أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2016

هل تختار بريطانيا إهدار مكانتها؟* دامبيسا مويو
الغد - عندما يذهب الناخبون في المملكة المتحدة إلى صناديق الاقتراع في الثالث والعشرين من حزيران (يونيو) لتقرير ما إذا كانت بلادهم ينبغي لها أن تترك الاتحاد الأوروبي، فسوف تشمل القضايا التي يتعين عليهم أن يضعوها في الحسبان مدى تأثير قرارهم على البطالة، وتدفقات التجارة، واستقرار الأسواق المالية. ولكن هناك اعتبارات أخرى أقل قابلية للقياس الكمي والتي يتعين عليهم أن يضعوها أيضا في الميزان.
كانت الحجج الاقتصادية ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جيدة العرض. فقد اقترح كثيرون أن خروج المملكة المتحدة من شأنه أن يدفع المصنعين إلى تأمين استمرار القدرة على الوصول إلى السوق الأوروبية بالفرار عبر القنال الإنجليزي، وهذا يعني تكبيد البلاد الملايين من الوظائف. وعلى نحو مماثل، يهدد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بتقويض مكانة لندن كمركز مالي عالمي، وهي المكانة التي تعتمد على اندماج المدينة في الأسواق الأوروبية. وسوف تنشأ الحاجة أيضا إلى إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية في أعقاب الخروج البريطاني.
من الأمور التي تثير مخاوف العديد من الناخبين ايضا ما يتعلق بسيادة المملكة المتحدة ــ فكرة أن الدول المستقلة ينبغي لها أن تتمتع بالسلطة المطلقة لاتخاذ القرار حول ما يحدث داخل حدودها. وتتطلب عضوية الاتحاد الأوروبي في بعض الأحيان التنازل عن السيطرة لصالح شبكة معقدة من المؤسسات فوق الوطنية التي تتسم بعدم الكفاءة غالبا في بروكسل.
أنا أحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد وأعمل مع شركات يستفيد موظفوها وعملياتها من عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. وأنا أمقت الروتين وعدم الكفاءة. ولكني لا أعتقد أن الاعتبارات الاقتصادية أو المخاوف بشأن السيادة تصلح كحجج دامغة لصالح الخروج البريطاني.
والأمر الأكثر أهمية هو التأثير المحتمل الذي قد يخلفه مثل هذا القرار على المكانة العالمية التي تتمتع بها المملكة المتحدة. إن العضوية في المجتمع الأوروبي الذي يتألف من 500 مليون نسمة تزود المملكة المتحدة بقدر كبير من النفوذ الجيوسياسي والقدرة على التأثير على الاقتصاد العالمي. ومع تحول العالم إلى مكان أصعب وأشد تعقيدا من أي وقت مضى، فإن الحفاظ على هذا النفوذ يصب في مصلحة البلاد بوضوح.
تدور حملة الاستفتاء على خلفية اقتصادية وسياسية عالمية منذرة إلى حد كبير. فقد حذر صندوق النقد الدولي من أن النمو العالمي من غير المرجح أن يعود إلى المستويات التي بلغها قبل الأزمة المالية عام 2008. وتتوقع شركة ماكينزي الاستشارية العالمية أن تكون معدلات النمو خلال السنوات الخمسين المقبلة نصف ما كانت عليه خلال العقود الخمسة السابقة.
ومن ناحية أخرى، قال مارتن ديمبسي، الجنرال العسكري المتقاعد ورئيس هيئة الأركان المشتركة السابق في الولايات المتحدة، إن العالم دخل الفترة الأشد خطورة في تاريخه على الإطلاق. والبلدان النامية موطن لما يقرب من 90 % من سكان العالم، ونحو ثلثي سكانها من الشباب دون سن الخامسة والعشرين. ومن شأن النمو الراكد أو الناتج المنكمش في العديد من الاقتصادات الناشئة أن يؤدي إلى عواقب وخيمة. ويتوقع معهد التنمية وراء البحار في المملكة المتحدة أن يعيش ما يقرب من 80 % من سكان العالم في دول هشة بحلول عام 2025.
ويضيف التقدم التكنولوجي الذي يتسبب في تآكل الوظائف، فضلا عن اتساع فجوة التفاوت بين الناس والتحولات الديموغرافية وتضاؤل الموارد الطبيعية واستنزاف البيئة، المزيد من القش إلى ظهر البعير. فالعالم يشهد الآن بالفعل أسوأ أزمة لاجئين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مع اضطرار نحو 60 مليون شخص إلى النزوح من ديارهم. ولن يؤدي عدم الاستقرار المتزايد إلا إلى تفاقم المشكلة.
ولن يقي الانسحاب من الاتحاد الأوروبي المملكة المتحدة من تقلبات الاقتصاد العالمي. بل لن يؤدي إلا إلى حرمانها من صوتها القيادي في تشكيل الاستجابة للتحديات الجديدة والقائمة. والمملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي في وضع يسمح لها بالتأثير على أجندة السياسة العالمية على نحو أفضل كثيرا مقارنة بحالها خارجه.
من المؤكد أن الخروج من الاتحاد الأوروبي لن يجرد المملكة المتحدة من أهميتها التاريخية في المنظمات الدولية ــ وبخاصة عضويتها الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولكن بريطانيا غير الأوروبية من غير المرجح أن تنجح في تأمين ما كان لها من مكانة ونفوذ في أي من المؤسسات التي قد تنشأ في السنوات المقبلة.
تمثل المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي جزءا بالغ الأهمية من كتلة اقتصادية وسياسية لا يمكن إنكار ثِقَلها. ومع تعظيم صوتها بفضل عضويتها في الاتحاد الأوروبي، تستطيع أن تؤثر على الأحداث العالمية، وأن تزود البلاد بما يحب البريطانيون وصفه بالقدرة على الملاكمة في أوزان أعلى من وزنها.
ولكن إذا خرجت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي فسوف يكون تأثيرها محدودا بحجمها الحقيقي على الساحة العالمية: دولة صغيرة نسبيا تتمتع بقوة اقتصادية وسياسية محدودة. وبينما يستعد الناخبون البريطانيون للإدلاء بأصواتهم، ينبغي لهم أن يَزِنوا بكل حرص وعناية الآثار المترتبة على تراجع مكانة بلادهم على الساحة الدولية.
 
*خبيرة اقتصادية ومؤلفة، وهي عضو في مجالس إدارة العديد من الشركات العالمية.
خاص بـ "الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت، 2016