الغد-رهام زيدان
دعا خبراء الحكومة إلى ضرورة اتخاذ خطوات إجرائية حقيقية لتغيير الواقع في قطاع الكهرباء محليا لا سيما في ظل تضخم المشاكل التي تعصف بشركة الكهرباء الوطنية.
وللتوضيح أكثر، فشركة الكهرباء الوطنية تقوم بشراء مصادر إنتاج الطاقة ثم تبيعها لشركات التوليد العاملة في المملكة، وثم تشتري الطاقة الكهربائية المولدة من هذه الشركات ثم تقوم بعد ذلك ببيعها لشركات التوزيع الثلاثة: الكهرباء الأردنية، وتوزيع الكهرباء، وإربد، التي تزود المستهلكين فيها باعتبارها الحلقة النهائية.
وبينما توافق الخبراء على ضرورة "تغيير الواقع" إلا أنهم اختلفوا حول آلية العمل، فمنهم من يرى ضرورة تخلي الحكومة عن نموذج "اللاعب الوحيد في السوق" الذي تمارسه شركة الكهرباء الوطنية لأن ذلك يكبد الشركة خسائر كبيرة.
ويدعو هؤلاء إلى ضرورة فتح السوق أمام جميع الشركات لحرية بيع وشراء مصادر إنتاج الطاقة وكذلك حرية بيع وشراء الطاقة المنتجة بدل حصرها في شركة الكهرباء الوطنية في معظم الأحيان.
لكن آخرين يرون أن العمل ضمن الآلية الحالية هو الأنسب في الوقت الراهن لأن السوق المحلي صغير ولا يتحمل تقسيم الأنشطة بين عدة جهات.
وأسماء الشركات وهي الكهرباء الأردنية، وإربد، والتوزيع، وهي تمثل شركات تقوم بتوزيع الكهرباء وليس التوليد.
ويؤكد خبراء أن هذه العملية "معقدة" وتكبد الشركة الوطنية للكهرباء خسائر عالية وتؤدي إلى انعدام المنافسة.
هذا النموذج من العمل، بحسب الخبراء، من الأسباب التي تكبد الشركة خسائر تتجاوز 5 مليارات دينار، شكلت هذه الخسائر ووفقا للتقرير السنوي 2022 ما نسبته 75 % من رأس المال المدفوع، فيما كانت هذه الخسائر 4.92 مليار دينار بنهاية العام الذي سبقه.
كما تتكبد الشركة وفقا لبيانات سابقة أصدرتها نحو 120 مليون دينار خدمة دين، كما أوضحت في ذلك الوقت أن نقص الإيرادات يرجع إلى تأخر سداد الذمم المستحقة على شركات التوزيع والتي تبرر السببب بدورها إلى تأخر المؤسسات في سداد أثمان اشتراكاتها.
وبحسب موازنة شركة الكهرباء الوطنية، فإنه من المقدر أن يرتفع عجز إيرادات الشركة للعام الحالي إلى 210.7 مليون دينار من نحو 185 مليونا معاد تقديرها للعام الحالي، إذ إنه من المقدر أن تحقق الشركة عجزا في صافي الإيراد الناتج عن عملية بيع الكهرباء العام المقبل بنحو 305.5 مليون دينار من نحو 250.7 مليون دينار معاد تقديرها عن العام الحالي.
وبلغ مجموع النفقات الرأسمالية المقدرة للعام الحالي بحسب الموازنة نحو 40.15 مليون دينار مقارنة مع نحو 30 مليون دينار معاد تقديرها عن العام الحالي، والباقية للنفقات الجارية.
وقال عضو مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والبيئة والمياه د. ماهر مطالقة "واقع قطاع الكهرباء أصبح يستدعي التفكير جديا في كيفية الخروج من نموذج اللاعب الوحيد في القطاع لصالح المنافسة بين الشركات فيه، بما يخدم في نهاية الأمر المستهلكين".
وبين أن ترك دور المشتري والبائع والناقل الوحيد للطاقة الذي تلعبه شركة الكهرباء الوطنية لتتنافس شركات القطاع على هذه المهام سيولد بالضرورة منافسة وخفضا للأسعار، على غرار تجربة قطاع الاتصالات، وفي النهاية سيكون المستهلك مستفيدا من التنافس بين هذه الشركات عدا عن تحسين نوعية الخدمات المقدمة لهم.
وبين أن الخروج من هذا النموذج دفعة واحدة ليس سهلا، بل يتطلب أن يكون ذلك تدريجيا وفقا لما تضمنته مخرجات رؤية التحديث الاقتصادي التي تضمنت التفكير بآلية للتحول التدريجي من هيكل عمل شركة الكهرباء الوطنية الحالي وقد بدأ ذلك بنزع مسؤولية نقل واستيراد وتوزيع الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى نقل مهمة استيراد وتوزيع الغاز الطبيعي والمسال للشركة اللوجستية للمرافق النفطية، لتبقى على كاهل الشركة مسؤولية استيراد الوقود ونشاطات النقل والبيع.
كما يجب وفقا لمطالقة عدم تحميل الشركة الوطنية فروقات الأسعار بين حلقات عملها والناتجة أيضا عن شكل التعرفة الكهربائية الحالي والعمل على التوصل لتعرفة توصل الدعم لمستحقيه الفعليين، وأن يكون دورها هو إدارة الشبكة الكهربائية والخدمات المساندة لها.
وتشير أحدث بيانات وزارة المالية إلى أن إجمالي الدين العام للأردن وصل إلى 42.513 مليار دينار حتى نهاية شهر أيار (مايو) من العام الحالي، بما في ذلك الدين المترتب لصالح صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، ليشكل ما نسبته 115.2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وحاولت "الغد" الاتصال بشركة الكهرباء الوطنية لكن لم يتسن الرد.
من جهته، قال عميد الكلية الوطنية للتكنولوجيا د. أحمد السلايمة إن كون "الكهرباء الوطنية" المشتري والبائع الوحيد للطاقة فإن ذلك كلفها خسائر كبيرة تراكمت في نهاية المطاف على موازنة الدولة، باعتبار أن الشركة حكومية.
وقال إن "الحكومة عندما بدأت مشروع خصخصة قطاع الكهرباء في التسعينيات بنشاطات توليد وتوزيع الكهرباء، أبقت نقل الطاقة من مصادر التوليد إلى منافذ الاستهلاك" مشيرا إلى أن واقع القطاع حاليا يتطلب تغيير هذه الآلية وهو ما أوصت به أيضا رؤية التحديث الاقتصادي.
وبين السلايمة أن تراكم الخسائر على الشركة بهذا الحجم يعيق مساعيها للاستثمار أو الاقتراض لغايات التطوير، وهنا تأتي مسؤولية الحكومة في تحمل عبء هذه الديون التي تراكمت على الشركة نتيجة تحميلها مسؤولية تأمين موارد الطاقة بأسعار مرتفعة.
وهذا ما أكد عليه أيضا المدير العام السابق للشركة د. أحمد حياصات الذي بين أن الديون جاءت نتيجة قرارات اتخذتها الحكومة في حينه، ما يفرض عليها الآن أن تأخذ على عاتقها تبعات هذه الديون التي ما تزال تكبد الشركة أيضا فوائد سنوية عالية.
أما بخصوص إعادة النظر بعمل الشركة، فرأى حياصات أن النموذج الحالي هو الأنسب في المرحلة الراهنة إذ إن السوق المحلي صغير لا يتحمل تقسيم الأنشطة بين عدة جهات.