تفعيل "ميثاق الذكاء الاصطناعي".. خطوة حاسمة نحو بيئة رقمية آمنة
الغد-إبراهيم المبيضين
أكد خبراء أن توجه الأردن لتفعيل ميثاق الذكاء الاصطناعي عبر إعداد خطة تنفيذية خلال المرحلة المقبلة يعد بمثابة خطوة مهمة باتجاه تنظيم استخدامات هذه التقنية.
وبين الخبراء أن تفعيل الميثاق الذي وضعته الحكومة منذ العام 2022 سوف يعزز ثقة المجتمع في استخدام هذه التقنية الحديثة متسارعة التطور وحماية البيانات والفئات الأكثر عرضة للمخاطر مثل الأطفال والطلاب وكبار السن وتسريع عملية تبني التكنولوجيا عبر إزالة الغموض الأخلاقي والتنظيمي ما يقود إلى بيئة رقمية آمنة وأكثر جذبا للاستثمار.
والميثاق الوطني للذكاء الاصطناعي يشمل بشكل عام مجموعة من المبادئ الأخلاقية الأساسية والتي تنطوي على قابلية المساءلة والشمولية والشفافية وعدم التحيز ومراعاة الخصوصية وتعزيز القيم الإنسانية وغيرها من المبادئ الأخلاقية التي تعزز سيادة القانون وحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية والتنوع وتراعي أهم المسائل الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي مع مراعاة متطلبات الابتكار والإبداع وحماية حقوق الملكية الفكرية.
الميثاق وتعزيز حقوق الإنسان
وقالت الخبيرة في مجال حقوق الإنسان المحامية نهلا المومني "وجود ميثاق لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الأردن يشكل عاملا مهما في تحديد اطر استخدام هذه الأداة التكنولوجية المستحدثة".
وأشارت إلى أنه من شأن وجوده ابتداء تعزيز وحماية حقوق الإنسان سواء من ناحية حماية الخصوصية أو بيانات المستخدمين خاصة الحساسة منها.
وأضافت المومني "من شأن مثل هذا الميثاق ضمان عدم تهميش بعض الفئات بفعل الخوارزميات وآليات عملها وكذلك عدم استخدام هذه الأداة عموما بما يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان سواء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية كالحق في العمل وعدم تحقيق المساواة والعدالة في هذا الإطار، بالإضافة إلى الحماية من تكريس الصورة النمطية لبعض الفئات في المجتمع ما يؤدي إلى التمييز بحقها".
ومن جانب آخر يساهم هذا الميثاق، بحسب المومني، في حماية بعض الفئات الأكثر حاجة للحماية من الاستغلال كالأطفال وكبار السن والأشخاص من ذوي الإعاقة.
محاور أساسية ضرورية للميثاق
وحتى يحقق ميثاق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الغاية المرجوة منه ، قالت المومني "هناك محاور أساسية يتوجب أن يتضمنها وفق ما أكدته المعايير الدولية لحقوق الإنسان أبرزها، العدالة وعدم التحيز والشفافية وحماية الخصوصية والبيانات واحترام حقوق الإنسان وضمان السلامة والأمن الرقمي والموازنة بين حماية الابتكار وتعزيز الفرص الاقتصادية وبين حماية حقوق الأفراد وحرياتهم".
ولفتت المومني إلى أنه لغايات تفعيل الميثاق " لا بد من إدماجه في السياسات والخطط الوطنية ووجود آليات رقابية تضمن تفعيله وتطوير آليات السيادة الرقمية والبنية التحتية ورفع كفاءة الأفراد والعاملين في مجال المهارات الرقمية.
وأضافت "وضع الميثاق في الأردن هو "خطوة رائدة ولكن تستوجب التفعيل والمتابعة"، وهناك تجارب عديدة لدول وضعت أطرا مماثلة لغايات ضبط استخدام هذه الأداة، بالإضافة إلى الأطر التي وضعتها آليات حماية حقوق الإنسان على المستوى الدولي".
