أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    31-Mar-2025

هل سيحسم التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي مستقبل السباق بين أمريكا والصين على التفوق الاقتصادي والنفوذ العالمي؟

 واشنطن – د ب أ: واجهت الولايات المتحدة لحظات حاسمة من قبل، مثل الحربين العالميتين الأولى، والثانية والحرب الباردة والكساد الاقتصادي في السبعينيات، وصعود اليابان في الثمانينيات، وهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. لكن المنافسة الحالية مع الصين مختلفة تماماً.

فالصين تنافس الولايات المتحدة على صعيد حجم الاقتصاد والتطور التكنولوجي والنفوذ العالمي والطموح الجيوسياسي. في المقابل لا يمتلك صُنّاع السياسة في واشنطن إستراتيجية متماسكة لمواجهة هذا التحدي غير المسبوق، وإنما يدورون في حلقة خطيرة من القرارات التي تأخذ شكل ردود الفعل، وهو ما يصب في النهاية في صالح بكين على حد قول ديوي مورديك، المدير التنفيذي لمركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة في جامعة جورج تاون الأمريكية، ووليام هاناس المحلل الرئيسي في المركز في التحليل المشترك الذي نشره موقع مجلة «ناشونال إنتِرِست» الأمريكية.
فالولايات المتحدة تعتمد  حالياً في مواجهة التحديات على أدوات تشمل الإكراه من خلال العقوبات الاقتصادية والتهديد بالعمل العسكري.  ورغم فعالية هذا النهج إلى حد ما في الماضي فإنه غير كافٍ لمواجهة التحدي الصيني، خاصة وأن الولايات المتحدة تتعامل مع تحركات الصين على أساس رد الفعل، بدلاً من السعي الإيجابي وراء تحقيق أهدافها.
وتحتاج واشنطن إلى إستراتيجيات جديدة، مدعومة بالبحث والرصد المستمر، لتقييم قدرات الصين التنافسية، وتتبع تقدمها التكنولوجي، وتقييم المخاطر الاقتصادية، وتمييز أنماط تعاملها مع الدول الأخرى.
وكلما اتخذت واشنطن تدابير أفضل وحققت فهماً أعمق للتحديات التي تواجهها الصين كلما نجحت في بلورة رؤية استباقية لضمان نجاحٍ طويل الأمد في ظل المنافسة الجيوسياسية، في حين أن النهج الحالي الأمريكي  وهو مزيج من ردود الفعل التي تشعرنا بالرضا، وتعالج الأعراض وتتجاهل الأسباب الكامنة  يعتبر وصفة للهزيمة.
ويرى ديوي مورديك ووليام هاناس في تحليلهما أن فكرة إمكانية احتفاظ الولايات المتحدة بالريادة العالمية إلى أجل غير مسمى من خلال إبطاء صعود الصين من خلال قيود التصدير وغيرها من العقبات هي فكرة قصيرة النظر. فالقدرة النووية للصين ومكانتها المرموقة في مجال الذكاء الاصطناعي تظهران مدى سخافة الاعتماد على مثل هذه الأساليب.
وعلى صُنّاع القرار في واشنطن إدراك حقيقة أن عواقب سوء فهم الصين باهظة بالنسبة للولايات المتحدة التي قد تجد نفسها في مواجهة حرب أو نشر لمسببات الأمراض أو هجمات على البُنية التحتية في أسوأ السيناريوهات، لذلك يجب التواصل المستمر وبناء الثقة مع بكين للتخفيف من حدة هذه المخاطر، كما يجب على واشنطن التخلي عن الغطرسة التي صبغت موقفها تجاه الصين ومعظم دول «العالم الثالث» السابق.
لكن لا يعني ذلك أن الصين تخلو من نقاط الضعف، وفي مقدمتها سيطرة الحزب الشيوعي الحاكم واعتماده جزئيا على شبكة من المراقبة والقمع تجرم التفكير والتعبير غير التقليديين.
ويرى الباحثان أنه مقابل القمع والطاعة يضمن الحزب للشعب استمرار الرخاء. لكن هذه الصفقة تصبح هشة عندما تبدأ تناقضات الديكتاتورية والاقتصاد الموجه بالظهور، أو كما يقال في الصين التقليدية، عندما يفقد الحاكم «تفويض السماء».
