شح المصادر والتغير المناخي واللجوء.. ثلاثية تهدد الأمن المائي
الغد-إيمان الفارس
وسط اجتياح مخاطر متراكمة في الدول المتأثرة بالأزمات والصراع والهشاشة والنزوح، ومن ضمنها الأردن، تتعالى أصوات لمجابهة تلك المخاطر، بخاصة المرتبطة بالمياه والتغير المناخي واللاجئين، والمؤدي تزعزها بشكل مباشر لتهديد الأمن المائي.
تحديات تحقيق الأمن المائي
ولكن في ظل تداخل آثار متراكمة ومتتالية للمخاطر المرتبطة بالمناخ والنزاعات وعلاقتها بنشوب أزمات في الأمن المائي، والتي يحذر تقرير دولي من انعكاسات تحدياتها، وأهمية دمج أمنها بشكل متكامل، يؤكد الأمين العام لوزارة المياه والري د. جهاد المحاميد، أن إستراتيجية قطاع المياه في الأردن للأعوام 2023-2040، تظهر التزاما بمعالجة تحديات تحقيق الأمن المائي في الأردن الذي "يعدّ تحديا إستراتيجيا معقدا، بخاصة في ظل ثلاثية الأردن واللاجئين والتغير المناخي".
ويقول المحاميد، في تصريحات لـ "الغد"، إن "مدى وضع إستراتيجية قطاع المياه لهذه الثلاثية ضمن أولوياتها ونجاحها في تحقيق ذلك؛ يتطلب تحليلا دقيقا".
وفيما يوصي تقرير صدر عن الموقع الدولي المتخصص بالشؤون العلمية "سي جي آي ايه آر"، بأهمية اعتماد إستراتيجيات قابلة للتطبيق الفوري تعزز الأمن المائي والغذائي والإنساني، مع تعزيز القدرات التكيفية للمجتمعات النازحة، توازيا واتخاذ حلول ملموسة قابلة للتوسع والتكرار في مناطق هشة أخرى، يشدد المحاميد على إدراج إستراتيجية قطاع المياه لثلاثية الأردن واللاجئين والتغير المناخي، ضمن أولوياتها، "لكن التركيز يظل أقوى على التحديات الوطنية مثل شح المياه مقارنة باللاجئين أو التغير المناخي".
ويضيف في الإطار ذاته، "أن هناك تقدما في تعزيز الحوكمة، الشفافية، ومشاركة القطاع الخاص، لكن النجاح يعتمد على إصلاحات مؤسسية أعمق، وتمويل مستدام، وتنسيق أفضل بين الجهات".
ويبين الأمين العام لـ "المياه" أن رؤية التحديث الاقتصادي للأعوام 2023-2030، توفر فرصة لتحقيق هذه الأهداف، لكنها تتطلب تسريع التنفيذ ومواجهة التحديات اللوجستية والمالية بشكل أكثر فعالية.
وفي حين ينبّه التقرير الذي حمل عنوانه "دمج أمن المناخ والمياه والغذاء في البيئات المتأثرة بالصراع والنزوح: أمثلة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، من مخاطر تجابه المنطقة من صراعات مستمرة متعددة وسط توترات متزايدة حول ندرة المياه والوصول إليها، وعدم استدامة سبل العيش، والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، يوصي المحاميد بتعزيز برامج مخصصة لدعم اللاجئين في إدارة الموارد المائية، وتسريع الإصلاحات المؤسسية لتحسين الحوكمة والشفافية.
توسيع الشراكات
مع القطاع الخاص
ويدعو لضرورة توسيع الشراكات مع القطاع الخاص عبر حوافز استثمارية واضحة، والاستثمار بتقنيات مستدامة مثل الطاقة المتجددة لخفض تكاليف مشاريع المياه.
ويوضح المحاميد أن مدى دعم إستراتيجية قطاع المياه لثلاثية الأردن واللاجئين والتغير المناخي؛ تتلخص في محور الأردن وشح المياه، كون الأردن من أفقر الدول مائيًا عالميًا، حيث يُعاني من عجز مائي سنوي يُقدّر بحوالي 450 مليون م3.
ويؤكد في المحور ذاته، على أن الإستراتيجية تركز على تطوير مصادر غير تقليدية مثل تحلية مياه البحر، مشروع الناقل الوطني، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة للزراعة والصناعة، وهي خطوات تهدف إلى تعزيز الأمن المائي في ظل محدودية الموارد.
أما في محور اللاجئين؛ فيلفت المحاميد لانعكاس تدفق اللاجئين السوريين، والمقدر عددهم بأكثر من 700 ألف منذ 2011، على زيادة الضغط على الموارد المائية، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني أصلًا من شح المياه.
ويوضح أن الإستراتيجية تتواءم مع خطة استجابة الأردن للأزمة السورية، حيث تدعم مشاريع لتحسين إمدادات المياه للمجتمعات المضيفة واللاجئين، مثل تلك التي يمولها الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، منوها لأنه "مع ذلك، لا توجد تفاصيل واضحة في الإستراتيجية عن تخصيص برامج محددة للاجئين، مما قد يشير إلى أولوية ثانوية مقارنة بالتحديات الوطنية الأوسع".
