار من المنح الدولية، ما يوفر قاعدة تمويل واسعة، لكنها تحتاج إلى إدارة فعالة لضمان استدامتها.
عام مفصلي
وهكذا، يبدو العام 2026 عاما مفصليا، قد يشهد تقدما حقيقيا في البنية التحتية المائية إذا أحسن القطاع استثمار موارده وتوجيهها بفعالية، أما إذا استمرت الضغوط التشغيلية وتراجعت كفاءة الشبكات؛ فقد يبقى خطر تعثر المشاريع قائما بما ينعكس على أمن الموارد وقدرة الدولة على تلبية الطلب المتصاعد على المياه.
وفي سياق تقييم انعكاسات المخصصات المالية على قدرة قطاع المياه في تنفيذ برامجه ومشاريعه للعام 2026، قدم الأمين العام الأسبق لوزارة المياه والري م. إياد الدحيات، رؤية شاملة تستند إلى قراءة أوسع للموازنة الرأسمالية على مستوى القطاع بكامله.
ورأى الدحيات، في تصريحات لـ"الغد"، أن تقييم القدرة على تنفيذ مشاريع البنية التحتية المائية للعام 2026، لا يمكن أن يقتصر على النظر في مخصصات وزارة المياه والري فقط.
وأكد ضرورة أن يأخذ التقييم الحقيقي، بالموازنة الرأسمالية الإجمالية لقطاع المياه بكامل مؤسساته، بما يشمل وزارة المياه والري وسلطة المياه وسلطة وادي الأردن وشركات مياهنا ومياه اليرموك ومياه العقبة، إضافة إلى جميع مصادر التمويل، سواء من الخزينة أو من الإيرادات الذاتية لتلك المؤسسات، أو من المنح والقروض التنموية المقدمة من الشركاء الدوليين.
وأشار الدحيات إلى أن الموازنة الرأسمالية المجمعة لهذه الجهات ستبلغ في العام 2026، ما قيمته 434 مليون دينار مقارنة مع 375 مليون دينار في العام 2025، وهي زيادة قدرها 59 مليون دينار تشكل نموا بنسبة 16 %.
وبين أن هذه الموازنة الراسمالية البالغة 434 مليون دينار تمثل 20 % من مجموع النفقات الرأسمالية للدوائر والوحدات الحكومية التي تبلغ 2.2 مليار دينار، وهو ما يعد مؤشرا على استمرار اعتبار الأمن المائي هدفا إستراتيجيا ذا أولوية يرتبط بتحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الواردة في رؤية التحديث الاقتصادي.
وأضاف إن هذه النسبة المرتفعة تعكس توجها واضحا لدى صانع القرار لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية المائية رغم الضغوط المالية العامة.
تنوع مصادر التمويل
وأوضح الدحيات أيضا، أن مصادر تمويل الموازنة الراسمالية للعام 2026 تتوزع بشكل يوفر تنوعا مهما، إذ يأتي 291 مليون دينار من الخزينة العامة أو من الإيرادات الذاتية لمؤسسات المياه، فيما توفر القروض التنموية الدولية 88 مليون دينار، وتقدم المنح التنموية الدولية 55 مليون دينار؛ ما يعزز قدرة القطاع على تنفيذ المشاريع المقررة دون الاعتماد على مصدر واحد للتمويل.
وشدد الدحيات على أن البرامج التي يجري تمويلها ضمن هذه الموازنة، تشكل عمودا فقريا لرفع كفاءة قطاع المياه واستدامته؛ إذ تشمل استغلال المصادر المائية المتاحة بشكل أمثل، من خلال مراقبة المصادر وتأمين مصادر جديدة وغير تقليدية عبر دراسات فنية واستكشاف الطبقات العميقة لإيجاد مصادر بديلة لمياه الشرب.
وأشار كذلك إلى برامج تحسين كفاءة أنظمة نقل وتوزيع مياه الري وتقليل الفاقد، ورفع الكفاءة التشغيلية، وتعزيز أنظمة التحكم والمراقبة خاصة في مناطق غور الأردن.
ولفت إلى أن زيادة الموارد المائية الصالحة للاستخدام تمثل محورا رئيسا في موازنة القطاع من خلال تطوير مصادر المياه التقليدية، وتوسيع الاعتماد على مصادر غير تقليدية عبر الحصاد المائي، من خلال إنشاء الحفائر والبرك والسدود الجديدة؛ مثل سد وادي مدين وسد وادي عسال وسد تلال الذهب.
