أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    13-Sep-2018

إنهيار الإقتصاد الفنزويلي: حصيلة سياسات خاطئة

 الحياة-ذكاء مخلص الخالدي

بعد أن كانت أرض الفرص في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وأغنى دولة في أميركا اللاتينية خلال فترة الانتعاش النفطي، وقدمت الكثير من المساعدات لجيرانها، تعاني فنزويلا اليوم إنهياراً إقتصادياً وشحاً في كل شيء تقريباً، من الغذاء إلى الماء والدواء والكهرباء وفرص العمل.
 
 
ودفعت الأوضاع المتردية بـ7 في المئة من السكان، أي 2.3 مليون من شخص، إلى اللجوء إلى الدول المجاورة بعدما لم يتبق شيء في فنزويلا. ويمثل هذا الخروج للسكان موجة النزوح الأكبر التي تشهدها أميركا اللاتينية في العصر الحديث.
 
وفي دولة تمتلك أكبر إحتياط نفطي مؤكد في العالم، إلى جانب كميات كبيرة جداً من الفحم والحديد والبوكسيت والذهب، كما تعتبر أهم دولة متحضرة في أميركا اللاتينية مع يد عاملة تتميز بمهارتها، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن المراقب هو: كيف وصلت فنزويلا إلى ما هي عليه الآن وعلى من يقع اللوم؟
 
تمتد جذور أزمة فنزويلا إلى سنوات طويلة سابقة وهي فترات الإنقلابات العسكرية والحكم الدكتاتوري. ولأن الحزب الإشتراكي يمسك بالسلطة منذ العام 1999، تضع المعارضة الداخلية والخارجية اللوم على السياسات الإقتصادية والإجتماعية التي تبناها الرئيس هوغو شافيز على مدى 14 عاماً واستمر عليها خلفه الرئيس نيكولاس مادارو.
 
ولأن الفروقات في توزيع الدخل كبيرة في فنزويلا، عمد شافيز في بداية حكمه إلى تبني سياسات إجتماعية، هدفها إعادة توزيع الثروة من خلال توزيع موارد النفط على الطبقات الفقيرة في شكل توفير التعليم المجاني، ورفع الحد الأدنى للأجور وتوفير الخدمات الصحية المجانية، وتحديد أسعار السلع الأساس للفقراء، مثل القمح وزيوت الطبخ والمواد الصحية.
 
وكانت تلك السياسات الإجتماعية السخية جعلت من شافيز بطلا قومياً في نظر الفقراء واستمرت ولايته 14 عاماً. ولكنه لم يقرن ذلك بسياسات إقتصادية تقوم على الإستثمار وخلق قنوات جديدة للدخل. وكان إعتماده في مصادر العملة الأجنبية على النفط الذي استحوذ على 95 في المئة من مدخلات فنزويلا. ولم تأخذ الحكومة الفنزويلية آنذاك بالإعتبار بديهة أن أسعار النفط غير ثابتة ولا يمكن الإعتماد عليها لتمويل سياسات إجتماعية مستدامة، التي تتطلب تبني سياسات إقتصادية تخلق موارد مستدامة للدخل يمكن الإنفاق منها.
 
ولم تفكر الحكومة آنذاك بتوفير بعض عوائد الأخير للمستقبل كما كانت تفعل دول الخليج، بل كانت تنفق كل موارد النفط على إستيراد كل شيء تقريباً. وكانت تلجأ إلى الاقتراض عندما تنخفض أسعار النفط، وحتى إلى طبع النقود إذا ضاقت سبل الإقتراض الخارجي. ولم تستطع الحكومة الحفاظ على الصناعات القائمة بسبب نظام تحديد الأسعار من جهة، ورفع معدلات الحد الأدنى للأجور بين الحين والآخر من جهة أخرى، ما أضعف قدرة الصناعات القائمة على الإستمرار بالعمل، فأغلقت معظمها بينما أممت الحكومة صناعات أخرى.
 
