الغد-عبد الرحمن الخوالدة
تتجه الأنظار في الأردن نحو الأسواق العالمية للسلع الغذائية، مع صدور توقعات البنك الدولي بانخفاض أسعار المواد الأولية إلى أدنى مستوياتها منذ 6 أعوام بحلول العام المقبل.
وتوقع ممثلو قطاع المواد الغذائية أن يشهد العام المقبل انفراجا في أسعار السلع الأساسية، تماشيا مع المؤشرات العالمية التي تظهر تراجعا في أسعار المواد الأولية.
وبين هؤلاء، في تصريحات لـ"الغد"، أن الأسواق بدأت بالفعل ترصد انخفاضات على عدد من السلع الغذائية في الأسواق العالمية، ما ينبئ بانعكاس إيجابي محتمل على الأسواق المحلية خلال الفترة المقبلة.
ويرى مختصون أن تنوع مصادر الاستيراد والمنافسة العالية بين التجار محليا، إلى جانب استقرار البيئة الاقتصادية الأردنية، كلها عوامل كفيلة بامتصاص أي تقلبات حادة وضمان استقرار نسبي في أسعار الغذاء.
توقعات البنك الدولي لأسعار الغذاء
وكانت مجموعة البنك الدولي توقعت، في أحدث إصدار من نشرة آفاق أسواق السلع الأولية، أن تنخفض أسعار السلع الأولية العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ 6 أعوام بحلول العام المقبل، وأكد خبراء اقتصاديون أن هذا الانخفاض السنوي هو الرابع على التوالي.
وتشير التنبؤات إلى انخفاض بنسبة 7 % في العامين الحالي والمقبل. ويعود السبب في ذلك إلى ضعف النمو الاقتصادي العالمي، وتزايد الفائض النفطي، واستمرار حالة عدم اليقين بشأن السياسات.
وأشار التقرير إلى أن أسعار المواد الغذائية تشهد تراجعا ملحوظا، إذ من المتوقع أن تنخفض بنسبة 6.1 % في العام الحالي و0.3 % في العام المقبل. كما شهدت أسعار فول الصويا انخفاضا في العام الحالي نتيجة زيادة الإنتاج إلى مستويات قياسية والتوترات التجارية، مع توقعات بالاستقرار خلال العامين المقبلين. وفي المقابل، يرجح انخفاض أسعار البن والكاكاو في العام المقبل مع تحسن ظروف العرض.
ومع ذلك، من المتوقع أن ترتفع أسعار الأسمدة بنسبة 21 % في العام الحالي بسبب ارتفاع تكاليف المستلزمات والقيود التجارية، لكنها ستتراجع بنسبة 5 % في العام المقبل. ومن شأن هذه الزيادات أن تزيد من تآكل هوامش أرباح المزارعين وتثير مخاوف بشأن غلة المحاصيل المستقبلية.
كما توقع التقرير انخفاض متوسط أسعار خام برنت من 68 دولارا في العام الحالي إلى 60 دولارا في العام المقبل، وهو أدنى مستوى له خلال 5 أعوام. وعلى نطاق أوسع، يتوقع أن تشهد أسعار الطاقة انخفاضا بنسبة 12 % في العام الحالي، يعقبه انخفاض إضافي بنسبة 10 % في العام المقبل.
واقع التضخم والإنفاق الأسري
وسجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم)، ارتفاعا بنسبة 1.85 % خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب التقرير الشهري لدائرة الإحصاءات العامة.
وعليه، بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي ما مقداره 112.62 نقطة مئوية مقابل 110.57 للفترة نفسها من العام الماضي.
وحسب المجموعات السلعية للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، فقد ارتفع الرقم القياسي لمجموعة الأمتعة الشخصية، والتبغ والسجائر، والشاي والبن والكاكاو، والفواكه والمكسرات، والتوابل ومحسنات الطعام والمأكولات الأخرى، في حين انخفض الرقم القياسي لمجموعة الخضراوات والبقول الجافة والمعلبة، والأدوات المنزلية، والأثاث والسجاد والمفارش، والأسماك ومنتجات البحر.
