أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    18-Dec-2025

التجارة الإلكترونية في الأردن.. نمو متسارع يسبق التشريعات الحكومية

 الغد-عبدالرحمن الخوالدة

 في اللحظات التي تستمر فيها التجارة الإلكترونية في التوسع بوتيرة سريعة في الأردن، مدفوعة بتغير نمط الاستهلاك المصحوب بالتحول الرقمي، تتزايد التساؤلات حول جاهزية الأطر القانونية والتنظيمية الضابطة للقطاع، خصوصا مع ظهور فجوات تتعلق بالممارسات التجارية تارة وحماية المستهلك تارة أخرى.
 
 
 ورغم إطلاق وزارة الصناعة والتجارة والتموين في عام 2023 الخطة التنفيذية للإستراتيجية الوطنية للتجارة الإلكترونية للأعوام (2023-2025)، والتي تهدف إلى إيجاد إطار قانوني ينظم التجارة الإلكترونية ويسهم في تعزيز البيئة التنظيمية لهذا القطاع ومعالجة الفجوات، إلا أن ذلك الهدف لم يترجم على أرض الواقع بعد، وما زال هذا النوع من التجارة دون منظومة قانونية حتى الآن.
 ويشير تقرير دولي حديث إلى ضعف منظومة التجارة الإلكترونية في الأردن، لا سيما في مجال حماية المستهلك، ما يترك المستهلكين دائما عرضة للتحيزات السلوكية والتأثير على قراراتهم الاستهلاكية، وعليه تبدو الحاجة ملحة لإرساء القوانين الأساسية والبنى التحتية اللازمة للتجارة الإلكترونية.
 واعتبر مختصون أن التجارة الإلكترونية في الأردن، رغم توسعها اللافت وتحولها إلى عنصر أساسي في المشهد التجاري، ما تزال تعمل في مساحة غير منظمة وتفتقر للإطار القانوني الذي يضمن حقوق المتسوقين ويضبط ممارسات العاملين فيها.
 وأكد هؤلاء في تصريحات لـ”الغد” أن غياب التشريعات الناظمة وغياب الرقابة الفعلية أوجدا حالة من الفوضى في السوق الإلكترونية، سمحت بانتشار البيع غير المرخّص وعمليات الغش والتضليل، وأوجدت اختلالا كبيرا في قواعد المنافسة مع التجارة التقليدية التي تتحمل التزامات مالية وتشغيلية لا تُلزم بها المنصات الإلكترونية.
 وشددوا على أن استمرار هذا الواقع يعرض المستهلك لمخاطر متزايدة، ويلحق الضرر بالقطاع التجاري الرسمي وبالخزينة العامة، داعين إلى ضرورة الإسراع في سن قوانين واضحة وشاملة تنظم التجارة الإلكترونية وتحقق العدالة بين مختلف القطاعات الاقتصادية.
الإسكوا “: فجوة كبيرة في التغطية القانونية للتجارة الإلكترونية في الأردن
وكان تقرير أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة لغربي آسيا (الإسكوا) بعنوان “الارتقاء بحماية المستهلك في التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية”، اعتبر أن الإطار القانوني للتجارة الإلكترونية في البلدان المتوسطة الدخل يصنف على أنه ذو درجة متوسطة.
 ولفت التقرير الذي صدر أخيرا إلى أن الأردن لم تنشئ بعد أنظمة تجارة إلكترونية كاملة، مما يترك لديها فجوات كبيرة في التغطية القانونية لهذا النمط من التجارة. وأوضح التقرير أن الضمانات السلوكية الخاصة بالتجارة الإلكترونية في الأردن ضعيفة للغاية، حيث أن بيئة التجارة الإلكترونية في المملكة تفتقد للقواعد الصريحة التي تتناول الممارسات المضللة أو حقوق الانسحاب المبسطة، ولا تكفل قوانينه الحالية استرداد الأموال. وأشار التقرير إلى أنه رغم التوسع الملحوظ في التجارة الرقمية والإلكترونية في المنطقة العربية إلا أن كثيرا من الدول ما تزال تفتقد للقوانين الخاصة بها، كما أن ثقة المستهلكين ما تزال هشة، وقد أثبتت الأدوات القانونية التقليدية المصممة للتجارة في المتاجر الفعلية عدم كفايتها للسوق الإلكترونية الحالية. وحذرت من زيادة مخاطر الممارسات غير المنصفة في هذا النوع من التجارة في ظل ما تعانيه قوانين حماية المستهلك في المنطقة العربية.
