الثقة مع مجتمع المانحين الدوليين.. شريان الحياة للمشاريع التنموية في الأردن
الحوكمة وحسن توظيف المنح والشفافية آليات ضرورية لتعظيم الفائدة من المساعدات الغد-عبدالرحمن الخوالدة
تعد الثقة المتبادلة بين الأردن والدول المانحة والمؤسسات الدولية أحد أهم الأصول الاقتصادية والسياسية للمملكة، وتشكل حجر الزاوية في استدامة المشاريع التنموية وتمويل المبادرات الحيوية. ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن هذه الثقة لم تولد فجأة، انما هي نتاج علاقة متينة من التعاون السياسي والاقتصادي، مدعومة برؤية التحديث الاقتصادي، والمراجعات الدورية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والالتزام بالشفافية والحوكمة الرشيدة.
ويؤكد الخبراء في تصريحات خاصة لـ”الغد” أن استثمار الأردن لهذه الثقة يتيح تحويل التمويل والمساعدات إلى مشاريع ملموسة في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والمشاريع التنموية المحلية، ما ينعكس مباشرة على تحسين مستوى المعيشة، تمكين الشباب والمرأة، ورفع كفاءة الخدمات العامة.
ولفت هؤلاء الخبراء إلى أن هذه الثقة تمكن الأردن من توسيع الحيز الاستثماري والمالي، وتعزز قدرة المملكة على جذب المزيد من المنح والمساعدات، بما يحقق مصلحة مشتركة للبلاد والمانحين على حد سواء. وشددوا على أن استمرار الاستثمار في هذه الثقة يتطلب التزاما مستمرا بالشفافية، والالتزام بالمعايير القانونية، والتواصل المنتظم مع المانحين، وتوظيف المنح بشكل احترافي لتحقيق أثر اقتصادي واجتماعي ملموس على المواطنين.
وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن تعزيز هذه الثقة ليس غاية في حد ذاتها، بل وسيلة استراتيجية لدعم التنمية المستدامة، وتحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة، وضمان استمرار الدعم الدولي في مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجه الأردن اليوم.
وتعتبر وزارة التخطيط والتعاون الدولي الذراع الرسمي في ترجمة السياسات والخطط الاقتصادية المحلية إلى شراكات مع الدول المانحة والمؤسسات الدولية، حيث تعمل على إدارة التمويل والمشاريع التنموية بكفاءة وشفافية.
%174.7 نسبة تنامي المساعدات والمنح الخارجية للأردن في العقد الأخير
وأظهر تحليل أجرته “الغد” عن قفزة بلغت نسبتها 174.7 % في حجم المساعدات والمنح الخارجية التي حصل عليها الأردن في العقد الأخير الممتد من (2014-2023) مقارنة بالعقد الذي سبقه والممتد من (2004-2013).
وبحسب التحليل الخاص بـ”الغد” فقد بلغ إجمالي قيمة المساعدات التي حصل عليها الأردن خلال الأعوام العشرة (2014 -2023) ما مقداره 34.738 مليار دولار مقارنة مع 12.646 مليار دولار في الأعوام العشرة التي سبقتها
(2014-2023) .
وتشمل هذه المساعدات (المنح والقروض الميسرة) الملتزم بها وتم توقيعها وتحصيلها من خلال وزارة التخطيط والتعاون الدولي خلال الأعوام (2014-2023) و(2014-2023) وفقا لبيانات تقارير المساعدات الخارجية المنشورة على الموقع الإلكتروني للوزارة التي رصدتها "الغد".
ولم تتوفر بيانات مكتملة عن حجم المساعدات الخارجية الكاملة التي حصل عليها الأردن العام الماضي، حيث تتوفر فقط بيانات عن الأشهر السبعة الأولى من 2024 فقط والتي بلغت 2.067 مليار دولار.
عايش: الثقة المتبادلة مع المانحين مفتاح استدامة المشاريع التنموية محليا
و أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن واحدة من أهم الأدوات التي يمتلكها الأردن هي العلاقة القائمة على الثقة مع المانحين الدوليين، سواء كانوا حكومات أو مؤسسات دولية، والتي تتحول إلى قيمة اقتصادية حقيقية من خلال منح ومساعدات توظف في مشاريع تنموية وبنية تحتية.
