أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    17-Nov-2025

جيل يصنع مستقبل الأردن*ليث القهيوي

 الغد

في الشارع الأردني ملامح جيلٍ يولد من قلب التعب، جيل أرهقته البطالة وارتفاع كلفة الحياة وضيق المسارات، لكنه لم يلق سلاح الأمل. ورغم اختناق الفرص التقليدية، نراه يحاول أن يرسم مستقبله بيديه: بين قاعات الجامعات، ومساحات العمل الحر، وبرامج الريادة، وفرص العمل عن بُعد، وحتى أحلام الهجرة التي باتت ملاذًا نفسيًا عند كثيرين.
 
 وفي وسط هذا الحراك، يتقدّم سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، بصفته شريكًا للشباب لا مجرد داعم، ومحركًا لفكرة «مشروع وطني جديد» يقوم على الوعي، وتدعمه الريادة، ويبنى بجهد شراكة لا ببرامج معزولة.
الواقع الاقتصادي ليس خافيًا، معدلات البطالة بين الشباب ما تزال عالية، والوظائف التقليدية غير قادرة على استيعاب هذا التدفق السنوي من الخريجين. في المقابل، هذا الواقع يخلق حالة من القلق والشك، لكنه في الوقت نفسه يوقظ لدى فئة واسعة من الشباب حالة من التساؤل العميق:
كيف يتحول الشاب من باحث عن فرصة إلى صانع لها؟
وكيف يصبح التعليم منصّة للعبور إلى سوق العمل لا محطة انتظار مرهقة على الهامش؟
وسط هذه التحديات، تتقدم رؤية التحديث الاقتصادي للمملكة بوصفها خريطة طريق لعشر سنوات قادمة، تراهن على الاستثمار، والقطاع الخاص، والاقتصاد الرقمي، والصناعات الإبداعية، غير أن نجاح أي رؤية اقتصادية لن يتحقق ما لم يمنح الشباب دورًا أصيلاً في صناعتها وتنفيذها، لا مجرد مشاركين في صورتها النهائية.
منذ سنوات، اختار سمو ولي العهد أن يكون قريبًا من هذا الجيل، زياراته للجامعات، ولقاءاته برواد الأعمال، وحضوره في المحافظات، تحوّلت من فعاليات بروتوكولية إلى رسائل سياسية تنموية واضحة:
الشباب ليسوا كتلة انتظار.. بل كتلة قرار.
وفي كل مناسبة، يعيد سمو ولي العهد التأكيد على أن الاستثمار في الإنسان الأردني هو شرط البقاء والتقدم، وليس بندًا ثانويًا في برامج التنمية.
وجاءت مؤسسة ولي العهد لتترجم هذه الرؤية إلى واقع. تعمل المؤسسة على مسارين متلازمين:
         1. تعزيز الوعي والمواطنة والمسؤولية عبر برامج مثل «حقّق» التي أسست لجيلٍ يؤمن بأن الانتماء يمارس على الأرض، لا في الشعارات.
         2. فتح مساحات عملية للابتكار والتكنولوجيا والريادة عبر مختبرات التصنيع الرقمي، وبرامج البرمجة، وحاضنات المشاريع، التي تساعد الشباب على تحويل أفكارهم إلى نماذج أولية ثم إلى مشاريع اقتصادية قابلة للحياة.
 ميزة هذا المسار أنه لا يكتفي بمخاطبة الشباب عبر الشعارات والعاطفة ، بل يمنحهم أدوات حقيقية عملية لبناء مستقبلهم: مهارات مهنية ورقمية، شبكات علاقات مع القطاع الخاص، فرص تدريب حقيقية، ونماذج نجاح قريبة يمكن الاقتداء بها ومساحات تجريب آمنة للتعلم وإعادة المحاولة. ومع ذلك، تبقى التحديات حاضرة وبقوة، الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل ما تزال واسعة، والبيروقراطية تضع أحيانًا عوائق أمام تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة وكثير من الأفكار الريادية تتعثر عند أول حاجز تمويل، أو عند أول احتكاك بمتطلبات وتعقيدات السوق وتحديات الاستمرار.
