قفزة إحصائية للأردن عالميا.. ما الانعكاسات على التخطيط الاقتصادي؟
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
بعد تسجيل الأردن تقدما لافتا في مؤشر الأداء الإحصائي العالمي الصادر عن البنك الدولي للعام الماضي، متقدما تسع مراتب دفعة واحدة. بين خبراء أن أهمية هذا التقدم لا تكمن في الترتيب وحده، بقدر ما تفتح الباب أمام سؤال جوهري، فهل ينعكس تطور النظام الإحصائي الوطني على جودة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وإلى أي مدى ستستغل الحكومة هذا التقدم في تحسين آلية التخطيط الاقتصادي والتنموي؟
وأكد الخبراء أن تحسن أداء الأردن في مؤشر الأداء الإحصائي العالمي، يشكل تطورا إيجابيا يعكس تقدما نوعيا في بنية العمل الإحصائي الوطني وجودة البيانات وشموليتها، إلا أنهم شددوا في الوقت ذاته، على أن القيمة الحقيقية لهذا التقدّم تبقى مرهونة بمدى انعكاسه الفعلي على السياسات الاقتصادية والقرارات العامة.
وأوضح الخبراء في تصريحات لـ"الغد"، أن الارتقاء في المؤشرات الإحصائية الدولية لا ينبغي أن يقرأ بمعزل عن مؤشرات الاقتصاد الحقيقي، مثل النمو والبطالة والفقر والعجزين المالي والتجاري، محذرين من تحول هذه المؤشرات إلى غاية بحد ذاتها بدلا من أن تكون أداة لتشخيص الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية ومعالجتها.
ودعا الخبراء، إلى تعميق استخدام البيانات الإحصائية في دورة صنع القرار الاقتصادي، وتعزيز الثقة بالرقم الرسمي.
وكان مؤشر الأداء الإحصائي العالمي الصادر عن البنك الدولي للعام الماضي، أظهر تقدم الأردن بـ9 مراتب، حيث جاءت مرتبة الأردن 74 عالميا من بين 190 دولة، شملها التقرير متقدما عن مرتبة 85 في العام 2016.
ووفقا لنتائج المؤشر الذي صدر مؤخرا، جاء الأردن في المرتبة الثالثة عربيا بعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومتقدما على دول مثل، مصر، تونس وفلسطين.
تعزيز دور البيانات
وقال مدير عام دائرة الإحصاءات العامة الأسبق، قاسم الزعبي "إن التحسن الذي حققه الأردن في مؤشر الأداء الإحصائي العالمي يمثل نبأ إيجابيا للسمعة الوطنية في مجال العمل الإحصائي والبياني، ويعكس رسوخ دور دائرة الإحصاءات العامة كمؤسسة وطنية استراتيجية، على الصعيدين السياسي والاقتصادي".
وأكد الزعبي أن الجهود التراكمية المبذولة خلال السنوات الماضية، من خلال ترجمة الاستراتيجية الوطنية للتطوير الإحصائي (2018-2022) إلى واقع عملي، والتوسع في تحديث المنهجيات الإحصائية لتتماشى مع المعايير العالمية، وتطوير البنية التحتية للعمل الإحصائي، ورفع قدرات الكوادر، وإدخال التقنيات الحديثة في الرصد الإحصائي، كانت عوامل رئيسية في هذا التحسن.
وأشار إلى أن نتائج المؤشر تكشف عن تحول مهم، يتمثل في اعتماد صناع القرار بشكل أوسع على المعطيات الإحصائية الصادرة عن الإحصاءات العامة، ويتجلى ذلك في تقدم الأردن الملحوظ في المؤشر الفرعي لاستخدام البيانات، حيث حصل على 83 نقطة، مقارنة مع 30 نقطة في العام 2016، أي بارتفاع يقارب 176.6 %.
ورأى الزعبي، أن هناك فرصة لتحقيق تقدم أكبر على المؤشر العام بحوالي 22 نقطة، إذا تم التركيز على تحسين مؤشرين فرعيين هما: مؤشر منتجات البيانات ومؤشر البنية التحتية. ويستلزم ذلك تحسين مصادر البيانات لتشمل، القطاعين العام والخاص، إصلاح التشريعات الإحصائية وتسريع التحول التكنولوجي ورقمنة العمل الإحصائي.
وأكد الزعبي أن تعزيز جودة القرارات الاقتصادية والشفافية، يتطلب توفير تغطية شاملة وشفافة لكل الأبعاد الاقتصادية، مثل معدلات الفقر والبطالة، وحجم الاقتصاد غير الرسمي.
تطور نوعي في العمل الإحصائي
بدوره، أكد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، أن التقدم الذي حققه الأردن في مؤشر الأداء الإحصائي العالمي، يعكس تطورا نوعيا في جودة البيانات الإحصائية وشموليتها وانتظام صدورها، وهو تطور تقوده دائرة الإحصاءات العامة بكفاءة مهنية عالية.