وقال الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال م.هاني البطش "ميثاق الذكاء الاصطناعي هو بمثابة وثيقة مبادئ وطنية تُحدّد رؤية الدولة وقيمها في تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وهو يقدّم مجموعة من المبادئ العليا مثل العدالة، الشفافية، حماية الخصوصية، المساءلة، وحماية الفئات الأكثر تأثرا بالتقنيات".
وأكد أن أهمية الميثاق تكمن في أنه يبني الأساس القيمي لأي تشريعات وسياسات مستقبلية، ويشكّل مرجعاً وطنياً لقطاعَي الحكومة والقطاع الخاص، إضافة إلى أنه يمنح الثقة للمجتمع في تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي ويضمن انسجامها مع المعايير الأخلاقية والاجتماعية للدولة.
فروقات مع أشكال أخرى للتنظيم
وأوضح البطش أن هنالك فروقات بين مفاهيم الميثاق والإطار الأخلاقي وحوكمة الذكاء الاصطناعي رغم التقارب والتشابه بينها.
وقال "إلا أن هناك فروقاً جوهرية بينها فالميثاق هو وثيقة مبادئ عامة وقيم توجيهية غير ملزم قانونياً ولكنه يوضح التوجه الوطني، وهو يحدد "الرؤية الأخلاقية" للدولة".
وبين الإطار الأخلاقي فهو اكثر تفصيلاً من الميثاق، ويترجم المبادئ إلى إرشادات عملية، وهو يقدّم قواعد تُرشد المؤسسات في تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما انه يتضمن متطلبات مثل الشفافية، حق الشرح، تقليل التحيّز، وضوابط الخصوصية.
وأما حوكمة الذكاء الاصطناعي ، أكد البطش أنها تمثل منظومة قانونية وتنظيمية كاملة تشمل السياسات، التشريعات، المعايير، وإدارة المخاطر تتناول قوانين الذكاء الاصطناعي، سياسات البيانات، التصنيفات حسب درجة المخاطر، وآليات التدقيق والمساءلة وهي تتميز عن المفهومين السابقين بانها ذات طابع ملزم وقابل للتنفيذ.
فوائد وجود الميثاق كأداة تنظيمية
وعما يمكن أن يقدمه الميثاق من فوائد، قال البطش "يمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز قدرة الدولة على إدارة التحول الرقمي بشكل آمن ومسؤول، وتبرز أهميته التنظيمية في تعزيز الثقة المجتمعية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، توفير مرجعية وطنية تمنع تضارب السياسات بين المؤسسات، تسريع تبني التكنولوجيا عبر إزالة الغموض الأخلاقي والتنظيمي، حماية الفئات الأكثر عرضة للمخاطر مثل الأطفال والمرضى والطلاب ، تهيئة البيئة القانونية قبل سنّ التشريعات الملزمة، وجعل الدولة وجهة جاذبة للاستثمار عبر وجود إطار واضح للاستخدام الآمن والمسؤول".
تجارب عربية
وبين البطش انه رغم أن إعداد ميثاق وطني للذكاء الاصطناعي خطوة مهمة، إلا أنها ليست الأولى عالمياً ولا إقليمياً، إذ سبقتها عدة تجارب في المنطقة ، ففي الشرق الأوسط وضعت السعودية مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
(صادرة عن هيئة سدايا)، وفي الإمارات وضعت مبادئ وإرشادات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وفي البحرين وقطر وضعت أطر وإستراتيجيات تتضمن مبادئ أخلاقية واعتبارات حوكم، كما وضعت مصر الميثاق المصري للاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي.
تجارب دولية
وأشار إلى أنه قد جرى أيضا وضع ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي المعتمد من منظمة الإيسيسكو ويضم أكثر من 50 دولة إسلامية، كما أن الاتحاد الأوروبي نشر "المدونة الأخلاقية" ثم القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي، إلى جانب وضع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نظمة أصدرت مبادئ الذكاء الاصطناعي المسؤول، فضلا عن وضع اليونسكو "التوصية العالمية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي" (192 دولة).
وقال:"إن إعداد ميثاق وطني ليس الأول عالمياً، لكنه خطوة متقدمة ومهمة في السياق العربي، خاصة إذا صيغ وفق طبيعة المجتمع الأردني واحتياجاته والقيم الوطنية".
