خلاصة شاملة للموازنة العامة لعام 2026.. خطوة على طريق التعافي*انس الرواشدة
الدستور
تمثل الموازنة العامة للدولة البوصلة الاقتصادية والمالية للأردن، وتُعد وثيقةً سياسيةً تعكس أولويات الحكومة في إدارة الشأن العام، تبرز مجموعة من الملاحظات التي تُشكِّل مدخلات مهمة للتطلع نحو موازنة عام 2026 وما بعدها.
أولاً: أبرز ملامح وملاحظات على موازنة 2026
1. استمرار نهج التقشف المدعوم بالنمو: رغم بلوغ إجمالي النفقات 13 مليار دينار، إلا أن العجز الكلي المُقدَّر بلغ حوالي 2 مليار و125 مليون دينار، مما يشير إلى استمرار سياسة ضبط الإنفاق قدر الإمكان. ومع ذلك ركزت الموازنة في تحقيق التوازن بين التزامات الدولة الاجتماعية والإقتصادية والضغوط المالية الداخلية والخارجية.
2. الاعتماد على المساعدات الخارجية: لا تزال الموازنة تعتمد بشكل كبير على المنح الخارجية، التي قُدِّرت بنحو 734 مليون دينار. يُعد هذا نقطة ضعف هيكلية، إذ يجعل الاقتصاد الأردني عرضة لتقلبات السياسات الدولية والظروف الإقليمية. أي تراجع في هذه المنح سيشكل ضغطاً مباشراً على الخزينة ويزيد من الحاجة للاقتراض.
3. خدمة الدين: العملاق الذي يلتهم الموارد: تستهلك خدمة الدين العام (أقساط وفوائد) الحصة الأكبر من النفقات، حيث تُخصَّص لها نحو 17% من إجمالي النفقات. هذا يعني أن ثلث أموال دافعي الضرائب تذهب لتسديد ديون سابقة، مما يحد من قدرة الحكومة على توجيه الاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية والخدمية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
4. تحفيز القطاع الخاص.. بين الخطاب والواقع: تضمنت الموازنة خطاباً واضحاً حول دعم القطاع الخاص كمحرك للنمو، من خلال بعض الحوافز الضريبية والبند المرن للاستثمار. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في ترجمة هذه الخطط إلى واقع ملموس، حيث لا تزال المعوقات الإدارية والبيروقراطية تشكل عائقاً أمام المستثمرين.
5. السياسة الضريبية: البحث عن موارد جديدة: تسير الموازنة على نهج توسيع القاعدة الضريبية بدلاً من فرض ضرائب جديدة مباشرة، مع التركيز على مكافحة التهرب الضريبي والجمركي. هذا توجه إيجابي، لكنه يتطلب تعزيز كفاءة مؤسسات الرقابة والتحصيل.
ثانياً: تطلعات وتحديات متوقعة نحو موازنة 2026
بناءً على قراءة موازنة 2025 والسياق الاقتصادي المحلي والإقليمي، يمكن استشراف عدة نقاط ستكون حاسمة في صياغة موازنة 2026:
1. اختبار متانة الإصلاحات: ستكون موازنة 2026 محكاً حقيقياً لنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي وتحقيق رؤية التحديث الإقتصادي الممتد مع صندوق النقد الدولي. إذا نجحت سياسات الحكومة في تعزيز النمو وزيادة الإيرادات المحلية، فسنشاهد انخفاضاً في نسب العجز والاقتراض. أما إذا تراجع النمو، فستكون الخيارات صعبة بين زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق على الخدمات الاجتماعية.
2. الاستعداد لمرحلة «ما بعد المنح»: يجب أن تبدأ الاستعدادات من الآن لموازنة 2026 بافتراض انخفاض أو عدم ورود المنح الخارجية. هذا يتطلب تسريع وتيرة الخصخصة (برنامج شراكة القطاع العام والخاص) وخلق بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر لتعويض الفجوة التمويلية المحتملة.
3. التركيز على القطاعات الإنتاجية: من المتوقع أن تزيد موازنة 2026 الضغط على الحكومة لتوجيه استثمارات أكبر نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، والصناعات الدوائية والتحويلية والزراعة. هذه القطاعات هي وحدها القادرة على خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة وتوليد إيرادات ضريبية في المدى المتوسط.
4. التكيف مع التغيرات المناخية: مع تفاقم أزمة شح المياه، سيكون من الملح تخصيص استثمارات أكبر في موازنة 2026 لمشاريع إدارة المياه، مثل تحلية مياه البحر ومشاريع الري الذكية. هذا لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة أمنية قومية.
5. الاستفادة من الاستقرار الإقليمي: إذا استقر الوضع الإقليمي، يمكن لموازنة 2026 أن تركز على تعظيم دور الأردن كمركز لوجستي وتجاري، من خلال تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة وتعزيز التعاون الاقتصادي مع العراق وسوريا
6. شهدت الموازنة توسع في مخصص الإنفاق الرأسمالي حيث بلغ مليار و600 مليون دينار في خطوة سابقة لم تشهدها الموازنات السابقة وتغير ملحوظ في سياسة إعدادها مع طلب التوسع اكثر في الأعوام المقبلة لما له تأثير إيجابي على الإنتاج بشكل عام .
خاتمة: موازنة الأردن لعام 2026 تمثل استمراراً لإستراتيجية balancing act بين الإصلاح المالي والحفاظ على الاستقرار الإقتصادي والاجتماعي الاجتماعي، والانتقال من ثقافة «إدارة الأزمة» إلى ثقافة «صناعة الفرص». والنجاح في ذلك لن يُقاس بارتفاع الأرقام في بنود الإيرادات والنفقات، بل بانخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي، وتراجع معدلات البطالة، وزيادة ثقة المواطن والمستثمر في الاقتصاد الوطني. الموازنة ليست مجرد أرقام، إنها عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن. وحسب وجهة نظري بأن الموازنة العامة لعام 2026 هي موازنة استقرار مالي أكثر منها توسعاً اقتصادياً بالإيرادات أو الإنتاج.