المجلس العشرون.. ومواجهة التحديات*د. ابراهيم بدران
الغد
تم إنجاز الانتخابات النيابية للمجلس النيابي العشرين بشكل أقنع الجميع بنزاهة الانتخاب، وحيادية المؤسسات الرسمية، والتزام الجمهور بالقواعد المناسبة التي وضعتها الهيئة المستقلة للانتخابات، والأمن والهدوء الذي سهرت عليه كوادر الأمن العام.
واليوم أصبح المواطن أمام مجلس نيابي يختلف في أشخاصه وفي بنائه عن المجالس السابقة. فالجسم الأكبر من المجلس، 104 نواب هم وهن حزبيون وحزبيات ويشكلون ثلاثة أرباع المجلس، وينتمون إلى عشرة أحزاب. وبالتالي فإن الصفة الفردية لأعضاء المجلس (مع الاحترام للجميع) تراجعت لتحل محلها الصفة الجمعية. وهذا يضع على المجلس مسؤولية كبيرة، لإثبات أن هذه الأحزاب قادرة على العمل ومن ثم التآلف والتكتل والتشارك في الجهود لما فيه مصلحة الوطن من جانب، ولإقناع المواطن بأن العمل الحزبي حين يكون مسؤولا ومنتجا وبعيدا عن الشعبوية يعود بالفائدة على الوطن بأكمله من جانب ثان، ولتجسير فجوة الثقة بين المواطن وبين مجلس النواب من جانب ثالث. تلك الفجوة التي اتسعت وتعمقت خلال المجالس السابقة بسبب ضعف الأداء وارتجالية التفاعل مع الأحداث بعيدا عن الدراسة وآراء الخبراء وتركيزا على تبادل المنافع والاستنفاع. صحيح أن المال "الرمادي" لعب دورا لدى البعض من أحزاب في القوائم العامة والأفراد في القوائم المحلية من خلال ترتيب القائمة الانتخابية ولكن ذلك الخلل هو مسؤولية تلك الأحزاب أو الأفراد بذواتهم وليس الجهاز الحكومي. ولتحقيق تجسير فجوة الثقة، وليكن المجلس العشرون ركنا يمكن البناء عليه فإنه مطالب بالتركيز على القضايا الرئيسية التي يواجهها الأردن، ويكون شريكا فاعلا في متابعة ومراقبة وتطوير الحلول لها.
وفي مقدمة هذه القضايا يمكن الاشارة إلى ما يلي:
اولا: المسار الاقتصادي. إذ دأبت الإدارات المتعاقبة على النظر إلى الاقتصاد الأردني أنه بالضرورة اقتصاد ريعي خدمي لا يتحرك إلا من خلال المساعدات والمنح والقروض والاستثمار من الخارج، بدلا من أن تنظر إليه باعتباره "اقتصادا إنتاجيا أساسه العمل والإنتاج الحديث في جميع القطاعات". وكان معدل النمو الاقتصادي متواضعاً وفي حدود 2.5 %، ومع هذا لم تأخذ الحكومات المتعاقبة منهاج تصنيع الاقتصاد الوطني كمسار اقتصادي دائم. ولذلك تصاعدت المديونية بشكل مطرد، رغم الأرقام النسبية الطفيفة المطمئنة بين حين وآخر. وأغفلت الحكومات أهمية "الاستثمار الوطني الجمعي" سواء في المشاريع الكبيرة الإستراتيجية كالمياه والنقل والطاقة والسكة الحديد أو في المشاريع المتوسطة كالصناعات الكيميائية
الكهروميكانيكية والإلكترونيات وغيرها الكثير. ولذا بقيت معظم المشاريع بعيدة عن المحافظات ولم يتم الافادة من العقول والمهارات الأردنية والصناعات الكبرى لدينا والمؤسسات المالية لتكون قاطرة لعملية تصنيع الاقتصاد . ومن هنا يتساءل المواطن: "هل يستطيع مجلس النواب الجديد أن يعمل بالتعاون مع الحكومة ومختلف المؤسسات والأحزاب باتجاه تصحيح المسار؟
ثانياً: الفقر والبطالة. و"هذه عناوين مؤلمة للمواطن" لا يجوز تجاهلها، أو الاقتناع بتحسينات نسبية طفيفة فيها. وقد جاءت نتيجة للمسار الريعي والتركيز على المستثمر من الخارج. فإن تستمر البطالة لعدة سنوات في حدود 20 % والفقر في حدود 24 % فهذا أمر لا يجوز الاستهانة به أبدا. فلا نجد مصانع صغيرة أو متوسطة في القرى والأرياف، والتي تعاني من التأثيرات السلبية للتغير المناخي وقلة الامطار على الزراعة. فهل يمكن لمجلس النواب ان يدفع باتجاه إعطاء الفرصة لتخفيض البطالة في المحافظات وتخفيف حدة الفقر دون ان يهجر الشباب قراهم وبلداتهم؟
ثالثاً: الموضوع السياسي. في إطار العدوان الإسرائيلي الهجمي على غزة والضفة الغربية، راح قادة الاحتلال يهددون بتهجير السكان إلى مصر والأردن، ويرسمون الخرائط كما يتخيلونها. وكان للملك بل وللأردن موقف حاسم برفض ذلك. وفي مجال السياسة الخارجية فإن الأردن وبقيادة جلالة الملك أوضح للعالم حقيقة ما يجرى ولم يترك فرصة دبلوماسية لصالح القضية الفلسطينية إلا وكان طرفا فاعلا فيها. ومع هذا، فإن غدر الاحتلال قائم في كل لحظة. وهذا يستدعي العمل على المواجهة السياسية العاقلة والحازمة في نفس الوقت. فهل يمكن أن يكون للمجلس دور فاعل مع البرلمانات العربية والدولية من جانب والدفع والمساهمة في تقوية وتمتين الجبهة الداخلية، وشد النسيج الوطني من جانب ثان، حتى لا ينجح الاحتلال في اختراق الحاجز الوطني الصلب بكل ما يلزم ذلك من يقظة وإعلام مستنير وثقافة واعية وتأهيل للشباب ليكونوا سنداً لقوى الجيش العربي والقوى الأمنية الذين يحتلون مكانة التقدير والاحترام في ضمير كل مواطن؟
رابعاً: مراجعة التشريعات. فقد صدرت بعض القوانين والتشريعات والاتفاقيات التي أثبت تطبيقها انها بحاجة إلى المراجعة والتعديل أو التغيير، ومنها قانون الجرائم الإلكترونية وضريبة الدخل للشركات والبنوك والتي لا تتحرك تصاعدياً حسب أرباحها وفق الدستور ومعالجة المال الرمادي في الانتخابات وغير ذلك. فهل يمكن للمجلس أن يتعاون مع الحكومة في تعميم وتعميق المزيد من العدل والانصاف ليشعر كل مواطن بأن مصالح الوطن والمواطن مأخوذة بعين الاعتبار؟
لا نستطيع إلا أن ننظر بأمل وتفاؤل ورضا باتجاه المجلس الجديد ليكون نموذجاً جديدا يقوم على البرامج الحزبية الصادقة والقائمة على العلم والخبرة والعمل الجمعي والتي سيحاسب المجلس
والأحزاب عليها في الانتخابات القادمة، وليشجعوا الجميع على التعاون ويشجعوا الشباب على العمل الحزبي والانخراط في صناعة المستقبل لوطنهم الذي يحبون.