أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    12-Jan-2025

الدفع الإلكتروني: الحلول والخصوصية في مواجهة التحديات

 الغد-م. فادي سوداح 

 على مدار القرون، كانت العملات المعدنية وسيلة تبادل أساسية للحصول على السلع والخدمات. لاحقًا، ظهرت الأوراق النقدية لتكمل هذا النظام. النقود التقليدية توفر مستوى عاليا من الخصوصية؛ فعند الدفع نقدًا، يظل الفرد مجهول الهوية إلى حد كبير، خاصة إذا لم يكن معروفًا شخصيًا للبائع أو لم يكشف عن تفاصيل المشتريات لأي طرف آخر. ومع ذلك، في العصر الحديث، بدأت هذه الوسائل التقليدية تفقد مكانتها تدريجيًا لصالح طرق الدفع الإلكترونية. أصبح من السهل الآن ببساطة تمرير ساعة ذكية أو الهاتف المحمول أمام جهاز دفع لتسديد قيمة المشتريات، مما يلغي الحاجة إلى حمل النقود المعدنية أو الورقية. تقدم وسائل الدفع الإلكترونية خيارات واسعة تشمل التحويل البنكي، بطاقات الخصم والائتمان، العملات الرقمية،خدمات الدفع الرقمي، وخدمات أخرى. رغم مزايا وسائل الدفع الإلكترونية مثل السهولة والسرعة، تظل هناك تحديات تتعلق بالخصوصية والأمان. 
 