 وتوقع التقرير أن يتضاعف حجم سوق التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نحو 41.6 مليار دولار عام 2023 إلى 80.3 مليار دولار بحلول عام 2029.
نوايا حكومية 
وفي الأثناء أكد وزير الصناعة والتجارة والتموين، يعرب القضاة، أن الحكومة تفاجأت بارتفاع غير مسبوق في أرقام التجارة الإلكترونية، إذ وصلت إلى 350 مليون دينار خلال العام المنصرم 2024.
وبين القضاة خلال مناقشات اللجنة المالية النيابية لمشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2026 سابقا أن هناك توجها حكوميا للتدخل في تنظيم هذا النوع المتنامي من التجارة، ومن أشكال التدخل المقترحة إنشاء منصة أردنية يتم من خلالها عرض المشاريع الصغيرة والمتوسطة منتجاتها وبيعها للأردنيين.
وكانت أمين عام وزارة الصناعة والتجارة والتموين، دانا الزعبي، كشفت في تصريحات سابقة خاصة لـ”الغد” عن توجه الوزارة إلى تنظيم القطاع غير الرسمي للتجارة الإلكترونية من خلال إعداد مسودة مشروع نظام التجارة الإلكترونية، والذي يغطي تعزيز البيئة القانونية والتنظيمية، وتنظيم شروط الترخيص وصحة العقود الإلكترونية، وحماية حقوق المستهلكين، وتنظيم العلاقة بين الأطراف المختلفة في عملية البيع والشراء الإلكتروني، وتوثيق المتاجر الإلكترونية، ووضع آليات لحل النزاعات وحماية البيانات الشخصية للمستهلكين.
غياب تشريع خاص يجعل المستهلك الحلقة الأضعف 
وقال رئيس جمعية حماية المستهلك، محمد عبيدات، إن “قطاع التجارة الإلكترونية في الأردن ما زال يفتقر إلى إطار قانوني منظم يحمي حقوق المستهلكين ويضبط عمل المتعاملين فيه”.
وأشار إلى أن المملكة لم تصدر بعد تشريعات خاصة بهذا النوع من التجارة على الرغم من الانتشار المتسارع لهذه الظاهرة على الصعيد المحلي.
وأوضح عبيدات أن غالبية الجهات التي تمارس التجارة الإلكترونية تعمل دون تراخيص رسمية، وتدير نشاطها بشكل غير مؤسسي ومنظم، غالبا عبر صفحات وصفحات ترويجية على منصات التواصل الاجتماعي. وأضاف: “غياب التشريعات المنظمة يترك المستهلكين في موقف هش، حيث يتعرضون أحيانا لممارسات تضليلية أو غش تجاري، ويتم مواجهتهم بفجوة بين ما يعلن عنه من مواصفات للمنتج وما يستلمونه فعليا عند الشراء”.
وأشار عبيدات إلى أن التجارة الإلكترونية أصبحت عنصرا رئيسيا في المشهد التجاري الأردني، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الكبير وما توفره هذه التجارة من حلول مبتكرة لتسهيل حياة المستهلكين، مثل تقليص الوقت والجهد اللازمين لإتمام عمليات الشراء، وزيادة الخيارات المتاحة لهم.
وشدد عبيدات على ضرورة الإسراع في سن التشريعات والقوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية، بما يضمن حقوق المستهلكين ويوفر بيئة تجارية شفافة ومنضبطة، داعيا إلى أهمية إطلاق حملات توعوية مستمرة لتثقيف المواطنين حول طرق الشراء الإلكتروني الصحيحة، وكيفية التحقق من مصداقية البائعين والمنتجات.
كما دعا عبيدات إلى ضرورة إخضاع جميع الجهات الممارسة للتجارة الإلكترونية لمعايير مؤسستي المواصفات والمقاييس والغذاء والدواء، لضمان جودة المنتجات والخدمات، وتعزيز ثقة المستهلكين بهذا القطاع الحيوي. 
وبين أن التنظيم القانوني والتوعية المجتمعية يمثلان ركيزتين أساسيتين لضمان استدامة التجارة الإلكترونية في الأردن.