وأضاف إن رفع كفاءة تشغيل مرافق المياه واستخدام الطاقة والاستمرار في تخفيض الفاقد في جميع محافظات المملكة، تعد أهدافا مركزية ترتبط بشكل مباشر بتحسين الأمن المائي.
وبين الدحيات أن الموازنة تتضمن مشروعات لتحسين تشغيل مرافق الصرف الصحي، بهدف تحقيق متطلبات التنمية المستدامة في جميع المحافظات مع وضع مؤشرات أداء واضحة؛ منها خفض نسبة المياه غير الربحية إلى
43 %، ورفع نسبة المياه المعاد استخدامها إلى 91 %، وزيادة حصة الفرد من المياه البلدية بعد احتساب الفاقد إلى 97 لترا يوميا مع المحافظة على نسبة تغطية مياه الشرب داخل التنظيم عند 94%، ورفع عدد مشتركي الصرف الصحي بنسبة 2 % سنويا ليصل إلى 1195036 مشتركا، وزيادة مساحة الأراضي المشمولة بجمعيات مستخدمي مياه الري إلى 58 %.
برامج شراء الآبار
وأوضح الدحيات أن من المشاريع المهمة في موازنة سلطة المياه وشركة مياه اليرموك؛ برنامج شراء المياه من الآبار الخاصة بقيمة 14 مليون دينار، والذي سيوفر ما لا يقل عن 20 مليون متر مكعب خلال موسم الصيف الذي يمثل ذروة الطلب.
وتابع أن هذا التدخل يساهم في سد فجوات التزويد في المناطق التي تواجه نقصا في المياه خلال الأشهر الحارة من العام.
وبين أن تعزيز قدرة قطاع المياه على إدارة الكوارث والطوارئ يمثل جزءا جوهريا من موازنة 2026؛ إذ خصصت سلطة المياه 2.35 مليون دينار لهذا الغرض بهدف دعم تطوير القدرات في التنبؤ المناخي، وتحسين خطط الطوارئ، وتعزيز الاستجابة للاضطرابات التي قد تطرأ على التزويد، خاصة في فترات الذروة، وإيجاد حلول للاختناقات التي شهدها القطاع خلال العام 2025.
ورأى أن البدء بتنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية ونقل المياه من العقبة إلى عمان، يشكل خطوة محورية، حيث تم رصد 7 ملايين دينار ضمن موازنة وزارة المياه، و60 مليون دينار في موازنة وزارة المالية ضمن برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأكد أن هذا التمويل يعكس التزام الحكومة بالبدء الفعلي في تنفيذ المشروع بوصفه أحد المشاريع الإستراتيجية الأكثر أهمية في تعزيز الأمن المائي للمملكة.
وأشار إلى ضرورة رصد مخصصات خلال الفترة المقبلة لإعداد دراسات جدوى شاملة لبرنامج متكامل من مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص في مجال المياه، بما يشمل مشاريع بنية تحتية، وتحسين إدارة خدمات المياه والصرف الصحي، وتشغيل مرافقها بهدف رفع كفاءة وفعالية الأداء، وضمان ديمومة الأصول وتشغيلها وفق أفضل الممارسات العالمية.
وأكد أن هذا التوجه يمثل عاملا أساسيا في تطوير قطاع المياه وضمان قدرته على تلبية الاحتياجات المستقبلية.
تراجع النفقات الرأسمالية
وفي هذا السياق، انخفضت مخصصات وزارة المياه والري للعام 2026 بنسبة 8.2 % لتبلغ 18,973 مليون دينار، مقارنة بـ20,689 مليون دينار المعاد تقديره في موازنة العام 2025، بحسب مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل.
وتراجعت النفقات الرأسمالية بنسبة 12 % لتبلغ 15,915 مليون دينار للعام 2026، مقارنة مع المعاد تقديره للعام 2025 والبالغ 18,097 مليون دينار.
أما النفقات الجارية، فعاكست التوجهات وارتفعت في مشروع قانون الموازنة للعام المقبل بنسبة 18 %، لتقدر بـ3,058 مليون دينار، مقارنة بـ2,592 مليون دينار المعاد تقديره للعام 2025.
