الراي-في ظل انحسار المنح الخارجية ، سواء كانت عربية أو أجنبية ، فإنه لا خيار للأردن سوى الاخذ بسياسة الاعتماد على الذات ، وما تعنيه من تضحيات.
 
الاعتماد على الذات شعار جميل ومقبول ، لا يعترض عليه أحد ، ولكنه في التطبيق يعني أن الشعب الأردني هو الذي سيمول الموازنة عن طريق المزيد من الرسوم والضرائب وما ينشأ عن بعضها من ارتفاع الأسعار ، بدلاً من المنح الخارجية والقروض.
 
في هذا المجال لا بد من الاعتراف بأن الموازنة العامة متضخمة جداً وتناهز ثلث الناتج المحلي الإجمالي ، أي أنها تفوق إمكانيات الاقتصاد الأردني وقدرة المكلفين على دفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، وبالتالي فإن سياسة الاكتفاء الذاتي يجب أن تسير باتجاهين في نفس الوقت: زيادة في الجباية وانقاص في الإنفاق ، وما يتبع ذلك من شد الأحزمة على البطون.
 
حجم القطاع العام أكبر من أن يطيقه الاقتصاد الأردني ، ولكن تصغيره يحتاج لعمليات جراحية موجعة ، تفرض أن تكون العملية تدريجية ، وبأقل قدر من الضحايا.
 
نخشى أن الامور تسير عملياً بالاتجاه المعاكس ، فالحديث الآن يتردد عن زيادة الرواتب ، ورفع الحد الأدنى للأجـور ، والمزيد من الإعفاءات والاستثناءات ، وتحسين مستوى معيشة محدودي الدخل والطبقة الوسطى ، أي أننا ما زلنا ُنجهد أنفسنا في استنباط وسائل جديدة لزيادة الإنفاق ورفع التكاليف وتفاقم العجز.
 
يشكل الدعم بجميع أشكاله حوالي 650 مليون دينار سنوياً لا تجرؤ أية حكومة على المساس به. وخلافاً للانطباع السائد ، فإن مستوى الضرائب في الأردن يقل عن مستواه في البلدان النامية التي تشبه الأردن في درجة تطورها الاقتصادي ، يكفي القول بأن قانون ضريبة الدخل الأردني الراهن يعفي العائلة من أول 24 إلى 28 ألف دينار من دخلها السنوي ، وأن أكثر من 90% من المواطنين ليسوا مكلفين بدفع ضريبة دخل ، وأن معظم الباقين يتهربون من الضريبة إذا كانت دخولهم غير مكشوفة ويصعب حصرها كأصحاب المهن الحرة ، وفي مقدمتهم الاطباء والتجار وغيرهم.
 
إذا صح أننا أمام وضع جديد غير مسبوق ، حيث تشتد الحاجة لعملية إعادة تكيف جوهرية ، فقد يكون من الضروري تعديل وتشديد برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي ، فلا بد من تسريع بعض الإجراءات لمواجهة الظروف المختلفة ، والتواضع في مجال تحديد الأهداف.