وفوق ذلك، يبرز التحدي الجغرافي فحجم الفرص في العاصمة لا يشبه ما هو متاح في كثير من المحافظات. فشباب الاطراف والمحافظات يطالبون بأن تصلهم حاضنات الأعمال ومساحات الابتكار والبرامج النوعية، لا أن تبقى حكرًا، ما يجعل العدالة التنموية ضرورة لا خيارًا .
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم:
كيف ننتقل من مبادرات نوعية جميلة في أماكن محددة، إلى سياسة وطنية شاملة توزّع الفرص بعدالة عبر المحافظات؟
ورغم أن ملامح المشروع الوطني الجديد تتشكل بوضوح، يبقى السؤال الأخطر غائبًا عن الكثير من النقاشات:
ماذا لو لم ننجح؟
ما الثمن الذي سيدفعه الأردن إذا لم تتحول وعود التحديث إلى سياسات قابلة للتنفيذ، وإذا بقيت المبادرات الجميلة معزولة بلا تأثير فعلي على حياة الشباب؟
الثمن لن يكون اقتصاديًا فقط ، سيظهر على شكل فجوة ثقة تتسع تدريجيًا بين الجيل الجديد والمؤسسات الرسمية، وتعب يراكمه الشعور بأن الجهود الفردية لا تجد بيئة حاضنة، وأن الطريق نحو المستقبل لا يزال مليئًا بالعوائق القديمة ذاتها.
وفي أسوأ السيناريوهات، قد يتحول الإحباط إلى هجرات مضاعفة: هجرة العقول نحو الخارج، وهجرة الانتماء نحو اللامبالاة وعندها، لن نخسر شبابًا فقط، بل نخسر طاقة التغيير الوحيدة القادرة على حماية الاستقرار وتوليد النمو.
إنّ أخطر ما يمكن أن نواجهه ليس البطالة ولا محدودية الفرص فحسب، بل أن يصل الشاب الأردني إلى قناعة بأن مستقبله لا يُصنع هنا ، هذه القناعة  إن تمددت  تهدد أسس أي مشروع وطني، مهما كانت خططه مكتوبة بإتقان.
لذلك، فإن الرهان على الشباب ليس خيارًا تجميليًا ولا بندًا ثانويًا، بل هو الحد الفاصل بين دولتين:
دولة تستثمر في طاقة جيلٍ قادر على حمل التغيير، ودولة تفوت لحظة تاريخية نادرة كان يمكن أن تعيد تشكيل مستقبلها عبر جيل متعلم، واع، ومتعطش للفعل.
مع تراكم التجربة والخبرات وتزايد حضور الشباب في المشهد، بدأت تتكون ملامح مشروع وطني جديد تقوده روح هذا الجيل.
مشروع يقوم على:
 • وعيٍ جديد بالمواطنة يرى المشاركة والعمل المجتمعي جزءًا من الهوية.
 • ريادةٍ لا تكتفي بخلق نجاح فردي بل تسعى لبناء أثر اقتصادي واجتماعي جماعي.
 •  شراكةٍ صادقة بين الدولة والشباب يمثل فيها سمو ولي العهد جسر الثقة بين طاقة الأجيال الجديدة واحتياجات المؤسسات الرسمية للتحديث والتجديد.
إذا نجح الأردن في ربط التعليم بسوق العمل، وتبسيط الطريق أمام المشاريع الناشئة، وتوسيع برامج التدريب والعمل في القطاعات الحديثة، وان يضمن عدالة الفرص بين العاصمة والمحافظات، فإن هذا الجيل سيكون قادرًا بالفعل على إعادة رسم المشهد الوطني في السنوات القادمة . 
جيلٌ يبدأ بالوعي.. ويبلغ الريادة… وينتهي إلى مشروع وطني جديد يحمل بصمته، تحت قيادة تدرك أن الاستثمار الأذكى والأبقى هو الاستثمار في الإنسان الأردني: عقلًا وقدرةً وإبداعًا.