أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    10-Apr-2025

الهندرة: ركيزة التحول الرقمي في الأردن

 الغد

د. حمزة العكاليك
 
عمان- تعد الهندرة أو إعادة هندسة العمليات (Business Process Re-engineering) عملية إدارية أساسية تتضمن إعادة تصميم جذري للعمليات التشغيلية بهدف تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف وتعزيز جودة الأداء.
 
 
 وتستند هذه العملية إلى مراجعة شاملة للعمليات القائمة، وتحليلها بشكل علمي لتحديد النقاط الضعيفة، وإعادة هيكلتها بطريقة تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي. وفي ظل التحول الرقمي المتسارع الذي تشهده الدول، باتت إعادة الهندرة ضرورة إستراتيجية لتحقيق النجاح في بيئة الأعمال المعقدة.
ولا تقتصر أهمية إعادة هندسة العمليات على تحسين الأداء الداخلي للشركات والمؤسسات فحسب، بل تتعداها لتصبح عنصرًا حاسمًا في رحلة التحول الرقمي. ففي الأردن، تواجه المؤسسات تحديات عدة تتعلق بتقديم خدمات حكومية وإدارية رقمية متكاملة؛ منها ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص الكفاءات المتخصصة في إدارة التقنيات الحديثة، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية للبيئة الإدارية التقليدية على كفاءة الأداء. ويمكن القول إن إعادة الهندرة تُعد بمثابة المحرك الذي يمكن أن يحول المؤسسات الأردنية إلى كيانات رقمية رائدة تتمتع بمرونة واستجابة عالية لمتطلبات العصر.
وفقًا للدراسات العالمية، فإن تطبيق إستراتيجيات إعادة هندسة العمليات قد حقق نجاحات كبيرة في دول مثل الولايات المتحدة وإستونيا والهند. فعلى سبيل المثال، استطاعت إستونيا من خلال اعتماد الحكومة الإلكترونية وإعادة تصميم العمليات الإدارية أن تقلل من معدلات الفساد وتحسن جودة الخدمات العامة بنسبة تجاوزت 90 %. وتبرز هذه التجارب أهمية تبني مثل هذه الإستراتيجيات في الأردن لتعزيز شفافية الأداء الحكومي والخاص، مما يساهم في رفع مستوى الثقة بين المواطن والمؤسسة.
ولا بد من اتباع العديد من الخطوات لإعادة هندسة العمليات وتطبيقها في الأردن أولها وركيزتها الأساسية جمع وتحليل البيانات حيث تبدأ عملية إعادة الهندرة بجمع كافة البيانات المتعلقة بالعمليات الحالية داخل المؤسسات.
 يجب تحليل هذه البيانات باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي ونماذج التحليل الإحصائي لتحديد الفجوات والنقاط التي تتطلب تحسينًا.
 وفي هذا السياق، يُمكن للمؤسسات الأردنية الاستفادة من تجارب دولية في استخدام التحليل التنبؤي للكشف عن الأخطاء وتقليل الهدر.
ومن ثم يتم الانتقال إلى إعادة تصميم العمليات فبناء على التحليل، يتم إعادة تصميم العمليات بشكل يتناسب مع متطلبات الكفاءة الرقمية.
 ويشمل ذلك تبسيط الخطوات، من خلال إزالة الإجراءات غير الضرورية، ودمج العمليات المتشابهة لتحقيق استجابة أسرع وفعالية أكبر.
 ويمكن أن تستعين الشركات الأردنية بتجارب دولية مثل تلك التي حققتها شركات كبرى في مجال الخدمات اللوجستية والمالية لتطوير نماذج تشغيلية رقمية متكاملة.
يتبع ذلك تنفيذ التغييرات ورصد الأداء فبعد إعادة التصميم، يجب تنفيذ التغييرات على أرض الواقع ومراقبة الأداء عن كثب.
 ولذلك تستخدم الأنظمة الرقمية الحديثة كتقنيات المراقبة اللحظية (Real-Time Monitoring) للتأكد من تحقيق الأهداف المحددة، وإجراء التعديلات اللازمة في الوقت المناسب. ويتطلب ذلك تبني مؤشرات أداء رئيسة (KPIs) تُقيّم التقدم والتأثير على الإنتاجية والكفاءة.
وضمان فعالية ونجاح عملية التحول الرقمي لا بد من التدريب والتطوير، حيث إن أحد أهم جوانب إعادة هندسة العمليات هو تدريب الكوادر البشرية على استخدام التقنيات الرقمية الحديثة.
 ويتعين على المؤسسات الأردنية الاستثمار في برامج تدريبية مكثفة بالتعاون مع الجامعات والمعاهد التقنية لضمان تأهيل الموظفين لمواكبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
 إن تحديث الكفاءات البشرية يشكل ركيزة أساسية لاستدامة التحول الرقمي.
