الغد-هبة العيساوي
أعاد تقرير "حالة مكان العمل العالمي 2024"، تسليط الضوء على تحديات بيئة العمل في الدول العربية، كاشفًا عن ضعف ارتباط الموظفين بأعمالهم مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 20.5 %.
وأظهرت النتائج، أن نسبة الانخراط الوظيفي في الأردن تبلغ 16 % فقط، ما يعكس فجوة واضحة بين الواقع المحلي ومتطلبات بيئة العمل الحديثة.
ويرى خبراء أن هذه الأرقام تعبّر عن أزمات بنيوية في سوق العمل، أبرزها محدودية الفرص النوعية وضعف التحفيز والإدارة التقليدية، إضافة لفجوة الأجور وغياب العدالة في بيئة العمل.
وأشاروا إلى أن ضعف الحوار الاجتماعي وغياب برامج تطوير القيادة يفاقمان المشكلة، مؤكدين أن تحسين الانخراط الوظيفي يتطلب إستراتيجية وطنية تركز على جودة الوظائف، وتربط الأجور بكلفة المعيشة، وتعزز التدريب والحوافز.
ويجمع خبراء، على أن الإدارة الحديثة والحوكمة الرشيدة تشكلان مفتاحًا أساسيًا لرفع الالتزام والإنتاجية وتحسين ترتيب الأردن في المؤشرات الدولية.
ووفقًا لتقرير Gallup - State of the Global Workplace 2024، جاءت الأردن ضمن الدول العربية التي تسجّل معدلات متدنية في ارتباط الموظفين بعملهم، بنسبة 16 % فقط، وهي النسبة ذاتها المسجلة في البحرين وفلسطين، ويُقاس هذا المؤشر بمدى انخراط الموظفين وارتباطهم بعملهم، حيث يُعدّ ارتفاعه دلالة على بيئة عمل محفّزة وإنتاجية أعلى، بينما انخفاضه يشير إلى تحديات بإدارة الموارد البشرية وانعكاسها على كفاءة المؤسسات.
وبحسب التقرير ذاته، تصدرت عُمان القائمة بنسبة 27 %، تلتها العراق والسعودية والإمارات بنسبة 26 % لكل منها، ثم جزر القمر (23 %)، وموريتانيا (22 %)، الكويت(18 %)، تليها المغرب (17 %)، ثم اليمن (13 %)، والجزائر وتونس (8 %)، ومصر (7 %)، فيما جاءت لبنان في ذيل الترتيب بنسبة 5 % فقط.
ويُشير التقرير إلى أن المتوسط العالمي لمعدل انخراط الموظفين يبلغ نحو 20.5 %، ما يضع معظم الدول العربية دون هذا المتوسط العالمي.
تحديات بنيوية
بدوره قال رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، إن مؤشر «حالة مكان العمل العالمي» الذي يقيس جودة بيئة العمل وتجربة الموظفين في مختلف دول العالم، أظهر في تقريره الأخير لعام 2024 تراجع ترتيب الأردن مقارنة بالسنوات السابقة، وهو ما يعكس – بحسبه – وجود تحديات بنيوية عميقة في سوق العمل الأردني.
وأضاف، إن هذا التراجع يعود إلى أن أغلب فرص العمل الجديدة في الأردن ما تزال تتركز في قطاعات منخفضة الإنتاجية والأجور، دون ضمان لاستقرار الوظائف أو توفير بيئة عمل آمنة وداعمة، موضحا، إن الشباب والنساء يعانون بشكل خاص من بطالة طويلة الأمد وقلة الفرص النوعية، فيما تبقى الإدارة في كثير من أماكن العمل تقليدية وتفتقر لبرامج تدريب القادة وتحفيز الموظفين.
وأشار إلى أن الأجور لا تواكب ارتفاع كلفة المعيشة، وأن نحو نصف العاملين ما يزالون خارج مظلة الضمان الاجتماعي، ما يضعف إحساسهم بالأمان الوظيفي ويزيد من رغبتهم في الهجرة أو تغيير العمل، لافتا إلى أن الحوار بين الحكومة وأصحاب العمل والنقابات ما يزال ضعيفًا، الأمر الذي يقلل من قدرة العمال على تحسين ظروفهم أو المشاركة في صنع السياسات.
وأكد أبو نجمة، أن تحسين الوضع يتطلب خطة وطنية متكاملة للعمل اللائق تركز على جودة الوظائف لا على أعدادها فقط، إلى جانب سياسات واضحة لربط الأجور بكلفة المعيشة ومراجعتها بشكل دوري، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتشمل العاملين في الاقتصاد غير المنظم.