تهديد وجودي للتجارة التقليدية ما لم تنظم نظيرتها الإلكترونية
بدوره، قال ممثل قطاع الخدمات والاستشارات في غرفة تجارة الأردن جمال الرفاعي إن “التجارة الإلكترونية مصدر قلق وضرر للتجارة التقليدية وكذلك للمستهلكين، في ظل عدم توفر قوانين وتشريعات تنظم ممارستها، وتضمن ضبطها”.
وأضاف الرفاعي: “التجارة الإلكترونية باتت بوضوح تتغول على التجارة التقليدية مع انعدام الرقابة على التجارة الأولى وعدم وجود ضوابط وأطر قانونية تحد ممارسيها، مما يترتب عليه ضرر هائل على المنافسة العادلة واستغلال للمستهلكين”.
 وحذر الرفاعي من أن استمرار الحال عليه دون تدخل وإيجاد منظومة قانونية وتشريعية للتجارة الإلكترونية، فإن التجارة التقليدية محليا ستكون مهددة بالانقراض، مما سيكبّد الخزينة العامة التي تتلقى إيرادات كبيرة من التجارة التقليدية المزيد من الخسائر.
 واعتبر الرفاعي أن القرار الحكومي الأخير بإخضاع الطرود البريدية التي تقل قيمتها عن 200 دينار لضريبة المبيعات خطوة جيدة نحو تنظيم التجارة الإلكترونية وتحقيق العدالة في المنافسة، لا سيما لدى القطاعات التجارية التي عانت من معضلة الطرود في السنوات الأخيرة كالألبسة والتحف والهدايا والأدوات المنزلية وغيرها.
 ودعا الرفاعي الحكومة إلى ضرورة التحرك بشكل فوري لضبط إيقاع التجارة الإلكترونية بما يخلق بيئة سليمة وآمنة لها وللتجارة التقليدية وسن قوانين لذلك، لافتا في هذا السياق إلى أن القطاع التجاري الرسمي سيتجاوب مع أي مبادرة حكومية تنظم ممارسة عملية التجارة محليا.
 وأعرب الرفاعي أن القطاع التجاري لديه الجاهزية والاستعداد لمواكبة التطور والرقمنة في ممارسة العمل التجاري بما في ذلك دمج المتاجر الرقمية كجزء من نشاطه التجاري.
فوضى إلكترونية تضر بالمنافسة وتهدد الخزينة
من جانبه، أكد الخبير في مجال المنافسة والمستهلك بهاء العرموطي أن التجارة الإلكترونية في المملكة بحالة توصف بأنها فوضى، في ظل غياب القوانين الناظمة لها، وعدم خضوعها لأي نوع من الرقابة.
 وبين العرموطي أن استمرار الفوضى في قطاع التجارة الإلكترونية يضر بمبدأ المنافسة العادلة مع القطاع التجاري التقليدي الذي يترتب على عمله تكاليف تشغيلية ورسوم ضريبية، فضلا عن خضوعه لقوانين وأنظمة، عدا عن إلحاقه الضرر بالمستهلك الذي يقع في كثير من الأحيان ضحية للتضليل والخداع الذي يتفشى بشكل كبير في هذا النوع من التجارة من حيث ضعف الجودة وعدم مطابقته للمواصفات والمقاييس.
 وأشار إلى أن التجارة الإلكترونية تتسبب أيضا بضرر على الخزينة العامة، إذ لا يترتب على ممارسيها أي رسوم تشغيلية وضريبية، مقارنة بالتجارة التقليدية التي لها عوائد على كامل العملية الاقتصادية بما فيها الخزينة العامة. وأوضح العرموطي أن التنظيم القانوني الوحيد الذي تخضع له التجارة الإلكترونية هو قانون المعاملات الإلكترونية، إذ تخضع له بشكل جزئي من خلال ضمان الحماية من مجال المعاملات المالية وإمكانية التقاضي من خلاله أحيانا، إلا أنه لا يضمن حماية المستهلك من التعرض للخداع في المنتج الذي يقدم على شرائه.
 ويرى العرموطي أنه يمكن التغلب على الفجوة القانونية في مجال التجارة الإلكترونية من خلال تعديل قانون حماية المستهلك ليشمل التجارة الإلكترونية وسن مواد إضافية تعنى بتغطية الثغرات الحالية في هذا النوع من التجارة، إضافة إلى توسيع مهام مديرية حماية المستهلك في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، ومنحها صلاحيات في فرض إجراءات قانونية وغرامات مالية على ممارسي التجارة الإلكترونية المخالفين للتعليمات والأنظمة المعمول بها في مجال التجارة.