وشدد عايش على أن هذه الثقة هي الرافد الرئيسي لتمويل للمشاريع التنموية في الأردن، وهي الأساس الذي يمكن المملكة من مواجهة التحديات الاقتصادية الضاغطة، وتعزيز دورها في العملية الاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن استمرار الدعم الدولي وزيادة فعاليته على الأرض.
وأوضح عايش لـ”الغد” أن هذه الثقة تأسست على الأساس السياسي المتين، ورؤية التحديث الاقتصادي، والمراجعات الدورية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مشيرا إلى أن المنح والقروض طويلة الأجل منخفضة الفوائد تسهم في تحسين فرص الحياة، رفع مستويات المعيشة، تمكين الشباب والمرأة، وبناء منظومة اقتصادية واجتماعية متكاملة.
وأشار إلى أن العلاقات مع المانحين تشمل الاتحاد الأوروبي، اليابان، الدول الخليجية، الولايات المتحدة ودول آسيا الأخرى، وهي علاقات تشكل استثمارا إيجابيا يتحول إلى مشاريع ملموسة وعوائد اقتصادية واجتماعية حقيقية على الأرض.
ولتعزيز الثقة بما يعود بالنفع على التنمية الوطنية، شدد عايش على أهمية التركيز على تحسين عدة عناصر أساسية وهي، الشفافية في كيفية إنفاق المنح والمساعدات، إضافة إلى المنظومة القانونية والتشريعية التي تضمن المساءلة والرقابة، إلى جانب التواصل المستمر مع المانحين لاستطلاع آرائهم ومواقفهم تجاه أولويات الاستثمار والدعم للأردن.
ويضاف إلى ذلك ضمان وضوح الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والالتزامات الوطنية لضمان الوفاء بها، ضرورة توفير لغة مشتركة واحترافية في التعامل مع المانحين، إضافة إلى توظيف المنح بشكل مهني واحترافي ضمن العملية الاقتصادية والاستثمارية والمشاريع المخصصة لها.
كما دعا إلى أهمية التركيز على قياس مستمر للعائد الاقتصادي والاجتماعي من المنح، بما يعطي المانحين والمستفيدين صورة واضحة عن النتائج الواقعية على الأرض، وتطوير المهارات والتدريب المهني للأردنيين للتعامل مع نتائج هذه المنح.
ويرى عايش أن هذه الآليات تسمح للأردن بزيادة حجم الثقة وجذب المزيد من المنح والمساعدات التنموية، مع التأكيد على ضرورة أن تكون العلاقة رابحة للطرفين، حيث يستفيد الأردن والممولون معا. وأضاف أن استغلال هذه المنح يتطلب معرفة دقيقة بالحاجات الوطنية، متابعة مستمرة، وتكامل بين التمويل الخارجي والالتزامات المحلية لضمان تحقيق أثر ملموس ومستدام في حياة المواطنين.
واعتبر الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة بدوره، فإن الأردن يتمتع برصيد قوي من الثقة لدى الدول والمؤسسات المانحة وذلك في ظل استقراره السياسي النسبي، موقعه الإستراتيجي، وجهوده في إدارة أزمات مثل تدفق اللاجئين السوريين.
ولفت المخامرة إلى أن هذا الرصيد يمكن استغلاله لجذب تمويل إضافي للمشاريع التنموية من خلال عدة إستراتيجيات محددة، مثل تعزيز الشراكات المتعددة مع المانحين حيث يمكن توسيع حالة الثقة معهم لتمويل مشاريع في الزراعة، الطاقة، والتعليم، وجذب مساهمات إضافية من الاتحاد الأوروبي وألمانيا. أضف إلى ذلك ربط الإصلاحات الداخلية بالتمويل المشروط حيث يمكن الأردن من استخدام مرونته في تنفيذ “مصفوفة الإصلاحات” للحصول على تمويل من البنك الدولي، كما في برنامج التنافسية والنمو الذي يهدف إلى جذب الاستثمار في القطاعات ذات الإمكانيات العالية.
