الغد
هل نملك الجرأة لنقولها بصراحة؟ لن تنهض كرة القدم الأردنية، ولن نصنع منتخبات تُنافس وتستمر وتُراكم الإنجازات، ما لم نُقدِم على خطوة الخصخصة، فدعم الدولة والقيادة موجود. جلالة الملك عبد الله الثاني لطالما كان الداعم الأول، وسمو ولي العهد الأمير الحسين حاضر في كل لحظة مفصلية، وسمو الأمير علي بن الحسين كرّس سنوات من العمل الجاد في تطوير الكرة الأردنية، لكن كل هذا الدعم، مهما كان صادقاً ومستمراً، لا يمكن أن يُعوّض غياب المنظومة المهنية في إدارة الأندية.
خصخصة الأندية ليست مغامرة، بل هي ضرورة حتمية، والسؤال إلى متى ستبقى الأندية تنتظر من يصرف عليها؟ ومن يُنقذها في نهاية كل موسم؟ من يُموّل رحلة خارجية أو معسكراً تدريبياً؟ لذلك فإن الخصخصة تعني أن يصبح كل نادٍ مشروعاً اقتصادياً مستقلاً، يتحمل مسؤولياته، ويعرف كيف يُمول نفسه، ويستثمر في لاعبيه، ويُنتج لا يستهلك.
والسؤال الأهم، هل نملك أندية اليوم تستطيع الوقوف على أقدامها؟ الحقيقة صادمة: لا، والسبب ذلك ليس ضعف الكفاءات، بل لأن الهيكل التمويلي قائم على عقلية "الدعم" لا عقلية "الإنتاج"، فحين يُصبح النادي شركة، ستتغير كل قواعد اللعبة، وسيأتي مستثمرون، وسينشأ سوق حقيقي للاعبين، والمدربين، وحتى الحقوق الإعلامية، فالخصخصة هي التي تصنع منظومة الاحتراف، ومن دونها، ستبقى الإنجازات مجرد طفرات مؤقتة.
وهذا تماماً ما لا نريده بعد إنجاز المنتخب الوطني الأردني بالتأهل إلى كأس العالم، إذ إنه إنجاز تاريخي، بكل المقاييس، حلم كنا نلاحقه منذ عقود، وقد تحقق أخيراً، لكن السؤال الآن: هل نبني على هذا الإنجاز، أم نكتفي بالاحتفال به؟ الواقع يقول إننا دخلنا مرحلة جديدة، وعلى الجميع أن يدرك أن ما بعد التأهل لا يشبه ما قبله، فنحن أمام فرصة نوعية لتغيير شكل كرة القدم الأردنية، وللانتقال بها إلى مستوى جديد من العمل والاحتراف والاستثمار الحقيقي.
ولن يكون ذلك ممكناً إلا بتوسيع قاعدة المشاركة، وتطوير البنية التحتية، ودعم الأندية من خلال الخصخصة لا الإعانات الموسمية، إذ نملك اليوم أكثر من منتخب قوي، تحت 23 وتحت 20 عاماً، وهذه المنتخبات تحتاج إلى بيئة تحتية متطورة، وملاعب موزعة في جميع أنحاء المملكة، ونظام يصنع اللاعب من المدرسة إلى الاحتراف.
خصخصة الأندية ستجعل هذه المنظومة قابلة للحياة، وستحول الأندية إلى مصدر دخل لا عبء على الدولة، وستمنح المستثمرين فرصة دخول قطاع واعد، كما هو الحال في دول كثيرة سبقتنا في هذا المجال، وبدلاً من الاعتماد الكامل على الدولة أو الاتحاد، سيكون لكل نادٍ موارده وخططه واستقلاليته.
وفي الختام، لا نحتفل فقط بتأهل منتخبنا الوطني إلى كأس العالم، بل نحتفل ببداية مرحلة جديدة يجب أن نبنيها بعقل لا يعرف التراخي، وبرؤية لا تقبل أن يعود كل شيء لما كان عليه قبل هذا الإنجاز.