الغد
والسياسات لعام 2025، والذي يهدف إلى مأسسة عملية قياس أثر التشريعات والسياسات والقرارات التي تتخذها الحكومة لضمان جودتها، حيث تبنى فكرة النظام على تقييم الأثر المتوقع بصورة استباقية في المرحلة الأولى، ليتم لاحقا تقييم الأثر اللاحق بعد فترة زمنية محددة من تطبيق التشريعات والسياسات.
أما مشروع النظام فيأتي في اطار الاستمرار في عملية تحديث القطاع العام، ودراسة الآثار المترتبة على تبني واقرار التشريعات وفي الوقت ذاته دراسة الآثار اللاحقة لرسم السياسات وتطبيقها.
وفي هذا السياق، وفي اطار هذه الخطوة المهمة التي شكلت مطلبا سابقا ومتكررا بضرورة اخضاع هذه المخرجات والمدخلات المحورية في بناء الدولة للتقييم، فإنه من الضرورة بمكان الوقوف على سؤال مهم وهو ماذا يعني اقرار نظام لتقييم أثر التشريعات والسياسات، وكيف من المفترض أن ينعكس ايجابا على البناء القانوني وعلى رسم السياسات العامة في الدولة.
ابتداء وفي الاطار التشريعي، يعد تقييم الأثر السابق واللاحق للتشريعات المنوي سنها دعامة أساسية في بناء السياسة التشريعية التي تستند الى مراحل عدة وصولا الى الصياغة التشريعية بمفهومها المُتكامل التي لا تقتصر على إخراج النص القانوني بصورته النهائية وإنما تتجاوز ذلك لتشمل دراسة مدى الحاجة إلى النص التشريعي، ودراسة الجدوى التشريعية منه اقتصاديا واجتماعيا وغير ذلك، ومدى وجود ثغرات حقيقية في المنظومة القائمة على أرض الواقع تستدعي تبني؛ وذلك منعاً للتضخم التشريعي وما قد ينتج عنه من تضارب وازدواج وتكرار تشريعي أيضاً يؤدي إلى إضعاف الهيكل القانوني للدولة.
وفي سياق متصل تحقق دراسة الاثر التشريعي مبدأ مهما من المبادئ التي تقوم عليها دولة القانون، وهو الأمن القانون؛ ذلك أن ثقة الفرد في العملية التشريعية وادراكه بأنها عملية تخضع لبناء منهجي علمي، ويخضع لاحقا لقياس الأثر وللتقييم، تؤدي الى تيقنه من أن النص القانوني الذي يخضع له وغيره من الافراد نص عام ومجرد ومحايد، يحقق التوازن بين المصالح المتعارضة إن وجدت، ويحقق التوازن ايضا بين حقوق الافراد وحماية المجتمع. ومن ابرز مقتضيات مبدأ الامن القانوني أن يستشعر الفرد قدرته على العلم اليقيني بالنص القانوني وشعوره بأنه نص يعمل على تحقيق المصلحة العليا؛ ما يؤدي الى التزام الافراد به والسعي نحو منع المساس بالتشريعات ومضامينها من أي طرف آخر وهو ما يحقق بالنتيجة سيادة القانون، التي يتحمل مسؤوليتها الفرد والجهات ذات العلاقة على قدم المساواة.
أما في اطار السياسات والتي تشكل المظلة الأكبر التي تؤدي بالنتيجة الى انفاذ واعمال الحقوق من خلال وضع استراتيجيات وبرامج العمل واستحداث المؤسسات وتفعيلها ووضع الاطر العامة التي ستشكل آليات للعمل في كل مجال، فإن اخضاعها للقياس والتقييم سيسهم في رسم سياسات اجتماعية او اقتصادية او سياسية ابتداء قائمة على معلومات وارقام دقيقة وهو الامر الذي نحتاج بشدة، فكلما بنيت السياسات على رؤية واضحة ومنهجية دقيقة وارقام تعكس واقع الحال، كلما كان ذلك ايذانا بقرب تحقيق تطلعاتها ومضامينها لوقوفها على ارضية راسخة وحقائق قائمة.
خلاصة القول، إن العمل على مأسسة نظام وطني فاعل للتشريع وللسياسات واخضاعه للتقييم والمراجعة عملية تعكس سعيا نحو حوكمة القطاع العام وترسيخ مكونات وعناصر الحكم الصالح في اطار التشريعات والسياسات ايضا لضمان ان تكون على قدر من الشفافية والشمول وتحقيق المصلحة العامة وبالنتيجة المضي قدما بما يليق بالأردن في مئويته الثانية.