ويرى المخامرة أن ذلك يظهر التزام الأردن بالشفافية، مما يعزز الثقة ويفتح أبوابا لقروض ميسرة وقروض تنموية. كما لا بد من التركيز على المشاريع ذات التأثير السريع واستغلال الثقة في دعم مشاريع مثل صندوق دعم الصناعة، الذي حصل على تمويل من البنك الدولي لمواجهة جائحة كورونا، لجذب استثمارات في التصدير واللوجستيات، حيث يعتبر الأردن مركزا إقليميا.
وأشار إلى أن ثقة المانحين لعبت دورا حاسما في تعزيز المساعدات، حيث بلغت المساعدات الإجمالية للأردن أكثر من 2.1 مليار دولار في الفترة الأخيرة، بما في ذلك منح وقروض ميسرة لمشاريع تنموية رئيسية. ففي عام 2025، وافق البنك الدولي على 1.1 مليار دولار لدعم رؤية التحديث الاقتصادي، مع التركيز على النمو الخاص والوظائف، مدعوما بثقة في قدرة الأردن على التنفيذ. كما اقترح الاتحاد الأوروبي منحا إضافية بقيمة 500 مليون يورو ضمن برنامج المساعدة المالية الكلية، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، مما يعكس الثقة في دور الأردن الإقليمي.
وأكد المخامرة أن بناء الثقة أمر حيوي لتعزيز الوصول إلى المنح والتمويل التنموي، إذ يعتبر المحرك الرئيسي للنمو التحفيزي في التنمية العالمية. كما تبرز أهمية بناء الثقة في تحسين التنسيق والكفاءة حيث ان الصناديق المتعددة للمانحين تحقق كفاءة أعلى في توزيع المساعدات بنسبة تصل إلى 20-30 % مقارنة بالتمويل الفردي، من خلال تقليل التداخل وتعزيز الشفافية.
كما أن زيادة الثقة تسمح بتمويل مشاريع طويلة الأمد، مثل برامج الابتكار والتكيف مع التغير المناخي، حيث يعتمد المانحون على الشراكات المبنية على الاحترام المتبادل لتحقيق أهداف مشتركة، مما يرفع معدلات النجاح بنسبة 15-25 %. وفي حالة الأردن، ساعدت الثقة في جذب دعم سريع لأزمات اللاجئين، حيث أدت إلى تحسين التماسك الاجتماعي عبر برامج النقد مقابل العمل. وحول المطلوب لاستقطاب منح اكبر يتمثل بتحقيق إصلاحات تنظيمية وشفافية من خلال تبسيط تسجيل الاستثمارات وتقديم حوافز ضريبية لجذب 500 مليون دولار إضافية من الصناديق المشتركة.
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي منير دية أن العلاقات التي تربط الأردن بالدول المانحة تقوم على أساس سياسي متين تطور عبر عقود، وتحول إلى شراكات اقتصادية وتنموية أثمرت عن تنفيذ مشاريع رئيسية في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية.
ولفت دية أن المنح والمساعدات ما تزال تمثل شريانا حيويا للاقتصاد الوطني في ظل الضغوط الاقتصادية والتحديات الكبيرة التي تواجه الأردن.
وبين دية أن هذه العلاقات مع الدول الخليجية والأوروبية والولايات المتحدة ودول شرق آسيا كاليابان والصين وكوريا، أسهمت في تعزيز الثقة بين الأردن وتلك الدول، مشيرا إلى أن المانحين يحرصون على تنفيذ المشاريع وفق جداول زمنية ومعايير عالية من النزاهة والشفافية، لضمان تحقيق أثر ملموس على حياة المواطنين.
وأوضح دية أن تلك المشاريع ساعدت في تحسين مستوى الخدمات العامة ورفع مؤشرات التنمية، سواء في معدلات النمو أو خفض الفقر والبطالة أو تحسين البنى التحتية في المحافظات والأطراف.
وأكد دية على ضرورة استثمار علاقات الثقة والشراكة القائمة مع المانحين للتركيز على المشاريع ذات الأثر التنموي المباشر على المجتمع المحلي، لافتا إلى أهمية الالتزام بمبادئ الحوكمة الرشيدة والمعايير الدولية في التنفيذ بما يعزز استدامة الدعم ويطمئن الدول المانحة إلى جدوى تمويلاتها. داعيا إلى ترسيخ الثقة والشراكة المستمرة بما يضمن تدفق التمويل المخصص للمشاريع التنموية وتحسين حياة المواطنين.