ولابد كذلك من ضمان الامتثال القانوني والشفافية فيجب أن تراعي عملية إعادة هندسة العمليات الجوانب القانونية، خاصة في ظل القوانين المحلية والدولية المتعلقة بحماية البيانات والخصوصية. ففي الأردن، يتعين على المؤسسات الالتزام بقانون حماية البيانات الشخصية والقوانين الأخرى ذات الصلة لضمان أن تبني الأنظمة الجديدة لا ينتهك حقوق الأفراد أو يهدد الأمن السيبراني. وتلعب اللوائح التنظيمية دورًا مهمًا في ضبط عمليات التحول الرقمي، مما يضمن الشفافية والمساءلة في التعامل مع البيانات.
إلا أن الأردن سيواجه تحديات متعددة في مسيرته نحو التحول الرقمي، منها ضعف البنية التحتية الرقمية، والفجوة في المهارات والكفاءات الرقمية، والاعتماد على نظم إدارية تقليدية لا تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي. ومع ذلك، تبرز فرص واعدة من خلال إعادة هندسة العمليات الرقمية ومن أهمها تحسين الأداء الحكومي فيمكن للتحول الرقمي وإعادة هندرة العمليات أن يساهما في تقليل البيروقراطية وتحسين كفاءة الخدمات العامة.
 إن اعتماد أنظمة الحكومة الإلكترونية يسهم في تقليل الفساد وزيادة الشفافية في تقديم الخدمات للمواطنين.
وكذلك تساعد إعادة هندسة العمليات على زيادة القدرة التنافسية فبإمكان المؤسسات الأردنية التي تعتمد إستراتيجيات إعادة هندرة العمليات الرقمية أن تتصدر المشهد الاقتصادي من خلال تحسين الخدمات، وتقديم حلول مبتكرة تخدم متطلبات السوق المحلية والعالمية. هذا من شأنه أن يجذب الاستثمارات الأجنبية ويدعم النمو الاقتصادي.
وكذلك ستساعد الهندرة على تحقيق التنمية المستدامة وتحسين العمليات الرقمية على خفض التكاليف التشغيلية وتحسين استخدام الموارد، مما يؤدي إلى تعزيز الكفاءة والاستدامة الاقتصادية. كما أن تحسين جودة الخدمات يسهم في رفع مستوى المعيشة وتخفيف حدة الفقر بين المواطنين.
كما ستساهم في تعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات فبتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي وأنظمة المراقبة الرقمية، حيث يمكن للمؤسسات تأمين بياناتها ومنع الاختراقات، مما يعزز الثقة في النظام الإداري والاقتصادي.
ومن أهم التوصيات لتحويل العمليات الإدارية الرقمية في الأردن وأهمها أولا الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، فيجب على الحكومة الأردنية زيادة الإنفاق على تطوير مراكز البيانات وشبكات الإنترنت عالية السرعة لضمان دعم العمليات الرقمية بكفاءة عالية.
وثانيا لا بد من تطوير الكفاءات البشرية فينبغي تعزيز برامج التدريب والتعليم في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات وإعادة هندرة العمليات، بالتعاون مع الجامعات والمعاهد التقنية المحلية والدولية.
وكذلك لابد من وجود إطار تنظيمي متكامل فمن الضروري تحديث القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية البيانات والأمن السيبراني لتتماشى مع المتطلبات الرقمية الحديثة، مع وضع معايير دقيقة لإعادة هندرة العمليات.
ولابد من تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص حيث يتعين على الحكومة الأردنية تحفيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتبادل الخبرات والابتكار في مجالات التحول الرقمي، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
ومن الأهمية بمكان تشجيع الابتكار في تقديم الخدمات فيجب تبني إستراتيجيات تركز على تحسين الخدمات العامة والخاصة عبر الأدوات الرقمية، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على حقوق الأفراد وخصوصيتهم.
وفي الختام، ففي ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، تبرز إعادة هندرة العمليات الرقمية كأداة حيوية لتحويل البيئة الإدارية في الأردن إلى نموذج من الكفاءة والشفافية. إن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتطوير الكفاءات البشرية، وتحديث الإطار القانوني، مع تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، يشكل الركيزة الأساسية لتحقيق التحول الرقمي الشامل. من خلال هذه الإجراءات، يمكن للأردن أن يحول بياناته إلى ذهب رقمي، ويصبح نموذجًا يحتذى به في المنطقة، مما يدعم النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، ويعزز مكانته كدولة رائدة في عصر المعلومات والابتكار.