الغد-إبراهيم المبيضين
بعد أن حقق الأردن قفزة ملموسة في مؤشر الأمن السيبراني العالمي بتقدمه 44 مرتبة من بين 194 دولة، يرى خبراء محليون أن هذا الإنجاز يعكس مدى التزام الدولة بحماية بياناتها ومنظومتها الرقمية، ما يعزز من سمعتها الرقمية على المستوى الدولي، ويزيد من ثقة المستثمرين وهي الجوانب التي تستدعي الحرص على تطوير منظومة الأمن السيبراني في الأردن خلال المرحلة المقبلة بشكل أكبر.
وأشار الخبراء إلى أن الوصول إلى هذه المرتبة المتقدمة ليست نهاية المطاف أو الهدف النهائي، بل يجب العمل بجد أكثر والبناء على ما سبق لحماية الأمن السيبراني الوطني، من أي تهديدات والبدء بتنفيذ الخطة التنفيذية لاستراتيجية الأمن السيبراني الوطنية التي جرت صياغتها مؤخرا، في وقت تشير فيه الأرقام العالمية إلى أن العالم الرقمي يتعرض كل 11 ثانية لهجمة سيبرانية.
وقال الخبراء: "إنه يجب العمل خلال المرحلة المقبلة على متابعة العمل واستدامة تنفيذ خطط واستراتيجيات الأمن السيبراني، إلى جانب متابعة أهم التطورات الحاصلة في هذا القطاع عالميا وعكسها على السوق المحلية، لأن الهجمات السيبرانية ومحاولات الإضرار بالاقتصاد الرقمي والناس، ستبقى مستمرة بالتزامن مع توسع عمليات التحول الرقمي في كل القطاعات".
وحدد الخبراء محاور رئيسية يجب التركيز عليها خلال المرحلة المقبلة لتعزيز منظومة الأمن السيبراني، وأهمها تعزيز البنى التحتية والتقنية واستخدام التقنيات الحديثة في حماية الأمن السيبراني، وبناء القدرات والموارد البشرية المؤهلة في هذا المجال، وزيادة التوعية للأفراد والمؤسسات بأهمية الأمن السيبراني واستخدام أدوات الحماية لمجابهة التهديدات الأمنية.
وحصلت المملكة على ترتيب 27 عالميا استناداً للتقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات للعام الحالي، والخاص بمؤشر الأمن السيبراني مقارنة بترتيب 71 عالميا عن تقرير العام 2020.
وكشف التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة المتخصصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمتضمن ترتيب 194 دولة عالمياً، في مؤشر الأمن السيبراني العالمي عن حصول المملكة على علامة
(98.6 %) مقارنة بعلامة (71 %) عن تقرير العام 2020.
ويقيس مؤشر الأمن السيبراني العالمي، التزام الدول بمتطلبات ومعايير الأمن السيبراني استناداً لمجموعة من المؤشرات ذات العلاقة بإدارة الأمن السيبراني على المستوى الوطني ضمن خمسة معايير رئيسية، حصلت الأردن على علامة (100 %) في ثلاثة منها.
وأكد رئيس المركز الوطني للأمن السيبراني بسام المحارمة أن تقدم الأردن لهذا المستوى العالي هو مؤشر على نجاعة التوجيهات الملكية، وفعالية المتابعة المباشرة من سمو ولي العهد وتوجيهاته التي كان لها الأثر المباشر في ارتقاء منظومة الأمن السيبراني الوطنية.
وأكد ما قام به المركز الوطني للأمن السيبراني من أدوار في الفترة الماضية، والذي لعب دورا في تطور هذه المنظومة وتقدمها، بالتعاون والتنسيق مع كل الجهات الوطنية المعنية.
وقال المحارمة: "إنه ومن خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتوفرة لدينا رغم قلتها، فقد استطعنا وضع الأردن ضمن المجموعة الأولى والأعلى عالميا، في مؤشر الأمن السيبراني من أصل (194) دولة شملها التقييم".
وأشار إلى أن هذا التقدم يضع الأردن في مقدمة الدول التي تعنى بالأمن السيبراني، وهذا له أثر كبير في نظرة المستثمر وفي نظر الشركات العالمية، التي تبحث عن بيئات آمنة وموثوقة رقمياً، وهذا المؤشر يساعد هؤلاء المستثمرين في اختيار الأردن.
وأكد أن هذا المركز المتقدم في مؤشر الأمن السيبراني يساعد في رسم صورة حضارية متطورة عن الأردن وترسيخ وضعها دوليا وإقليميا، كلاعب مهم وحيوي وبيئة جاذبة وصديقة.
وأكد ما قام به المركز الوطني للأمن السيبراني بالتعاون مع الجهات المعنية بالقطاع سواء ما تعلق بالتشريعات والحوكمة، أو ما تعلق بتطوير قدراتنا الفنية ورفع مستوى العمليات السيبرانية وقدرتنا على مواجهة وكشف التهديدات السيبرانية، أو ما تعلق بإنجازاتنا في مجال رفع مستوى القدرات والمهارات والخبرات البشرية، ولا ننسى كذلك جهودنا في بناء الشراكات المحلية والإقليمية والدولية.
وأكد أن هذا المؤشر ليس مجرد رقم، وإنما شهادة تميز وثقة تمنحها منظمة دولية تتبع للامم المتحدة للأردن ودعوة للدول الأخرى باتخاذه نموذجاً يحتذى به ويمكن تقليده.