وبعدما جاء مادارو إلى الحكم عام 2013، وجد أمامه تركة ثقيلة من الديون والتضخم الناتجيين عن سياسات إقتصادية خاطئة. وتفاقم الوضع بعد الإنخفاض الكبير في أسعار النفط عام 2014. وتسبب إستمرار الإنفاق الحكومي الممول بطبع النقود والعجز عن توفير الإستيرادات اللازمة لإشباع حاجة السوق، إلى تدهور قيمة العملة المحلية ومعدلات تضخم حلزونية تتضاعف كل 26 يوماً ووصلت في تموز (يوليو) الماضي إلى 83 ألف في المئة. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل التضخم إلى مليون في المئة نهاية العام الحالي.
 
وتبنت الحكومة في تموز الماضي حزمة من الإجراءات شملت إصدار عملة جديدة أسمتها «البوليفار السيادي» لتحل محل العملة السابقة «البوليفار القوي» بعد حذف 5 أصفار من على يمين العملة القديمة. وحذف أصفار من العملة يعني رفع سعرها تجاه الدولار وليس خفض، حيث أصبح كل 100 ألف بوليفار قوي يساوي 1 بوليفار سيادي. ومع ذلك تتحدث الأنباء عن خفض كبير للعملة. وتم ربط البوليفار الجديد بالاحتياط النفطي لفنزويلا عبر خلق عملة رقمية أطلق عليها إسم «بترو».
 
ولكن الحكومة لم توضح آلية هذا الربط وكيف سيؤثر على سعر صرف البوليفار السيادي. ويعتبر هذا الغموض أحد المآخذ الكبير على العملة الجديدة. وشملت الحزمة كذلك رفع معدل ضريبة القيمة المضافة 4 في المئة إلى 16 في المئة، ورفع الحد الأدنى للأجور 36 مرة ورفع الدعم عن أسعار الوقود للذين لا يملكون بطاقات وطنية وفرض ضرائب أعلى على الشركات.
 
وليس واضحاً هدف الحكومة من هذه الإجراءات، فإذا كان هدفها محاربة التضخم، فإن أسبابه لا زالت قائمة وهي إستمرار شح العرض، بسبب ضعف القدرة على الإستيراد، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة ضخ النقود عن طريق الطبع. وطالما كان حجم الطلب أعلى بكثير من العرض فإن التضخم سيزداد سوءاً. ورفع معدلات القيمة المضافة والضرائب على القطاع الخاص وفرض زيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور تسبب في رفع الأسعار وليس خفضها، ما يشير إلى جهل بأبسط مبادئ السياسة الإقتصادية.
 
وبسبب عجز الحكومة عن شرح آلية الربط بين البوليفار الجديد والعملة الرقمية «البترو»، يرى العديد من المراقبين أن الأخيرة نوع من الإحتيال، ومنعت الولايات المتحدة أي تعاملات مالية مع فنزويلا تتضمن البترو.
 
وترى المعارضة الفنزويلية التي تسيطر على البرلمان، أن حكومة مادارو تقوم بإجراءات غير مسبوقة وغير قانونية، كما أن رهن الإحتياط النفطي لفنزويلا بعملة رقمية وبيعها إجراء غير دستوري. ويأمل مادورو بربط الأجور والأسعار والمعاشات التقاعدية بالبترو الذي يساوي 60 دولاراً أو 3600 بوليفار سيادي بهدف الوصول مستقبلاً إلى سعر صرف موحد ومعوّم يرتبط بالعملة الرقمية.
 
ولا يزال هناك فئة مخلصة للحكومة الإشتراكية وهم طبقة الفقراء المستفديون من برامج الرعاية الإجتماعية. ويعتبرون إن مشكلة فنزويلا سياسية سببها الولايات المتحدة وكولومبيا، إذ فرضت الأولى حصاراً على فنزويلا جعل من الصعب إعادة هيكلة الديون البالغة 150 بليون دولار. وعلى رغم صعوبة الوضع الإقتصادي الحالي، فلا يزال أفضل مما كان عليه قبل مجيء شافيز إلى السلطة عام 1999.