وقدر متوسط إنفاق الأسرة الأردنية على الطعام بـ336 دولارا شهريا خلال العام 2023، وذلك بحسب تقرير لمؤسسة "فيتش سوليوشنز" التابعة لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، فيما لا تتوفر تقديرات رسمية حديثة، ويشار إلى أن مسح نفقات ودخل الأسرة الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة للعام 2017-2018، وهو آخر مسح نفذته الإحصاءات حول النفقات ودخل الأسر، كان قد أظهر أن متوسط الإنفاق السنوي للأسر الأردنية على السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات قد بلغ حوالي 12519 دينارا؛ حيث شكل الإنفاق على السلع الغذائية ما نسبته 32.6 % من مجموع الإنفاق الكلي، وبلغ متوسط إنفاق الفرد السنوي منه على الغذاء نحو 843 دينارا.
10 - 15 % حجم انخفاض أسعار البقوليات والحبوب المتوقع محليا
وأكد ممثل قطاع المواد الغذائية في غرفة تجارة الأردن جمال عمرو أن توقعات البنك الدولي بانخفاض أسعار السلع الأولية خلال العام المقبل في مكانها الصحيح، حيث يلاحظ وجود انخفاض على كثير من أسعار السلع الغذائية للعام المقبل في السوق العالمي.
وتوقع عمرو أن يبدأ السوق المحلي بملامسة انخفاض بعض السلع الغذائية الأساسية في النصف الثاني من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وبين أن أي انخفاضات تطرأ على أسعار السلع الأولية عالميا ستنعكس مباشرة على السوق الوطني، حيث إن تنوع الأسواق في الأردن وانتشارها الكبير ضامن كبير لذلك من خلال حده لأي نزوح نحو الاحتكار والتحكم في الأسواق.
وأوضح عمرو أن أسعار الحبوب والبقوليات في الأسواق العالمية للعام المقبل سجلت انخفاضات واضحة تتراوح ما بين 10-15 %، نتيجة وفرة الإنتاج الكبيرة المسجلة في عدد من الدول المنتجة للبقوليات كروسيا وكندا وأوكرانيا، مشيرا في الوقت ذاته إلى وجود ارتفاعات طفيفة على أسعار الزيوت، نتيجة إعادة فتح باب تصديرها بين الولايات المتحدة والصين، ما انعكس على الأسواق العالمية.
وقدر الانخفاض المتوقع على عدد من البقوليات، كالعدس بنوعيه والحمص والفول بنحو 15 قرشا للكيلو الواحد، إضافة إلى تراجع سعر الفريكة والبرغل بنحو 5 قروش للكيلو الواحد.
وأكد عمرو أن المؤشرات الأولية في الأسواق العالمية تشير إلى إمكانية انخفاض أسعار البن والكاكاو كذلك، خلال العام المقبل، إلا أن نسبة تراجعها لم تتضح بعد. ولفت إلى أن الانخفاض المتوقع في العام المقبل هو امتداد لحالة التراجع في الأسعار خلال العام الحالي؛ حيث انخفضت خلاله الكثير من السلع الغذائية في السوق المحلي، إذ انخفض الأرز بنحو 15 % عن مستوياته في العام الماضي (انخفاض من 125 إلى 95 قرشا للكيلو)، كما تراجعت أسعار السكر في السوق المحلي، العام الماضي، بنحو 10 %، وكذلك انخفضت أسعار الزيوت قبل أن ترتفع قليلا مؤخرا.
وفي الوقت ذاته، أشار عمرو إلى أن فرضية ارتفاع أسعار الأرز الأميركي تبقى مرتفعة بعد تخصيص الولايات المتحدة نحو 40 % من إنتاج الأرز لتصديره لليابان، لافتا إلى حدوث في نمط استهلاك الأرز في الأردن خلال الأعوام الأخيرة، حيث لم يكن يشكل الأرز الهندي أكثر من 30 % من إجمالي حجم الأرز المستهلك، إلا أنه في الأعوام الأخيرة اقترب من نسبة 50 %.
وأوضح أن مستويات أسعار الأغذية في الأردن، على مدار الأعوام الماضية، بقيت مستقرة، وكانت الارتفاعات التي حدثت بعد المد التضخمي متواضعة وأقل من مستوى الارتفاعات التي طرأت في الكثير من دول المنطقة.