وعلى صعيد متصل، أكد ممثل القطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غرفة تجارة الأردن المهندس هيثم الرواجبة أن تقدم الأردن في مؤشر الأمن السيبراني، جاء انعكاسا للدعم المتواصل والتوجيهات الملكية التي تركز على تعزيز الأمن السيبراني، وبناء بنية تحتية قوية.
وأشار إلى أن من الأسباب أيضا، التعاون الوطني بين الجهات هناك تعاون وثيق بين الجهات الحكومية والخاصة والأكاديمية في تنفيذ استراتيجية الأمن السيبراني، ما أسهم في تحسين إدارة المخاطر.
وقال الرواجبة: "إن الأردن استثمر بشكل كبير في التقنيات الحديثة وأدوات الأمن السيبراني المتقدمة لتعزيز قدرته على التصدي للهجمات الإلكترونية، مع الالتزام بتطبيق المعايير الدولية للأمن السيبراني، خاصة من خلال المركز الوطني للأمن السيبراني".
وأكد أهمية الاستثمار في الأمن السيبراني كونه يوفر بيئة آمنة للشركات العالمية والمحلية، ما يعزز الاستثمارات في القطاع التكنولوجي والرقمي، في وقت أصبحت فيه الهجمات الإلكترونية أكثر تعقيداً، ما يستدعي تعزيز الحماية.
وأكد الرواجبة أن الكثير من الأنظمة الحيوية اليوم تعتمد على التكنولوجيا (مثل الأنظمة الصحية، المالية والطاقة)، وأي هجوم عليها يمكن أن يتسبب في أضرار كبيرة، ما يجعل الأمن السيبراني على الدوام حجر الأساس لضمان استمرار الأعمال وبيئة استثمارية آمنة.
وعن المرحلة المقبلة، قال الرواجبة: "إن الهجمات السيبرانية في تزايد مستمر مثل هجمات الفدية، التصيد الاحتيالي، واختراق البيانات أصبحت شائعة، وهو ما يستدعي التركيز خلال المرحلة المقبلة على بناء وتدريب كوادر وطنية قادرة على التصدي لهذه التهديدات، والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، التحليلات المتقدمة للكشف عن التهديدات قبل وقوعها".
كما أكد أهمية تطوير قوانين وتشريعات أكثر صرامة لحماية البيانات الوطنية والشركات، نشر الوعي بين الأفراد والشركات حول كيفية الوقاية من التهديدات الإلكترونية.
تقديرات المركز الوطني للأمن السيبراني، تظهر أن الهجمات السيبرانية تتسبب في الأردن بخسائر تتراوح بين 150 إلى 200 مليون دولار سنويا، فيما تقدر خسائر الاقتصاد العالمي من هجمات الفضاء السيبراني بـ6 تريليونات دولار سنويا.
ويرى الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي، أن مؤشر الأمن السيبراني العالمي يعتبر مقياسًا حيويًا لمدى جاهزية الدول لمواجهة التهديدات السيبرانية.
وأوضح أن أهميته تكمن في تحديد نقاط القوة والضعف كونه يساعد الدول على تحديد الجوانب التي تحتاج إلى تحسين في مجال الأمن السيبراني وتطويرها وتحديثها، والبقاء على أعلى مستوى من الجاهزية لمواجهة التحديات.
ولفت إلى أهميته في مقارنة الأداء، حيث يمكن للدول مقارنة أدائها بأداء الدول الأخرى، وتحديد أفضل الممارسات وتطبيقها لرفع سوية أجهزتها لمكافحة التهديدات السيبرانية والاستفادة من خبرات الدول الأخرى.
وأكد أهمية المؤشر لجذب الاستثمارات كونه يؤثر بشكل إيجابي على مناخ الاستثمار في الدولة، فكلما كانت جاهزية الدولة عالية وتتبع أفضل الممارسات العالمية فيما يتعلق بالبنى التحتية والأنظمة السيبرانية، زاد شعور المستثمرين بالثقة والأمان.
ورغم ما حققه الأردن من تقدم في مؤشر الأمن السيبراني، إلا أن الصفدي أكد أن علينا العمل بشكل متواصل وبجد لتطوير القطاع خلال المرحلة المقبلة، لأسباب عدة، منها التطور المستمر للتهديدات السيبرانية في العالم الرقمي، وزيادة اعتماد العديد من القطاعات الاقتصادية على التكنولوجيا والتحول الرقمي، لحماية الأفراد والمؤسسات من الجرائم الإلكترونية.
وأكد الصفدي أنه للبناء على ما تم تحقيقه في مؤشر الأمن السيبراني، يجب العمل في المرحلة المقبلة، على محاور رئيسية عدة، منها: تحديث القوانين والأنظمة المتعلقة بالأمن السيبراني لتتناسب مع التطورات التكنولوجية وخاصة مع التطور في الذكاء الاصطناعي والانتشار المتزايد للدفع والخدمات الرقمية، وبناء القدرات البشرية والاستثمار في تدريب الكوادر البشرية المؤهلة في مجال الأمن السيبراني.
وأشار إلى أهمية التعاون مع القطاع الخاص لمواجهة التهديدات السيبرانية، والعمل على رفع مستوى الوعي لدى المستخدمين، وزيادة التوعية للأفراد لاتباع ممارسات أمنية جيدة في حماية أنفسهم وأجهزتهم.