وزاد مشروع القانون ﻣﺠﻤوﻋﺔ ﺗﻌوﻳﻀﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴن ﺑﻤﺒﻠﻎ 368 أﻟﻒ ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﻭﺗرﻛزﺕ هذه الزيادة ﻓﻲ الارتفاعات ﺍﻟطﺒﻴﻌية ﻟﻠرﻭﺍﺗب ﻭﺍلأﺟوﺭ ﻭﺍﻟﻌﻼﻭﺍﺕ، ﻭﻛﻠﻔﺔ ﺍﻟﺸوﺍﻏر ﻭﺍلإﺣدﺍﺛﺎﺕ. كما ارتفعت ﺍﻟﻨﻔﻘﺎﺕ ﺍﻟﺘﺸﻐﻴﻠﻴﺔ ﺑﻘﻴﻤﺔ 43 أﻟﻒ ﺩﻳﻨﺎﺭ.
وحول النفقات الرأسمالية، انخفضت ﻣﺨﺼﺼﺎﺕ ﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﺍﻟﻼﻣرﻛزﻳﺔ بقيمة 415 ألف دينار، وﺍﺭتفعت ﻣﺨﺼﺼﺎﺕ ﻣﺸرﻭﻉ ﺍﻟﻨﺎﻗﻞ ﺍﻟوطني ﺑﻘﻴﻤﺔ 6 ملايين ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﻭﻣﺸروﻉ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ - ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﻣﺴﺎﻫﻤﺎﺕ ﺑﻘﻴﻤﺔ 488 أﻟﻒ ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﻭﻣﺸرﻭﻉ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﺄﻫﻴﻞ ﺍﻵﺑﺎﺭ ﻭﺗﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﺘﺰﻭيد ﺍﻟﻤﺎﺋﻲ.
وأشار مشروع قانون الموازنة إلى انتهاء عدد من ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻳﻊ ﺑﻘﻴﻤﺔ 8.305 ﻣﻠﻴوﻥ ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺸرﻭﻉ ﺗﺨﻔيض ﺍﻟﻔﺎﻗد ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺑﻘﻴﻤﺔ 6 ملايين ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﻭﻣﺸﺮﻭﻉ تطوير ﻣﺸﺎﺭﻳﻊ ﺯﺭﺍﻋﻴﺔ نوﻋﻴﺔ ﺣوﻝ ﻣﺤطﺎﺕ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻌﺎﺩﻣﺔ ﺑﻘﻴﻤﺔ 2 ﻣﻠﻴوﻥ ﺩﻳﻨﺎﺭ.
وحدد مشروع القانون أهم القضايا والتحديات التي تواجه "المياه"، مبينا أنه يكمن في التغيرات المناخية ممثلة بالجفاف وانخفاض معدل هطل الأمطار، ونقص ومحدودية الموارد المائية، واستنزاف الموارد المائية المتاحة في مختلف مناطق المملكة، إلى جانب نقص التمويل (الداخلي والخارجي).
وقدرت الحكومة في مشروع قانون الموازنة 2026 الإيرادات العامة بـ10.931 مليار دينار، منها 10.196 مليارات إيرادات محلية، و735 مليونا منح خارجية. بينما تغطي الإيرادات المحلية 89 % من النفقات الجارية، فيما انخفض العجز بعد المنح لـ2.125 مليار، في حين بلغ صافي العجز لجميع الوحدات الحكومية 671 مليونا.
ورفع مشروع القانون النفقات الرأسمالية إلى 1.6 مليار دينار، مقارنة بإعادة التقدير البالغة 1.3 مليار دينار للعام الماضي، بارتفاع تناهز نسبته نحو 23 %، لتغطية تمويل مشاريع تنموية ذات أهمية وطنية، ومن أبرزها مشاريع رؤية التحديث الاقتصادي التي خصص لها مبلغ بقيمة 396 مليون دينار، إضافة إلى مشروع الناقل الوطني للمياه الذي خصص له 60 مليون دينار، إلى جانب تخصيص مبلغ 35 مليون دينار للتنقيب عن غاز الريشة، فضلا عن رفع دعم تنمية وتطوير البلديات إلى 210 ملايين دينار، بدلا من 180 مليونا.