الغد-عدنان أحمد يوسف
في إطار تقليدنا السنوي في تقييم الأداء الاقتصادي واستشراف الآفاق المقبلة، نبدأ باستعراض أداء الاقتصاد الخليجي في عام 2025 وتوقعاتنا له للعام 2026.
يبرز الاقتصاد الخليجي كنموذج لاقتصاد استطاع الحفاظ على قدر عالٍ من التماسك والاستقرار، رغم بيئة عالمية اتسمت بتباطؤ النمو، وتقلبات أسعار الطاقة، وتشديد ثم إرخاء السياسات النقدية الدولية. وقد شكّل العام 2025 مرحلة توازن دقيقة بين إدارة العوائد النفطية من جهة، وتسريع التحول نحو اقتصاد أكثر تنوعا واستدامة من جهة أخرى.
اقتصاديا، حققت دول مجلس التعاون الخليجي معدل نمو تراوح في المتوسط بين 3.5 % و4 % خلال 2025، مدفوعًا بتحسن نسبي في إنتاج النفط والغاز، وباستمرار زخم الأنشطة غير النفطية. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي المجمع لدول الخليج نحو 2.2 تريليون دولار. وعلى مستوى المالية العامة، استفادت الموازنات الخليجية من متوسط أسعار نفط تراوح بين 60 - 70 دولارًا للبرميل خلال العام، ما مكّن عددًا من الدول من تحقيق فوائض مالية محدودة، فيما سجلت دول أخرى عجزًا في ميزانياتها. وتشير التقديرات إلى أن الفائض أو العجز المالي لدول المجلس مجتمعة بقي ضمن نطاق ±2% من الناتج المحلي الإجمالي، مع مستويات دين عام منخفضة نسبيًا تقل في المتوسط عن 35 % من الناتج في معظم دول المجلس. وفي هذا السياق، تبرز جهود البحرين، وبالرغم من زيادة العجز المالي لديها، بهدف ضبط العجز وتحسين كفاءة الإنفاق، مع الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري كعنصر داعم للاستقرار.
أما مسار تنويع الاقتصاد، فقد مثّل أحد أبرز إنجازات 2025. فقد ارتفعت مساهمة القطاعات غير النفطية لتتجاوز 60 % من الناتج المحلي الإجمالي في عدد من دول الخليج، مدفوعة بنمو قوي في قطاعات السياحة، والصناعة التحويلية، والخدمات اللوجستية، والتجارة، والاقتصاد الرقمي. وفي السعودية والإمارات، شكّلت الأنشطة غير النفطية المحرك الرئيسي للنمو، فيما عززت البحرين موقعها كمركز إقليمي للخدمات المالية والتكنولوجيا المالية والصناعات الخفيفة، مستفيدة من بيئة تشريعية مرنة وكفاءات بشرية تنافسية، رغم محدودية مواردها النفطية مقارنة ببقية دول المجلس.
التقدم المعرفي والتكنولوجي واصل لعب دور محوري في دعم النمو الخليجي، مع توسع الاستثمارات في التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والطاقة المتجددة. وقد انعكس ذلك في تحسن إنتاجية القطاعات الخدمية، ورفع كفاءة الحكومات، وتحسين بيئة الأعمال، وهو ما سجلت فيه البحرين حضورًا متقدمًا، خصوصًا في الخدمات الحكومية الرقمية والتكنولوجيا المالية.
القطاع المصرفي الخليجي واصل بدوره تسجيل أداء قوي في 2025، حيث قُدّر إجمالي موجودات البنوك الخليجية بأكثر من 3.7 تريليون دولار، مع استمرار نمو الائتمان الموجه للقطاع الخاص بمعدلات تراوح بين 5 % و7 %. كما سجلت البنوك مستويات مرتفعة من كفاية رأس المال والسيولة، وحققت أرباحًا جيدة مدعومة ببيئة أسعار فائدة مرتفعة نسبيًا. وفي البحرين، حافظ القطاع المصرفي على متانته، مع تنوع قاعدة البنوك التقليدية والإسلامية، وحضور إقليمي ودولي عزز من مكانة المملكة كمركز مالي راسخ.
وبالانتقال إلى عام 2026، تشير التوقعات إلى نمو اقتصادي خليجي يتراوح بين 4 % و4.5 %، مدعومًا باستمرار توسع الأنشطة غير النفطية، وتحسن نسبي في الطلب العالمي على الطاقة. وتشير معظم التقديرات إلى أن متوسط سعر النفط في 2026 قد يتراوح بين 60 – 70 دولارًا للبرميل، لاستمرار تعرضه لضغوط البيئة الاقتصادية العالمية.
وفي هذا السياق، نرى أهمية التركيز في 2026 على ثلاث سياسات أساسية: أولًا، تعميق التنويع الاقتصادي عبر دعم الصناعات ذات القيمة المضافة والاقتصاد المعرفي؛ ثانيًا، تعزيز الاستدامة المالية من خلال تحسين كفاءة الإنفاق وتوسيع القاعدة الضريبية غير المباشرة دون الإضرار بالنمو؛ وثالثًا، الاستثمار المكثف في رأس المال البشري والتكنولوجيا، بما يضمن تحويل النمو الاقتصادي إلى مكاسب اجتماعية مستدامة.