الغد-كانت ساعة قاسية بحق على الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، خلال المقابلة التي أجريت معه، الأسبوع الماضي، على تلفزيون "بي. إف. إم. تي في" وإذاعة "آر. إم. سي". حديث جاد في الاقتصاد، ومحاسبة لا تخطئها العين أو الأذن، بدا فيهما الإعلام، ومعه كل المشاركين باتصالات على الهواء، أندادا لرئيس دولة عظمى؛ فلا مكان للخديعة أو العلاقات العامة.
في نصف الساعة الأولى المخصصة للتلفزيون، تحدث أولاند عن بطء إصلاحاته الاقتصادية، واعترف أنه نادم بشدة على الفرص التي ضاعت منه بعد عامين من وصوله إلى "الإليزيه". كما قال إنه لم يحدث التغيير المطلوب الذي وعد به خلال حملته الانتخابية في العام 2012، وتحدث عن تدني شعبيته إلى ما دون 20%، هي الأدنى لأي زعيم فرنسي على امتداد نصف قرن. واعتبر أنه قصّر في تحذير الفرنسيين من خطورة الوضع الاقتصادي. أما اعترافه الأكثر أهمية، فيتعلق بفشله في الحد من البطالة أواخر العام الماضي. وقد شكلت البطالة بنسبة 10% اختبارا حقيقيا لترشح الرئيس الفرنسي لولاية ثانية في العام 2017، وقالها صراحة بأنه لن يترشح ما لم يحد من البطالة، وفقا لما وعد به الفرنسيين.
مذيع يقاطع رئيس دولة عظمى مرات ومرات. وكذلك فعل المستمعون الذين شاركوا في الحوار. وتم وصفه بـ"الهاوي" في سياق تقييم طريقة تعاطيه مع أزمة منطقة اليورو، كما وصف بـ"المتهور" قراره بالتدخل في مالي عسكريا. ومن اللافت أيضا في الشق الاقتصادي للمقابلة، أن عاملا في مخبز قدم رأيا قويا في نظام التقاعد، ودافع عن حقه وحقوق زملائه في احتساب التقاعد الأفضل لطبيعة عملهم. وقد رد عليه أولاند بتواضع، وحاول ملامسة مطالب عامل المخبز، في مشهد يكشف جدية وصدقية وواقعية المقابلة!
بدا الرئيس في المقابلة خادما للأمة الفرنسية، وكان الإعلام حقيقيا في دوره، ونقل صوت الشارع المنتقد لأولاند وسياساته، وخلت الساعة الثرية من أي كلام فارغ أو نفاق أو خداع. وشكلت الصراحة والرقابة ومحاسبة المسؤول، ملامح واضحة، تشعر المتابع أن رجل الدولة الفرنسية الأول كان تحت عين الرقيب، وأن وجع الفرنسيين الاقتصادي هو الأهم.
بالتزامن مع مقابلة الرئيس الفرنسي تلك، ظهرت مقابلات مع مسؤولين عرب في مواقع متعددة من مستوى المسؤولية، لكنها جاءت مخادعة ومخيبة للآمال، ومضيعة للوقت. إذ بدا فيها "الزعيم الملهم" فوق الاقتصاد والسياسة، بل فوق الأمة كلها، فلا رقابة ولا محاسبة ولا ما يحزنون، بل تدبيج للكذب والنفاق، وإظهار للمسؤول أو المرشح الرئاسي بمظهر المنقذ والبطل، في وقت يستمر فيه فشلنا في الاقتصاد، فيستوطن الفقر والجهل في بلداننا التي تحتاج إلى مواجهة حقيقية مع الذات، ومقارنة مع الآخر، من دون أي "لمسات تجميل" من طرف الإعلام تزيد الوجوه البشعة بشاعة.
وفي كل المقابلات واللقاءات الصحفية والإعلامية التي تحدث فيها مسؤولون أردنيون سابقون أو حاليون، لا تجد شخصا بجرأة أولاند معترفا بفشله، وليس ثمة عامل مخبز كذاك الفرنسي الذي حاجج الرئيس، والغياب نفسه يتكرر بالنسبة للإعلامي المحاور! فتستمر اللقاءات والمقابلات بشكلها الفج، لتروي فصولا جديدة من حكاية الخديعة.