موازنة 2026.. كيف يمكن تعزيز الإيرادات المحلية؟
مزيج من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والتشريعية يفتح الباب لرفع الإيرادات
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
- تنظيم الاقتصاد غير الرسمي وتوسيع شراكة القطاع الخاص
-دعوات لمكافحة التهرب الضريبي وتعزيز كفاءة التحصيل
في الوقت الذي توقعت فيه الحكومة أن تصل الإيرادات المحلية إلى 10.196 مليار دينار لعام 2026، شدد خبراء اقتصاديون على أن هناك فرصا كامنة لتعزيز حجم هذه الإيرادات المحلية، مستندين إلى توقعات بتحسن الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9 % وتحسن أداء القطاعات الإنتاجية والخدمية.
ودعا هؤلاء في تصريحات لـ"الغد"، إلى أهمية الاستفادة من الموازنة العامة لعام 2026 كأداة للإصلاح المالي، مشيرين إلى أن التنفيذ الفعال للإصلاحات يمكن أن يزيد من فرص تحصيل الإيرادات.
ويرى الخبراء أنه يمكن زيادة تحصيل الإيرادات المحلية من خلال مزيج من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والتشريعية التي تتمثل في عدد من الإجراءات المقترحة والتي تشمل تعزيز مكافحة التهرب الضريبي وتوسيع قاعدة الضرائب، إضافة إلى تبني نهج إدارة المخاطر في التدقيق الضريبي، مع الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية لمراقبة المعاملات، فضلا عن تطوير تطبيقات إلكترونية للإبلاغ عن حالات التهرب، وتعديل الهيكل التنظيمي لدائرة الضريبة لرفع كفاءة التدقيق، بما في ذلك تأهيل المدققين في المحافظات لتدقيق إقرارات ضريبة المبيعات.
وطالبوا بتوسيع الحكومة الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز كفاءة التحصيل، بما يشمل دمج أنظمة الدفع الإلكتروني في الإيرادات الجمركية والضريبية، وتحفيز النمو الاقتصادي لدعم القطاعات الإنتاجية الأساسية مثل الصناعة والسياحة والصادرات، وخفض كلفة الإنتاج لجذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الدخل من العملات الأجنبية وتوفير فرص عمل.
ويضاف إلى ذلك تنظيم الأنشطة الاقتصادية وتوسيع قاعدة المكلفين، خصوصا في الاقتصاد غير المنظم، حيث يمكن أن يساهم ذلك في رفع الإيرادات بشكل ملموس.
وأكد هؤلاء الخبراء أن توسيع جهود مكافحة التهرب الضريبي يمثل ضرورة ماسة، باعتباره أحد أبرز الاختلالات التي تؤثر على نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي لا تزال منخفضة نسبيا. ودعوا إلى مواصلة رفع كفاءة التدقيق لتغطية أكبر عدد ممكن من المعاملات الاقتصادية، بما يضمن استدامة الإيرادات العامة ويدعم النمو الاقتصادي المستدام على المدى الطويل.
2 % ارتفاع الإيرادات المحلية في موازنة 2026
وقدرت الحكومة في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026 الإيرادات العامة بنحو 10.931 مليار دينار، منها 10.196 مليار دينار إيرادات محلية بارتفاع مقداره
2 % قياسا مع المعاد تقديره لعام 2025، و735 مليون دينار منح خارجية.
وبحسب المشروع سيتم تحصيل الإيرادات المحلية من خلال بندين رئيسيين هما الإيرادات الضريبية التي قدرت بـ7.656 مليار دينار، منها حوالي 5.176 من الضرائب على السلع والخدمات ، مقابل ما يقارب 1.926 من الضرائب على الدخل والأرباح.
أما فيما يتعلق ببند الإيرادات غير الضريبية فتوقعت مشروع الموازنة تحصيل نحو 2.540 مليار دينار.
التوسع في الرقمنة والإصلاحات طريق لزيادة الإيرادات
وشدد الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة على وجود فرص كامنة واضحة في الاقتصاد الأردني لعام 2026، مدعومة بتوقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9 % وتحسن أداء القطاعات الرئيسة.
وأوضح أن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والتحول الرقمي والاقتصاد الرقمي، وتطبيق إستراتيجية "REACH 2025"، توفر فرصا في الخدمات الإلكترونية مثل السجلات الصحية الإلكترونية، مما يعزز الكفاءة ويفتح أبوابا لإيرادات جديدة من الخدمات الرقمية.
ولفت المخامرة إلى أن دخول الاقتصاد عام 2026 ببوادر مشجعة، مع توقعات تحسن مستمر في معدلات النمو مدعوما بارتفاع الاستثمارات وتحسن السياحة، يعزز من هذه الإيرادات، مشيرا إلى أن الموازنة نفسها تمنح فرصا للإصلاح المالي، مثل زيادة الإيرادات من خلال الشراكات الدولية والمنح، وهو ما قد يرفع الإيرادات بنسبة
9.9 % مقارنة بعام 2025 المعاد تقديره إذا تم تنفيذ الإصلاحات بفعالية.
وبين المخامرة لـ"الغد"، أن هناك فرصا لتعزيز الإيرادات المحلية عما هو مقدر في مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026، وذلك من خلال مزيج من الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والتشريعية التي تتمثل في عدد من الإجراءات المقترحة والتي تشمل تعزيز مكافحة التهرب الضريبي وتوسيع قاعدة الضرائب، إضافة إلى تبني نهج إدارة المخاطر في التدقيق الضريبي، مع الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية لمراقبة المعاملات، وهو ما أدى بالفعل إلى زيادة الإيرادات الإضافية بنسبة تصل إلى 50 % في السنوات الأخيرة.