بينما توفر طرق الدفع الإلكترونية خيارات أكثر راحة وملاءمة، إلا أنها تتطلب مشاركة أوسع للبيانات الشخصية. مع تزايد الاعتماد على الدفع الإلكتروني، تبرز الحاجة الملحة لتحسين مستويات الأمان وتعزيز الخصوصية لحماية المستخدمين من مخاطر التتبع أو الاختراق. عند استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، غالبًا ما تُشارك البيانات الشخصية مع مزودي الخدمات، المتاجر، وحتى الجهات الحكومية، مما يؤدي إلى تقليل مستوى الخصوصية الفردية. علاوة على ذلك، تواجه هذه الوسائل تحديات أمنية متعددة، حيث يمكن للهجمات الإلكترونية، مثل التصيد الاحتيالي، أن تستهدف الحسابات الإلكترونية، مما يزيد من احتمالية فقدان الأموال مقارنة بالدفع النقدي.
بالطبع، الدفع باستخدام الساعة الذكية أو البطاقة أو جهاز الهاتف المحمول أكثر عصرية وراحة. لكن، بأي ثمن؟ السؤال هنا: ما البديل الليبرالي المكافئ للنقد الذي يوفر مستوى الخصوصية نفسه؟ مع تزايد القوانين واللوائح الصارمة التي تحكم كل أشكال الدفع غير النقدية، هل يمكن أن يؤدي غياب بديل إلكتروني مجهول ومقبول إلى عودة استخدام النقد كخيار أساسي؟ الخصوصية التي يوفرها النقد لا مثيل لها، ولكن مع التحول الرقمي، أصبحت المؤسسات المالية وحتى الدول تمتلك قدرة أكبر على مراقبة وتحليل الطريقة التي ندير بها مواردنا المالية.
في ظل هذه التحولات، برزت العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين Bitcoin، كأحد البدائل المحتملة التي تثير جدلاً واسعاً. فهي من جهة تمثل وسيلة دفع واعدة للمستقبل، ومن جهة أخرى تثير مخاوف بشأن استخدامها لأغراض غير قانونية. ومع ذلك، تزايدت الرقابة والتنظيمات حول العملات المشفرة، حيث أُدخلت تعديلات على القوانين المالية في العديد من الدول لضمان أن تكون هذه العملات تحت إشراف الجهات الرقابية، مما يفتح المجال لمزيد من التساؤلات حول أمان وخصوصية هذه البدائل الرقمية.
قبل التطرق إلى الحفاظ على الخصوصية عند التداول باستخدام البيتكوين   Bitcoin، يجب أولاً توضيح التعريف المستخدم. تُفهم الخصوصية على أنها قدرة الفرد أو المجموعة على إخفاء أنفسهم أو المعلومات المتعلقة بهم، والتعبير عن أنفسهم بالطريقة التي يرغبون بها. وبشكل محدد فيما يتعلق بالمال، يبرز مكونان رئيسيان للخصوصية Privacy: إخفاء الهوية Anonymity والشفافية Transparency. يمكن تمثيل التفاعل بين الخصوصية وإخفاء الهوية والشفافية بالصيغة الرياضية الآتية P = A / T، وبالتالي، تكون الخصوصية في أعلى مستوياتها عندما يكون إخفاء الهوية في ذروته والشفافية في أدنى مستوياتها.
الشفافية في العملات الرقمية تعني أن جميع المعاملات مسجلة على البلوكشين Blockchain ويمكن لأي شخص الاطلاع عليها. ورغم وجود تقنيات حديثة تهدف لتقليل الشفافية، مثل Zero-Knowledge Proofs        ZKP -، تظل معظم العملات الرقمية، مثل البيتكوين، شفافة تمامًا. هذه الشفافية تعزز من إمكانية تتبع الأموال، لكنها تقلل من مستوى الخصوصية الفعلي. رغم أن تقنية البلوكشين Blockchain  تتيح إنشاء مفاتيح خاصة عشوائية من دون التمييز بين الأفراد بناءً على العمر أو الجنس أو العرق، فإن القوانين الدولية أضافت العديد من القيود، إذ تفرض القوانين المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال Anti-Money Laundering  AML وتمويل الإرهاب على منصات التداول التحقق من هوية المستخدمين   KYC - Know Your Customer، مما يقلل من مستوى المجهولية.
يمكن للحكومات والمؤسسات استخدام تقنيات تحليل متقدمة لربط الأنشطة بالأشخاص، مما يؤدي إلى حالة من المجهولية الزائفة. هذه الحالة تعني أنه على الرغم من أن هوية المستخدم قد لا تكون مرئية بشكل مباشر، إلا أنه يمكن تتبع المعاملات وربطها بهوية حقيقية إذا توفرت معلومات كافية. هذا التحدي يبرز بشكل خاص في ظل الترويج للبيتكوين والعملات الرقمية كوسيلة آمنة ومجهولة الهوية، حيث يتضح أن مستوى الخصوصية الفعلي محدود بسبب الشفافية العالية والتنظيمات القانونية الصارمة.
في هذا السياق، تسعى ألمانيا لأن تكون رائدة في تنظيم العملات الرقمية، واضعة قواعد واضحة لضمان الامتثال وتجنب إساءة الاستخدام. 
هذه الجهود تتماشى مع استراتيجيتها الرقمية، التي تهدف إلى جعلها في طليعة الدول الأوروبية في تبني الأصول المشفرة. في العام 2020، أُدخلت تعديلات على قانون الخدمات المصرفية الألماني    Kreditwesengesetz  KWG لتعريف العملات الرقمية كأدوات مالية. كما تم تصنيف نشاطات حفظ العملات المشفرة كخدمات مالية تتطلب ترخيصًا من الهيئة الرقابية الفيدرالية BaFin تشمل المتطلبات التنظيمية تحديد هوية المستخدمين، الامتثال لقوانين مكافحة غسيل الأموال، ومراقبة المعاملات بشكل مستمر. كما أصبح من الضروري تسجيل مزودي خدمات حفظ العملات المشفرة والحصول على تراخيص، سواء كانت المحافظ الرقمية سواء المتصلة أو غير المتصلة بالشبكة.
ورغم الجهود التنظيمية، تظل مخاطر سرقة البيانات وإساءة استخدامها قائمة. على سبيل المثال، يعد اختراق البلوكشين نفسه شبه مستحيل نظرًا لقوة التشفير المستخدم، لكن التصيد الاحتيالي يظل خطرًا كبيرًا، حيث قد يحاول المهاجمون سرقة المفاتيح الخاصة. غياب دور الوسيط المالي التقليدي (البنك) يزيد من المخاطر، إذ يكفي امتلاك المفتاحين العام والخاص للتحكم الكامل بالحساب. وفي حال إساءة استخدام البيانات، يصبح من الصعب حماية المتضرر قانونيًا، حيث لا تعد العملات الرقمية أصولًا مادية يمكن تطبيق قوانين الملكية التقليدية عليها.
في ظل التحول المتزايد نحو وسائل الدفع الإلكترونية، يمكن اتخاذ العديد من الخطوات لتحسين الخصوصية وحماية المستخدمين. من أبرز هذه الحلول تطوير تقنيات جديدة مثل التشفير المتقدم والأدلة الصفرية Zero-Knowledge Proofs - ZKP  لضمان سرية المعاملات. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الجهات التنظيمية تعزيز متطلبات الأمان من خلال فرض معايير صارمة على مزودي خدمات الدفع، مثل تقديم خيارات تتيح للمستخدمين مستوى أعلى من التحكم ببياناتهم الشخصية. تعزيز التوعية بأهمية الخصوصية بين المستخدمين وتشجيع المستخدمين على استخدام تقنيات مثل المحافظ غير المتصلة بالشبكة Cold wallets يمكن أن يحد من المخاطر. في نهاية المطاف، يتطلب تحقيق التوازن بين الراحة الرقمية والخصوصية وجود أطر تنظيمية قانونية وتقنية ومعايير عالمية، إضافة إلى تعاون مشترك بين المستخدمين، المطورين وصناع القرار.