أما بخصوص محور التغير المناخي؛ فينبه الأمين العام للوزارة من تأثيراته على تفاقم شح المياه عبر انخفاض هطول الأمطار، وسط توقعات بانخفاض يصل لـ50 % في بعض المناطق العربية بحلول العام 2050، وزيادة الجفاف والفيضانات.
إلا أنه يؤكد في الوقت ذاته، أن الإستراتيجية "تتضمن تدابير للتكيف مع التغير المناخي، مثل تعزيز كفاءة استخدام المياه، حماية الموارد الجوفية، واستخدام الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، لتقليل كلفة تحلية المياه".
الخطط الحالية غير كافية
لمواجهة التحديات المناخية
وتابع "لكن هناك انتقادات تشير إلى أن الخطط الحالية قد لا تكون كافية لمواجهة التحديات المناخية، خاصة في القطاع الزراعي الذي يعتمد بشكل كبير على المياه".
وفي تقييمه لإدماج الإستراتيجية المائية لكامل تلك العناصر المرتبطة بالأردن، واللاجئين، والتغير المناخي ضمن أهدافها، فإن المحاميد يشدد على أنها تركز بشكل أكبر على التحديات الوطنية؛ مثل شح المياه وتحسين البنية التحتية.
أما قضية اللاجئين، فتُعالج بشكل غير مباشر عبر دعم المجتمعات المضيفة، بينما التغير المناخي يحظى باهتمام متزايد ولكن قد يفتقر لخطط تنفيذية طموحة بما يكفي، بحسبه.
وعن الدعم المؤسسي وإعادة هيكلة قطاع المياه، فيبين أن الدعوات الحديثة تشدد على تطلب نجاح إستراتيجيات الأمن المائي، إصلاحات مؤسسية، شفافية، ومشاركة القطاع الخاص، وهي عناصر تتماشى جزئيًا مع رؤية التحديث الاقتصادي 2023-2030.
وبخصوص إعادة الهيكلة المؤسسية؛ يشير للحاجة لتحسين الحوكمة بقطاع المياه لضمان تنفيذ الإستراتيجيات بفعالية، مبينا أن "النهج القائم على النظام الإيكولوجي لإدارة المياه، الذي تتبناه الإستراتيجية، يتطلب ترتيبات حوكمة قوية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية".
وتشير الإستراتيجية لتحسين التنسيق بين المؤسسات، مثل سلطة المياه وشركات المياه، لكنها تحتاج إلى خريطة طريق واضحة لإصلاحات هيكلية شاملة، وفق المحاميد.
كما يسلط المحاميد الضوء على الشفافية باعتبارها ركنا أساسيا ترتكز الدعوات الدولية على أهميتها في التقارير المالية لضمان التمويل المستدام، فضلا عن أهمية دور مشاركة القطاع الخاص.
وبخصوص محور مشاركة القطاع الخاص، فيلفت لتأكيد رؤية التحديث الاقتصادي للأعوام 2023-2030، على تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع مستدامة، خاصة في قطاعات المياه والطاقة.
ويضيف أن "الإستراتيجية تدعم هذا التوجه عبر تشجيع الاستثمارات في مشاريع مثل تحلية المياه وإعادة التدوير، لكن هناك تحديات تتعلق بجذب استثمارات القطاع الخاص بسبب المخاطر المالية والبيروقراطية".
ويتابع "على سبيل المثال، مشروع الناقل الوطني يعتمد جزئيا على تمويل خارجي، ما يبرز الحاجة إلى شراكات أقوى مع القطاع الخاص.
كما يؤكد الامين العام لـ "المياه" أهمية دور تمويل المشاريع المستدامة، لا سيما وأن الإستراتيجية تعتمد على مصادر تمويل متنوعة، وتشمل المنح والقروض الدولية، مثل البنك الدولي، والاستثمارات الخاصة.
وذلك إلى جانب التركيز المتزايد على استخدام الطاقة المتجددة لخفض تكاليف مشاريع المياه، كالتحلية، مما يتماشى مع أهداف الاستدامة في رؤية التحديث الاقتصادي.
وفي تقييم محاور العناصر الداعمة لإعادة الهيكلة المؤسسية والشفافية ومشاركة القطاع الخاص والتي تضمنتها الإستراتيجية المائية، فهي متوفرة، "لكن التنفيذ يواجه تحديات مثل نقص التمويل، البيروقراطية، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية"، بحسبه.
أما "رؤية التحديث الاقتصادي توفر إطارًا طموحًا، لكن تحقيقها يتطلب إصلاحات أعمق وتسريع الشراكات مع القطاع الخاص"، وفق المحاميد.
وعودة لتفاصيل التقرير ذاته، فإنه يشير لاستمرار صراعات متعددة وسط توترات متزايدة حول ندرة المياه والوصول إليها، وعدم استدامة سبل العيش، والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، مما أدى إلى نزوح مطول.
ويتابع أن تغير المناخ يمكن أن يخلق وسط هذا المزيج، مخاطر مركبة وحلقات تغذية راجعة مُعقدة قد تُفاقم الهشاشة والصراعات والنزوح.