أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    01-Dec-2025

39.8 مليار… رقم يغير المشهد*علاء القرالة

 الراي

لم يكن الإعلان عن وصول الناتج المحلي الإجمالي إلى 39.8 مليار دينار مجرد "تحديث رقمي" في سجلات دائرة الإحصاءات العامة، بل خطوة تكشف عمق التحول بطريقة قراءة الاقتصاد الوطني وتقدير حجمه، وستغير وتحدث نقلة نوعية في مستقبلنا الاقتصادي، فما أهمية هذا الاكتشاف؟.
 
دائرة الإحصاءات أنهت مؤخرا مراجعتها الشاملة للإطار الإحصائي للحسابات القومية بعد أربع سنوات من العمل المتواصل، لتخرج بنتيجة مفادها أن الاقتصاد أكبر مما كان يعتقد سابقا، بفارق وصل لـ 3.6 مليار دينار، أي ما نسبته 10% من التقديرات السابقة، وهذه القفزة لا تعكس نموا اقتصاديا حدث بين ليلة وضحاها، بقدر ما تكشف عن فجوات تراكمت عبر سنوات في التغطية الإحصائية والمصادر المعتمدة وأساليب القياس.
 
التحديث الأخير وجه رسالة مفادها، أن الاقتصاد الأردني هو أكثر تنوعا وتشعبا مما كان يبدو عليه، وأن جزءا واسعا من الأنشطة الاقتصادية كان يعمل خارج إطار الرصد الرسمي، خصوصا في القطاعات التي تعتمد العمالة اليومية أو الأنشطة الصغيرة غير المسجلة، ومع إدراج هذا الجزء من الاقتصاد غير الرسمي، وتوسيع نطاق المسوح، واعتماد مصادر بيانات إضافية من المؤسسات والجهات الإدارية،فاءننا نعيد رسم صورة الاقتصاد بمنهجية أقرب إلى الواقع.
 
لعل أحد أهم أبعاد هذا التحديث هو رفع سنة الأساس إلى 2023، وهي خطوة محورية في ظل التغيرات الهيكلية التي شهدها الاقتصاد الأردني خلال السنوات الأخيرة، سواء في قطاع الطاقة أو النقل أو قطاع الخدمات الذي يشهد نموا مستمرا، وهذا التعديل يجعل البيانات المعتمدة أكثر قدرة على التقاط التحولات الفعلية في بنية الاقتصاد، ويمنح صانع القرار أرضية رقمية أكثر موثوقية لتقييم الأداء ووضع السياسات.
 
ولا يمكن تجاهل البعد الدولي لهذه المراجعة، فالدقة الإحصائية باتت معيارا رئيسيا في تقييم الاقتصادات، سواء من قبل المؤسسات المالية العالمية أو المستثمرين أو وكالات التصنيف الائتماني، وتحسين "مصداقية البيانات" الاقتصادية كونها تعتبر تغذية راجعة لصانع القرار، وعنصراً من عناصر "الجذب الاستثماري"، خاصة في اقتصاد يعتمد على الثقة بقدر اعتماده على الموارد.
 
ورغم أن التحديث لا يعني تحسنا مباشرا في الواقع المعيشي للمواطن، فإن تأثيره يتجاوز ذلك، فهو يعيد ضبط البوصلة الاقتصادية على أساس واقعي، ويمنح صانع القرار فرصة لتقييم السياسات الاقتصادية السابقة والحالية على ضوء أرقام أكثر دقة، ويعزز قدرة الدولة على المقارنة الإقليمية والدولية، وهو أمر مهم جدا.
 
خلاصة القول، الأردن يخطو فعليا نحو مرحلة أكثر تقدما في بناء نظام إحصائي يعكس ديناميكية الاقتصاد وتحولاته، فالمراجعة ليست نهاية الطريق، بل بداية مرحلة تبنى فيها السياسات على بيانات يمكن الوثوق بها، وتصبح فيها الأرقام جزءا من عملية الإصلاح والتنمية لا مجرد مؤشر عليها.