وقدر تكلفة سلة استهلاك العائلة (أرز، زيت، سكر، حبوب) المكونة من خمسة أفراد بحوالي 60 دينارا.
تراجع أسعار الغذاء العالمية بدعم من وفرة المعروض
وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، مطلع الأسبوع الحالي، إن أسعار السلع الغذائية العالمية تراجعت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وللشهر الثاني على التوالي، بدعم من وفرة المعروض العالمي.
وسجل متوسط مؤشر الفاو لأسعار الغذاء، الذي يتتبع سلة من السلع الغذائية المتداولة عالميا، 126.4 نقطة في تشرين الأول (أكتوبر)، انخفاضا من قراءة معدلة لأيلول (سبتمبر) بلغت 128.5 نقطة.
وتراجع المؤشر بشكل طفيف مقارنة بمستواه في تشرين الأول (أكتوبر) 2024، ويقل بنسبة 21.1 بالمائة عن أعلى مستوى له على الإطلاق المسجل في آذار (مارس) 2022.
السلع الغذائية في الأردن.. أسعار مريحة
بدوره، قال المستورد محمد أبو عودة، إن أسعار الغذاء في الأسواق العالمية حاليا يمكن وصفها بالمريحة، إذ يتضح أن كثيرا من السلع الأساسية تتراجع أسعارها في الأسواق، إلا أن ذلك غير مستدام؛ حيث إن بورصة السلع في حركة دائمة وتتأثر بالمتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية والمناخية.
وبين أبو عودة أن توجه العالم خلال جائحة كورونا وبعدها إلى رفع منسوب التخزين والتزود أدى إلى ارتفاع أسعار السلع عالميا، وحاليا مع تراجع الطلب على التخزين، بدأت الأسعار بالانخفاض والعودة إلى الاستقرار شيئا فشيئا.
وأوضح أبو عودة أن السوق الأردني يعد من الأسواق الصحية؛ حيث يتأثر بشكل متناغم بالمتغيرات في السوق العالمي سواء بالارتفاع أو الانخفاض، لذا من المتوقع أن تنعكس الانخفاضات المتوقعة على أسعار السلع محليا خلال الفترة المقبلة.
ولفت أبو عودة إلى أن أغلب السلع الأساسية في سلة الغذاء الأردنية مستقرة منذ فترة، ومن المتوقع أن ينخفض بعضها مع العام الجديد، لافتا إلى أن المنافسة المستمرة في السوق الأردني، فضلا عن حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي محليا، تحدان من أي انتشار لظاهرة الاحتكار التي تعد أحيانا السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار وموجات الغلاء كما يحدث في كثير من الأسواق الخارجية.
ونوه أبو عودة إلى أن أداء الموسم المطري، والوضع المناخي، عامل رئيسي في معادلة أسعار السلع الأساسية، ففي حال تحسن مستويات الأمطار وتراجع موجات الجفاف، تنخفض الأسعار والعكس صحيح، ضاربا مثلا بأسعار زيت الزيتون حاليا، حيث إن سوء الموسم المطري محليا أثر على كميات إنتاجه ورفع سعره.
انخفاض أسعار اللحوم والدواجن
من جانبه، أكد التاجر إبراهيم خليل فريد، أن حالة التنافس الكثيف في القطاع التجاري وصغر حجمه أسهمت، خلال الأعوام الأخيرة، في استقرار أسعار السلع الغذائية محليا وانخفاض بعضها، كما حدت من حدوث ارتفاعات كبيرة وذات أثر.
وبين فريد أن أسعار الدواجن واللحوم سجلت، خلال الأشهر الأخيرة، انخفاضات متتالية، ويتوقع استمرارها في الانخفاض خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أنه في حال طرأ أي انخفاض على أسعار الأغذية عالميا قد يكون ارتدادها على السوق المحلي طفيفا، في ظل ارتفاع الكلف التشغيلية على التجار في السوق المحلي، الذين يبيعون بسقوف ربحية منخفضة للغاية، في ظل ضعف القدرة الشرائية لدى كثير من المواطنين.