وأضاف أن من الضروري تدريب المديرين وأصحاب العمل على أساليب حديثة في القيادة والتحفيز، وتفعيل الحوار الاجتماعي ليشارك العمال وأصحاب العمل في صياغة السياسات. كما شدد على أن دعم العمل المرن وتحسين خدمات النقل ورعاية الأطفال سيسهم في جعل بيئة العمل أكثر جاذبية ويعزز بقاء الكفاءات في سوق العمل الأردني.
من جانبه قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، إن نتائج مؤشر «حالة مكان العمل العالمي» تعكس بدرجة كبيرة مستوى إنتاجية العمل العربي، مشيرًا إلى أن الالتزام بالعمل يشكل جزءًا أساسيًا من هذه الإنتاجية.
وأضاف، إن هذا الموضوع يعكس قضيتين جوهريتين، الأولى تتعلق بـ كفاءة وفاعلية الإدارة، والثانية بـ منظومة الحوكمة في المؤسسات، موضحا أن الحديث عن نسب التزام العاملين بعملهم – لا يقيم أداء الموظف بحد ذاته أو فاعليته، بقدر ما يقيس كفاءة الإدارة ومدى قدرتها على التحفيز والتنظيم.
وبين، إن المؤسسات التي تمتلك تخطيطًا واضحًا، ومؤشرات أداء دقيقة، وإدارة فاعلة، وحوافز عادلة، وأجورًا لائقة، وشروط عمل منصفة، تكون عادةً أكثر قدرة على تحقيق مستوى أعلى من التزام العاملين وإنتاجيتهم.
وقال، "في كل دول العالم، العامل لا يمكن أن يكون ملتزمًا أو عالي الإنتاجية إذا لم تكن هناك إدارة تراقب الأداء، وتضع له أهدافًا ومهامًا واضحة، وتوفر له التدريب والتأهيل، وتحترم حقوقه".
وأكد، أن من الصعب الحكم على ترتيب الدول العربية في المؤشر بالنظر فقط إلى نسب الالتزام، من دون أخذ العوامل الإدارية والحقوقية وشروط العمل وكفاءة الإدارة بعين الاعتبار، لأن هذه العوامل هي التي تحدد فعليًا مدى التزام العامل وإنتاجيته.
موضوع قديم جديد
بدوره قال دكتور الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري، إن موضوع إنتاجية الموظف في العالم العربي هو موضوع قديم جديد، مشيرًا إلى أن القضية تشبه إلى حد كبير إنتاجية الموظف خلال ساعات العمل الفعلية، فـ "الموظف الذي يعمل 8 ساعات في اليوم، لا يقضيها كلها في إنتاج فعلي".
وأضاف، أن النتائج الأخيرة تشير إلى أن متوسط ساعات الإنتاجية اليومية في بعض الدول لا يتجاوز ساعة واحدة أو ساعتين فقط، موضحًا أن ترتيب الأردن في هذا الجانب متدنٍ جدًا، وأن الدول التي جاءت بعده هي في الغالب دول تواجه صعوبات اقتصادية معروفة.
وبين، أن نسبة العاملين في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام تؤدي دورا مؤثرا في هذه النتائج، قائلا إن انخراط الموظف في القطاع الخاص، عادة يكون أعلى بكثير من انخراطه في القطاع العام. وأضاف: «طالما أن نسبة كبيرة من القوى العاملة لدينا في القطاع العام، فإن مستوى الانخراط والإنتاجية يبقى متواضعًا جدًا، وهذا بدوره يخفض المتوسط العام لمستوى الالتزام والإنتاجية».
وأشار الحموري إلى أن القطاع العام يعاني منذ سنوات، وهو بحاجة لإعادة هيكلة وإصلاح إداري حقيقي، فالموظف في "العام" "يدخل العمل وهو مطمئن إلى أنه من الصعب جدا فصله، بسبب الإجراءات القانونية المعقدة"، بينما في "الخاص" يمكن الاستغناء عنه بسهولة نسبية، ما يجعل طبيعة الانخراط والانضباط مختلفة تمامًا بين القطاعين.
وشدد على أنه من الضروري أن تتبنى الحكومة القطاع الخاص كنموذج (Benchmark) في بيئة العمل والإدارة والتحفيز، وأن تسعى إلى تحسين بيئة العمل في القطاع العام لتقترب من معايير الكفاءة والمساءلة الموجودة في القطاع الخاص، وبذلك «يمكن رفع مستوى انخراط الموظفين وتحسين متوسط الإنتاجية، وبالتالي الارتقاء بترتيب الأردن في المؤشرات الدولية».