الميثاق والمخاطر والإبداع
وفي السياق ذاته، أكد البطش أن الميثاق أصبح ضرورة للحد من المخاطر خاصة مع الانتشار السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في كل القطاعات، وارتفاع المخاطر المتعلقة بالخصوصية، التحيّز، الأمان، وتأثيرات سوق العمل.
ويرى البطش أن هذا الميثاق لا يحدّ من الإبداع إذا صُمّم بأسلوب مرن يركز على المبادئ لا القيود، وقال:"إن الميثاق الجيد هو الذي يمنع إساءة الاستخدام دون منع الابتكار".
الذكاء الاصطناعي جزء من حياتنا اليوم
ومن جانبه أكد الخبير في مجال التقنية والبيانات د.حمزة العكاليك أن الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، أصبح " جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية، من القرارات الحكومية والخدمات الرقمية إلى التطبيقات التي نستخدمها دون تفكير".
ولفت إلى أنه مع هذا التوسع، بدأت الحاجة تظهر إلى وجود إطار واضح يحكم كيفية استخدام هذه التقنيات ويمنع تحولها إلى مصدر خطر.
وبين العكاليك قائلا " هنا تأتي أهمية ميثاق الذكاء الاصطناعي، ليس كوثيقة شكلية، بل كأداة تنظيمية تمنح الدولة القدرة على إدارة التحول الرقمي بطريقة أكثر أمانًا ومسؤولية".
وقال "الميثاق الذي تعمل عليه الدولة ليس الأول عالميًا، لكنه خطوة متقدمة على مستوى المنطقة، خصوصًا مع وجود تجارب دولية سبقت توضح أن العالم يتجه نحو وضع قواعد أساسية تضمن أن استخدام الذكاء الاصطناعي يخدم الناس ولا يهدد حقوقهم أو خصوصيتهم".
أهمية التعامل مع المخاطر الحقيقية
ويرى العكاليك أن الميثاق حتى يكون عمليًا وفعالاً، يجب أن يتعامل مع المخاطر الحقيقية التي ظهرت في السنوات الأخيرة، مثل التحيز في الأنظمة الذكية، تسرب البيانات، ضعف الحماية الأمنية للنماذج، وعدم وضوح المسؤولية القانونية عندما يصدر النظام قرارا خاطئا.
كما أن الاستخدامات عالية الخطورة — مثل تحليل السلوك أو اتخاذ قرارات حكومية حساسة تتطلب رقابة أكبر وتقييم أثر قبل السماح بتطبيقها.
وقال " القوة الحقيقية للميثاق لا تظهر بمجرد كتابته، بل في تفعيله على أرض الواقع. ذلك يتطلب آليات رقابية، تقارير دورية، قدرات بشرية مدرّبة، وإجراءات واضحة لأي مؤسسة تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي. هذا ما يجعل بعض الدول مثل سنغافورة نموذجًا ناجحًا، لأنها لم تكتف بوضع مبادئ عامة، بل حولتها إلى أدوات مستخدمة يوميًا داخل المؤسسات".
وأضاف العكاليك أن "الميثاق ليس مجرد وثيقة حكومية؛ إنه رسالة بأن الدولة تستعد بجدية لعصر جديد، وتجتهد كي تكون جزءًا من صناع المستقبل، لا مجرد متلقٍ لنتائجه ووجود ميثاق قوي ومفعّل يعني بناء بيئة رقمية أكثر أمانًا وثقة، وفتح الباب لابتكار مسؤول يوازن بين التطور وحماية المجتمع".
التنظيم يشجع الاستثمار والإبداع
وبخصوص الجدل حول ما إذا كان التنظيم يحد من الإبداع، قال العكاليك "التجارب تثبت أن العكس هو الصحيح، فالبيئات الأكثر تنظيمًا هي نفسها التي شهدت أكبر استثمارات في الذكاء الاصطناعي، لأنها تمنح الشركات والمطورين وضوحًا في المسؤوليات وحماية للبيانات، وتحد من المخاطر التي قد تعرقل نمو القطاع في المستقبل".