غير أن هذا التحسن، على أهميته، لا ينعكس بالضرورة بشكل تلقائي على دقة السياسات الاقتصادية أو فعاليتها، إذ تظل عملية تحويل البيانات إلى قرارات وسياسات مرهونة بتوجهات الحكومة وفلسفتها العامة في إدارة الاقتصاد. فالبيانات الإحصائية، مهما بلغت درجة تطورها، تبقى أدوات تحليلية قابلة للتوظيف بطرق متعددة.
ولفت عوض إلى أن هذا التحسن، على أهميته، لا ينعكس بالضرورة بشكل تلقائي على دقة السياسات الاقتصادية أو فعاليتها، إذ تظل عملية تحويل البيانات إلى قرارات وسياسات مرهونة بتوجهات الحكومة وفلسفتها العامة في إدارة الاقتصاد. فالبيانات الإحصائية، مهما بلغت درجة تطورها، تبقى أدوات تحليلية قابلة للتوظيف بطرق متعددة.
وأكد عوض، أن القيمة الحقيقية للبيانات الإحصائية المتقدمة تكمن في قدرتها على تقليص كلفة القرار الاقتصادي الخاطئ، من خلال تحسين تشخيص الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير صورة أكثر دقة عن الفئات والقطاعات المتأثرة بالسياسات العامة. فالبيانات الشاملة والمحدثة تمكن صناع القرار من مقارنة السيناريوهات المختلفة، تقدير الآثار الاقتصادية والاجتماعية المحتملة لكل خيار وتوجيه الموارد العامة بكفاءة أعلى، بما يحد من الهدر ويعزز فعالية السياسات العامة. غير أن تحقيق ذلك يبقى مشروطا بوجود نهج مؤسسي واضح يعتمد الأدلة الإحصائية كمدخل رئيسي في صنع القرار، لا كمصدر داعم ثانوي.
وبين عوض، أن المخاطر الاقتصادية تبرز بشكل أكثر وضوحا عندما تبقى السياسات تقليدية في ظل توفر بيانات متقدمة، إذ يؤدي هذا التناقض إلى تعطيل القيمة المضافة للنظام الإحصائي الوطني وتحويله إلى جهد تقني محدود الأثر. ويتجلى ذلك في قضايا محورية مثل الدين العام، حيث تظهر البيانات ذاتها مستويات مرتفعة تستوجب الحذر، إلا أن تفسيرها والتعامل معها، يختلفان تبعا للفلسفات الاقتصادية السائدة.
في المقابل، يرى عوض أنه رغم التقدم الملحوظ في الرصد والتغطية الإحصائية للمؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني، ما تزال هناك فجوة واضحة في توفر البيانات الاقتصادية الجزئية (الميكرو)، المتعلقة بالمنشآت، سلوك سوق العمل، والدخل والإنفاق والفقر على المستويين المحلي والقطاعي. حيث إن هذه الفجوة تحد من قدرة السياسات العامة على أن تكون أكثر استهدافا وعدالة وفاعلية.
كفاءة الإدارة القائمة على الإحصاء
من جانبه، اتفق أستاذ الاقتصاد قاسم الحموري مع سابقيه بأن تقدم الأردن في مؤشر الأداء الإحصائي العالمي، يعد خبرا إيجابيا بحد ذاته، ويمكن عزو جزء مهم من هذا التحسن إلى كفاءة الإدارة القائمة على العمل الإحصائي، ولا سيما في ظل قيادة تمتلك خبرة معروفة ورؤية واضحة في هذا المجال، وهو ما انعكس على الأداء العام ونتائج الأردن على المؤشر.
وأشار الحموري، إلى أن قيمة الأداء الإحصائي لا تقاس بالترتيب العالمي فقط، بل بمدى استخدام البيانات المنشورة فعليا في التحليل وصنع القرار، الأمر الذي يستدعي دراسة إعلامية وصحفية ترصد حجم الإقبال على موقع دائرة الإحصاءات العامة، ونسبة الاعتماد على الأرقام الصادرة عنها من قبل الباحثين والإعلاميين وصناع القرار.
ولفت إلى أن ثقة المواطن والباحث الأردني بالرقم الرسمي تمثل عنصرا حاسما في تحديد جدوى هذه المؤشرات، متسائلا عما إذا كان ينظر إلى هذه الأرقام بوصفها محايدة وقابلة للاعتماد، أم مجرد أرقام مجردة من أثرها الواقعي، مؤكدا أن هذه العوامل مجتمعة هي التي تمنح التقدم الإحصائي معناه الحقيقي وتحدد مدى انعكاسه على تطوير القرار الاقتصادي والسياسات العامة.
غير أن الحموري، أشار إلى أن الإشكالية تكمن في أن بعض المؤشرات الدولية تتحول في أحيان كثيرة إلى غاية بحد ذاتها، بدلا من أن تكون أداة لقياس الأداء الاقتصادي الحقيقي.