أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    31-May-2018

إضراب..! *علاء ابو زينة

 الغد-خبرة جديدة تماماً عاشها معظم الأردنيين بالأمس. كنا نشاهد الإضرابات على شاشات التلفزة في الأماكن الأخرى فقط. لكن ممارسة الإضراب –كشكل من أشكال الاحتجاج- وصلت أخيراً إلى هنا -وليس من شيء قليل. لم يسبق أن توقف الناس هنا عن العمل بهذا المستوى الوطني، وبهذا المستوى من الاتفاق. ولذلك، راقبنا هذه التجربة بمزيج من الترقب والأمل.

 
الكل كان يسأل بالأمس بالهاتف، أو برصد الأخبار في وسائل الإعلام الرسمية والاجتماعية، عن القطاعات الملتزمة بالإضراب. والمعظم تمنوا في دخيلتهم أن يكون المشاركون كثيرين وأن تنجح التجربة في إعادة شيء من الأهمية لصوت الشارع الأردني الذي لا يصل. والمعيار، بطبيعة الحال، هو تحقيق المطلب الفردي والجماعي بالتوقف عن مطاردة المواطن بالمزيد من المطالبات المالية، في شكل رفع الأسعار المستمر وفرض عشرات الضرائب والرسوم. ومع أن العنوان كان مشروع تعديل قانون ضريبة الدخل، فإن المناسبة كانت فرصة للتعبير عن الاستياء من كل ما سبق وتراكم من الضغوط، ومن أسبابها.
 
ربما كان الأردنيون يمارسون إضراباً إجبارياً مستمراً في السنوات الأخيرة عن كثير من الأعمال والأنشطة التي يرغبونها، لأنهم لا يمتلكون كلفتها. وعند نقطة معينة، يصبح الأمر أشبه بإضراب جبري عن الحياة، والذي يعبر عن نفسه في الإحباط والعزلة والتعايش مع الهموم. وليس الأمر أن الناس لا يحسون بالبلد ولا يعرفون عن الضغوط التي يتعرض لها، لكنهم يشعرون بأن الأمور يمكن أن تكون أحسن لو أنها أديرت بطريقة أحسن –أو يعتقدون ببساطة بأنهم ليسوا المذنب النهائي الذي يجب أن يتحمل كل العبء، وأن يُجبر على دفع ثمن غير موجود في متناوله أصلاً لأخطاء لم يقترفها.
 
البعض تخوف على الإضراب. قالوا إن الإضراب يجب أن يكون مرحلة متقدمة في النضال المطلبي، والتي يجب أن يسبقها إعداد منظم وكافٍ لإشراك أكبر قطاع ممكن من أصحاب المصلحة والمواطنين حتى ينجح في تحقيق غاياته. والفكرة أنه إذا فشل الإضراب -هذا الخيار شبه الأخير- بسبب عدم التحضير، فإن النتيجة يمكن أن تكون عكسية تماماً. ماذا بعد الإضراب؟ الجواب مخيف حتماً: إما أن يمرّ أي شيء بعد ذلك بلا قول للناس بعد أن استنفدوا وسائلهم؛ أو أن يذهب الناس إلى الخيارات المرعبة الأكثر تطرفاً، والتي لا ينبغي أن يرغب فيها أحد. وهما احتمالان سيئان بما يكفي. 
 
بشكل عام، كان الناس يتابعون وينتظرون آخر النهار ليروا ما تسفر عنه هذه المحاولة لإيصال الصوت الشعبي. في أماكن أخرى، حققت الإضرابات –أو المقاطعات- شيئاً لجهة تخفيف العبء عن الناس والإعلان عن وجودهم. ومهما تكن زاوية النظر، فإن فشل هذا النشاط يعني سلباً في تقييم حيوية البلد وشبهه بالشعوب الحية التي تختبر طبيعية الأخذ والعطاء والتفاوض على المستوى الوطني. فالإضراب بعد كل شيء هو دعوة إلى الحوار، وتكامل المشروع الوطني بفض القطيعة بين الناس والمسؤولين وبدء التشاور وخوض حوار في اتجاهين بدلا من الهبوط كالقدر من أعلى إلى أسفل فقط.
 
لا أعرف –حتى كتابة هذه السطور- ما نتيجة هذه التجربة. لكنّها –مهما تكن- جزء من مسعى إلى تحقيق قدر معقول من الإنسانية الراضية. ليست المسألة محاولة من الأردنيين للتهرب مما يترتب عليهم من استحقاقات -لو شعروا فقط بأنهم يستفيدون من العائد. وحتى الآن، لم يتلقوا وعداً مبرراً بأن الإجراءات التقشفية والضغط الاقتصادي ستقود إلى انفراج –بإطلاعهم على منهجية واضحة تفيد بأنهم يتحملون فقط لفترة لها نهاية واضحة.
 
ربما يمكن تلخيص قضية الضرائب والإضراب كلها بشيء كتبته قبل فترة وجيزة الطبيبة النفسية المقيمة في الدنمارك، ماري لارسِن، عن تفسير سعادة الدنماركيين: "نعم، لدى الدنماركيين حكومة مستقرة، ومستويات منخفضة من الفساد العام، وهم يحصلون على نوعية عاليةٍ من التعليم والرعاية الصحية". صحيح أن لدى الدنمارك "أعلى الضرائب في العالَم، لكن الغالبية العظمى من الدنماركيين يدفعون بسعادة: فهم يعتقدون أن زيادة الضرائب يمكن أن تخلق مجتمعاً أفضل".
 
أتصور أن هذا هو ما أراد الناس قوله بإضراب الأمس.. وهو مجمل القضية.