البيانات تتحدث: هل نستمع؟*د. حمزه العكاليك
الغد
هل تعلم أن البيانات أصبحت العملة الجديدة في عالمنا؟ تماما كما كان النفط هو المحرك الرئيسي للثورة الصناعية، فإن البيانات هي الوقود الذي يدفع عجلة التقدم في عصرنا الحاضر. فالعالم يشهد تحولات جذرية في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع، وفي قلب هذه التحولات يأتي علم البيانات ليبرز كأحد أهم الأدوات التي يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف التنمية، والتحديث التي تبنتها الدول. وتعتبر المعلومة الصحيحة وتوافرها لصانع القرار أساسا مهما من أسس احداث التنمية المستدامة وعلم البيانات يمكن أن يساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة.
يمكن لعلم البيانات تحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة بالفقر والبطالة والصحة والاقتصاد، وغيرها، مما يساعد في فهم أبعاد هذه التحديات بشكل أكثر دقة وتحديد المناطق الأكثر تضررا. ويمكن للنماذج الإحصائية والتعلم الآلي اكتشاف الأنماط والاتجاهات الخفية في البيانات، مما يساعد في فهم العوامل المؤثرة في المشاكل المعقدة. وعليه فإنه يمكن لعلم البيانات تقديم رؤى جديدة وقيمة حول كيفية تخصيص الموارد وتحسين السياسات والبرامج. ويمكن تقييم تأثير التدخلات والبرامج المختلفة باستخدام البيانات، مما يساعد في تحديد ما هو فعال وما هو غير فعال.
ولعلم البيانات دور أساسي في العصر الحاضر في تعزيز دور الأفراد في اتخاذ القرار وذلك من خلال توفير معلومات دقيقة وشاملة وإمكانية الوصول إلى كم هائل من المعلومات. حيث يمكن للأفراد استخدام أدوات التحليل المتاحة بسهولة لتحليل هذه المعلومات واستخلاص النتائج ذات الصلة بقراراتهم. وهذا سيساهم بتوفير رؤى جديدة للكشف عن الأنماط والاتجاهات الخفية في البيانات، مما يوفر للأفراد رؤى جديدة تساعدهم على فهم القضايا المعقدة واتخاذ قرارات أفضل.
ومن الأمثلة على ذلك فأنه بالاطلاع على بيانات وندوات منتدى الإستراتيجيات الأردني يلاحظ أن جميع التحاليل والوثائق تستند إلى تحليل علمي يستند إلى أساليب تكنولوجية لتحليل البيانات المتوفرة وتقديمها لصانع القرار والأفراد في محاولة لتحسين جودة القرار المتخذ وإعادة توجه مصادر التمويل إلى أكثر القطاعات احتياجا.
ويمكن للبيانات أن تساعد في تقليل التحيز في اتخاذ القرار، حيث يتم استبدال القرارات المبنية على الحدس أو الخبرة الشخصية بقرارات مدعومة بالدليل. وعندما يتم دعم القرارات بالبيانات والتحليلات، تزداد ثقة الأفراد في صحة هذه القرارات ويساعد هذا بالثقة في تقليل المخاطر المرتبطة باتخاذ القرارات المهمة. ويمكن للأفراد استخدام البيانات لمقارنة الخيارات المختلفة المتاحة أمامهم وتقييم مزايا وعيوب كل خيار. وتحسين اختيار الخيارات حيث يساعد هذا المقارنة في اختيار الخيار الأمثل الذي يلبي احتياجاتهم وأهدافهم.
كما أن علم البيانات يساهم مساهمة فعالة في تحديد الأولويات وتخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج أفضل بأقل تكلفة. فمن خلال أتمتة العديد من العمليات الروتينية باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يوفر الوقت والجهد ويسمح للموظفين بالتركيز على المهام الأكثر أهمية.
كذلك يمكن تطوير مؤشرات أداء رئيسية لقياس التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يساعد في تحديد الفجوات وتوجيه الجهود المستقبلية. ومن الممكن إنشاء لوحات قيادة تفاعلية لتقديم معلومات شاملة حول التقدم المحرز في تحقيق الأهداف، مما يسهل اتخاذ القرارات وتقديم التقارير. وبالاستناد إلى علم البيانات يمكن تحفيز الابتكار وتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات العالمية، مثل الزراعة الذكية وإدارة المياه المستدامة والطاقة المتجددة. وكذلك تسهيل التعاون بين مختلف القطاعات، مثل الحكومات والقطاع الخاص والأكاديميا والمجتمع المدني، لتطوير حلول مشتركة.
ومن الأمثلة على تطبيقات علم البيانات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ففي الزراعة: يمكن استخدام علم البيانات لتحسين إنتاج المحاصيل وإدارة الموارد المائية، وتقليل الآثار البيئية للزراعة. اما في الصحة فاستخدام علم البيانات يساهم في تتبع الأمراض وتطوير علاجات جديدة، وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية. واما في قطاع الطاقة فيمكن استخدام علم البيانات لتطوير شبكات الطاقة الذكية وإدارة استهلاك الطاقة بشكل أكثر كفاءة. واما في مجال المدن الذكية فيمكن استخدام علم البيانات لتصميم مدن أكثر استدامة وكفاءة، وتوفير خدمات أفضل للمواطنين.
إلا انه على الرغم من الفوائد الكبيرة لعلم البيانات، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها، مثل: جودة البيانات حيث إن فعالية علم البيانات تعتمد على جودة البيانات المتاحة، وهناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان دقة وموثوقية البيانات. وكذلك لا بد من الانتباة الفجوة الرقمية حيث يجب العمل على تقليل الفجوة الرقمية لضمان وصول الجميع إلى فوائد علم البيانات.
يعتبر علم البيانات أداة قوية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فمن خلال فهم التحديات بشكل أفضل واتخاذ قرارات مستنيرة وتحسين الكفاءة ومراقبة التقدم والابتكار، يمكن لعلم البيانات أن يساعد في بناء مستقبل أكثر استدامة للجميع.
فمن خلال تحليل البيانات الضخمة، يمكن تحسين الخدمات، واتخاذ قرارات أفضل، وتعزيز جودة الحياة للمواطنين. ومع ذلك، يجب مواجهة التحديات المتعلقة بجودة البيانات والخصوصية والتكلفة والكفاءات. من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والتعاون بين القطاعات المختلفة، يمكن تحقيق التنمية المستدامة وتحسن حياة الأجيال القادمة.