ويضاف إلى ذلك تطوير تطبيقات إلكترونية للإبلاغ عن حالات التهرب، وتعديل الهيكل التنظيمي لدائرة الضريبة لرفع كفاءة التدقيق، بما في ذلك تأهيل المدققين في المحافظات لتدقيق إقرارات ضريبة المبيعات، يعد جزءا من هذا المسار.
وأشار المخامرة إلى أهمية تحسين آليات التحصيل الإداري والمالي من خلال إنشاء هيكل تنظيمي سليم في الجهات المسؤولة مثل البلديات والوزارات لتحديد الصلاحيات بوضوح، مع تبني أنظمة معلومات محاسبية متكاملة لتتبع الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، بما في ذلك رقمنة الخدمات الضريبية لتقليل الاعتماد على المعاملات الورقية.
وأكد على دور الشراكات مع القطاع الخاص في تحسين عمليات التحصيل، مثل دمج أنظمة الدفع الإلكتروني في الإيرادات الجمركية والضريبية، إلى جانب تحفيز النمو الاقتصادي لزيادة الإيرادات الطبيعية، ودعم القطاعات الرئيسة مثل الصناعة والسياحة والصادرات من خلال خفض كلف الإنتاج، بما يعزز النشاط الاقتصادي ويرفع الإيرادات الضريبية تلقائيا. وأضاف أن إصلاح بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية يسهم في زيادة الدخل من العملات الأجنبية وتوفير فرص عمل.
وعن الحاجة لتوسيع مكافحة التهرب الضريبي، أكد المخامرة أنها ضرورة ماسة، باعتبارها أحد أبرز الاختلالات في النظام الضريبي، وتؤثر سلبا على نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي التي لا تزال منخفضة. وأضاف أن التقارير الدولية، بما فيها تقرير صندوق النقد الدولي، تؤكد التقدم المحرز في توسيع القاعدة الضريبية، لكنها توصي بتعزيز الجهود لتغطية المزيد من المعاملات ورفع كفاءة التدقيق.
الإصلاح والنمو مفتاحا زيادة الإيرادات المحلية
بدوره، قال الخبير الاقتصادي زيان زوانة، إن الاقتصاد الوطني يمتلك فرصا واضحة لتحسين الإيرادات المحلية، مشيرا إلى أن الحكومة مدعوة لتبني طرق متنوعة لتعزيز إيراداتها، تشمل تحسين آليات التحصيل ومكافحة التهرب والتحايل، بالإضافة إلى رفع كفاءة الإنفاق عبر تحديد أولويات واضحة وضبط النفقات.
وأوضح زوانة لـ"الغد" أن السير بخطوات مدروسة في الإصلاح الإداري، لا سيما فيما يتعلق بحجم القطاع العام سواء في الحكومة أو المؤسسات المستقلة، يعد ضروريا، إلى جانب تحفيز النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار الذي يوفر فرص عمل ويسهم في تعزيز الإيرادات.
ولفت زوانة إلى أن إصلاح الاختلالات في سوق العمل يشكل جزءا أساسيا من هذه الإستراتيجية، مشددا على أن زيادة الإيرادات العامة تتطلب نشاطا اقتصاديا مستداما يدعم موارد الخزينة العامة ويضمن استمرارية النمو.
التهرب الضريبي.. ثغرة كبرى
من جانبه، اعتبر مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض أن التهرب الضريبي ثغرة كبرى تنزف منها المالية العامة، إذ يحرم الدولة من موارد واسعة وفرصة لتحسين الإيرادات العامة، يمكن أن تستخدم لتحسين التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
وأضاف لذلك فإن توسيع مكافحة التهرب الضريبي بات ضرورة ملحة، من خلال تكثيف متابعة الجهات المتهربة، وتشديد الرقابة على الأنشطة الاقتصادية والمهنية ذات الأرباح المرتفعة، وتطوير أدوات التدقيق الإلكترونية، وتبسيط الإجراءات لتقليل فرص التلاعب.
ولفت عوض لـ"الغد" إلى أن تنظيم الأنشطة الاقتصادية وتوسيع قاعدة المكلفين، خصوصا في الاقتصاد غير المنظم، يمكن أن يرفع الإيرادات بشكل ملموس دون زيادة الضرائب على الملتزمين.
وأشار إلى أن إصلاح السياسات الضريبية هو أحد أهم مفاتيح تحسين الإيرادات العامة دون تحميل المواطنين ذوي الدخل المحدود أعباء إضافية. فالأولوية اليوم يجب أن تكون تعزيز ضرائب الدخل التصاعدية على أصحاب الدخول العالية، وفرض ضرائب عادلة على الأصول المدرة للدخل ورؤوس الأموال، بدلا من الاعتماد المفرط على ضريبة المبيعات والضرائب المقطوعة التي ترهق الفئات المتوسطة والفقيرة
وشدد عوض على أن الفرصة ما تزال قائمة لتحقيق نظام ضريبي أكثر عدالة وكفاءة، شريطة وجود نوايا وخطط واضحة تعيد توزيع العبء الضريبي على أساس القدرة الفعلية على الدفع، وتعيد الثقة بين المواطن والدولة عبر إنفاق عام أكثر فاعلية وشفافية.