وبالفعل تشهد الصين هذه الأيام تصدعات في هذه المعادلة، حيث  يكافح الشباب لإيجاد وظائف، ويواجه قطاع العقارات الذي تدَّخِر فيه العائلات الصينية ثرواتها صعوبات. والحكومات المحلية التي اقترضت بكثافة غارقة في الديون.  ويعاني المجتمع الصيني من الشيخوخة المتسارعة بسبب نقص عدد المواليد، مع تناقص عدد العمال الذين يعيلون المزيد من المتقاعدين.
وإذا كان الفوز هو الهدف، فهناك فرصة أمام إدارة ترامب لاستغلال نقاط الضعف الصينية من خلال شن نفس الحرب النفسية التي تمارسها الصين ضد الولايات المتحدة وحلفائها من خلال عمليات «الجبهة المتحدة»، أو على الأقل، بتأكيد التمييز بين الشعب الصيني والنخبة التي تحكمه.
كما يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة في مواجهتها مع الصين من خلال منع وصول التكنولوجيا الأجنبية المتقدمة إلى الصين، وتشجيع الدول والشركات الأجنبية التي تتعاون مع الصين على وضع مصالح الولايات المتحدة في الاعتبار عند اتخاذ قراراتها بشأن التعاون مع الصين. في الوقت نفسه فإن استغلال نقاط ضعف الصين لترجيح كفة الولايات المتحدة يُبعد السياسة الأمريكية عن دائرة رد الفعل التي تدور داخلها منذ سنوات، لكي تركز على أهداف محددة.  ومع ذلك يظل على واشنطن إدراك ثلاث نقاط أساسية وهي:
أولاً: على إدارة ترامب، وقادة الشركات، والمتبرعين في الولايات المتحدة ضخ استثمارات عامة وخاصة غير مسبوقة في تنمية المواهب، بما في ذلك المهارات الصناعية التي لا تتطلب شهادات جامعية، وفي البحث والتطوير عالي المخاطر/عالي العائد.
ثانياً: الاعتراف بأن التكنولوجيا غير كافية لضمان هيمنة الولايات المتحدة.  فالصين تدرك ضرورة تحويل الاكتشافات إلى منتجات، وقد صقلت مهاراتها في ذلك على مدى آلاف السنين.
وحالياً، تُشَغِّل الصين مئات «مراكز الأبحاث» الممولة من الدولة في جميع أنحاء البلاد، بعيدا عن المدن الكبرى الساحلية لتسهيل ترجمة الأفكار الجديدة إلى منتجات. كما تُنشئ «سلاسل صناعية متكاملة للذكاء الاصطناعي» لتوفير تقنيات الحَوسبة والذكاء الاصطناعي للشركات المحلية، بما في ذلك الشركات العاملة في المناطق الداخلية، وهو ما يضمن لها تحقيق قفزات كبيرة في هذا المجال ويزيد خطورتها على الولايات المتحدة، حيث أصبح من الواضح أن التفوق في ميدان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحسم مستقبل التنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة
ثالثاً: تحتاج إدارة ترامب إلى آلية فعالة لجمع وتحليل البيانات العلمية الأجنبية تشبه في جوهرها، وإن لم تكن بنفس نطاق الآلية التي تستخدمها الصين لتحديد أساس تطورها. فالجهود الأمريكية الحالية لتتبع العلوم الأجنبية من خلال وكالات متخصصة في جمع المعلومات السرية لا تناسب مهمة رصد المعلومات «السرية».
وستساعد هذه النافذة التي تُطِلّ على البُنية التحتية التكنولوجية الصين في توجيه قرارات الاستثمار وتعزيز أمن البحث العلمي من خلال كشف الثغرات التي يسعى المنافسون إلى سدها من خلال التعاملات غير المشروعة للحصول على التكنولوجيا الأمريكية أو الغربية المحظور تصديرها إلى الصين.
أخيراً يمكن القول إن الولايات المتحدة لن تنجح في التصدي للصين بمجرد العمل على وقف صعودها، فهذا أمر غير محتمل وغير ضروري. ولكن ستنجح إدارة الرئيس ترامب في تحقيق الهدف من خلال إعادة بناء الطاقة الإنتاجية الأمريكية لخلق فرص لكل الأمريكيين.
ويتطلب هذا النهج الصبر والاستثمار المستدام، لكن البديل الذي يعتمد على تعليق الآمال على المعرفة المجردة، والرد على تحركات الصين، في حين تتدهور المجتمعات الأمريكية،  أسوأ بكثير.